أنطون سيدهم.. ومشوار وطني
أنطون سيدهم .. والسياسة الداخلية
كتب الكثيرون عن التلوث وعواقبه الوخيمة علي المجتمع وصحة المواطنين وما يسببه من أمراض خيرة, ولم نجد أي تجاوب من الحكومة وخصوصا أن الحكومة والقطاع العام هما العامل الأكبر للتلوث وإفساد البيئة, إذ قامت بالكثير من المشروعات والمصانع في أماكن أغلبها في المناطق الآهلة بالسكان, مما أفسد جو هذه الأماكن وأضر بصحة سكانها.
لقد كانت ضاحية حلوان من المشاتي العالمية إذ كان يفد إليها كل شتاء الكثير من الأجانب والمصريين لتمضية أيام الشتاء أو بعضها يتمتعون بشمسها المشرقة ودفئها وجفاف هوائها وهدوء أرجائها, فجاءت الحكومة وأنشأت بها مصانع الحديد والصلب ومصنع شركة النصر للسيارات وبعض المصانع الحربية, مما أدي إلي فساد جوها وتشبعه بالكبريت والتلوث مما تخرجه مداخن هذه المصانع من أدخنة مشبعة بالمواد الخطيرة علي صحة الإنسان, وكذا الحال في الإسكندرية فقد أحاطتها الحكومة بالمصانع التي أفسدت جوها, بل وأخيرا سمحت ببناء العمارات الشاهقة علي شواطئها مما تسبب في حجب هواء البحر النقي المنعش عن الوصول إلي داخل المدينة, فأصبح الجو مشبعا بأدخنة المصانع الملتفة حول المدينة, وكذا الحال بالنسبة لأغلب المدن الكبري في مصر.
وأيضا أهملت الحكومة في المحافظة علي ماء النيل من التلوث فقد أصبح مسرحا لإلقاء فضلات المدن والقرن التي يمر بها, بل وأنشأت علي طول مجراه المصانع الكثيرة التي تلقي ما تخرجه من فضلات في النيل العظيم, وأغلبها تحمل مواد كيميائية سامة لوثت مياه النهر, ناهيك بما يلقيه سكان القري من الحيوانات النافقة ومياه الصرف, وهكذا تلوثت مياه النيل وأصبحت ضارة بالصحة, الأمر الذي جعل الدول الأجنبية تنبه علي مواطنيها المسافرين إلي مصر, سواء كانوا سائحين أو رجال أعمال بالامتناع تماما عن شرب المياه العادية والاقتصار علي المياه المعدنية, وإذا سهي علي بعضهم وشربوا بعض المياه العادية فإنهم يصابون بالإسهال والآلام المعوية, وقد يقول قائل بإنه لا يحدث لنا مثل هذا, والرد علي ذلك بأن إمعاءنا تعودت علي استعمال هذه المياه الملوثة ولكنها بالطبع علي المدي الطويل تؤثر علي أجهزة الجسم حتي إنه يقال أن أمراض الكلي والفشل الكلوي التي انتشرت الآن بمصر سببها تلوث مياه الشرب.
وحدث ولا حرج عن لوريات القطاع العام وحافلاتها, وكذا حافلات الركاب التي تسيرها هيئة النقل العام في شوارع القاهرة والإسكندرية, مما تنفثه شكماناتها من عوادم هي عبارة عن غازات سامة تحول هواء القاهرة إلي جو ملوث خانق يضر ضررا بليغا بصحة المواطنين.. كل هذا بسبب استعمالها للسولار بدلا من البنزين, بل والسماح للموتسيكلات باستعمال وقود غريب يخرج دخانا وغازات خانقة في شوارع القاهرة والإسكندرية.
وقامت الحكومة بتقطيع أغلب الأشجار والقضاء علي أغلب الحدائق التي كانت بالقاهرة واستعملتها لبناء مرافقها ومصالحها, لقد كان بالقاهرة الكثير من الحدائق في أرجائها المختلفة, كما كانت تظلل شوارعها الأشجار الباسقة عندما كان تعدادها نصف مليون مواطن, والآن وبعد أن وصل تعدادها إلي أحد عشر مليونا, لم تنشئ الحكومة حدائق جديدة في القاهرة, بل انقضت علي الحدائق والمنتزهات القديمة فأزالت أغلب أشجارها واستعملت أراضيها للبناء, وهي تعلم تماما أن هذه الحدائق ضرورية جدا لتنقية الهواء وإنتاج الأكسجين الذي نفد طوال النهار, وأن ما حدث لحديقة الأزبكية التي كانت مكانا جميلا في وسط القاهرة لتنقية جوها ومكانا رائعا للعائلات والأولاد والأطفال للتنزه فيها لخير دليل علي هذا التصرف وهكذا يتضح أن الحكومة هي السبب الرئيسي في تلوث البيئة وبالرغم مما تقوم به من عقد المؤتمرات الخاصة بتلوث البيئة وعلاجها, فلم تتحرك هي لاتخاذ أي إجراء لمعالجة ما أفسدته!