أنطون سيدهم ومشوار وطني
آراء في الأزمة الاقتصادية
كما سبق وأوضحنا, فإن مشاكل مصر الاقتصادية تجمعت وتراكمت علي مدي الثلاثين عاما الماضية, نتيجة لأسباب كثيرة ومتعددة, تشابكت وتفاعلت مع التطورات السياسية والاجتماعية, حتي أصبح حلها عويصا, ويحتاج إلي جهد خارق وعمل متواصل تقوم به الحكومة والشعب بكل عناصره وفئاته, متكاتفين ومتعاونين, مؤمنين ومتفانين في الهدف السامي الذي يسعون لتحقيقه, ألا وهو إنقاذ مصر من ورطتها والنهوض بها من عثرتها, لتصبح وطنا ناجحا ومزدهرا متقدما نفخر به جميعا.
قبل أن نناقش الإصلاح اللازم, يجب أن ندرس حالة الشعب الذي سيؤلف العنصر الأساسي في التنفيذ للأسف الشديد فإن الإنسان المصري المجد العامل المجتهد الخلاق الذي بني الحضارة المصرية منذ آلاف السنين, والذي عمل وجاهد وكافح في ظل ظروف صعبة وقاسية, هذا الإنسان الذي بني الاقتصاد المصري زراعيا وصناعيا, وكان محل إعجاب العالم حتي الأربعينات, جاءت الثورة فأصدرت التشريعات والنظم لإرضائه واسترضائه, لدرجة التسيب فأصبح يسعي بشتي السبل للحصول علي حقوق أكثر فأكثر, بدون أي اهتمام بالواجبات التي يجب أن تتناسب مع هذه الحقوق والمزايا التي حصل عليها, وأصبح مبدأ الثواب والعقاب مفقودا في هذا البلد, فالمجد ـ وهو النادرـ يتساوي مع المهمل والمستهتر والمقصر, وهو الغالبية, في الحصول علي مغانم الاشتراكية المشوهة.
كما أن الهزائم المتوالية التي حاقت بالبلاد في حروب 1956 ,1967, وحروب اليمن, أفقدت الشعب الإيمان بالشعارات الجوفاء والاقتناع بالقضايا العامة التي تنادي بها الحكومة, وحتي عندما انتصرنا في سنة 1973, لم يستغل هذا النصر لصحوة قوية للشعب, وتحويله من شعب مستهلك إلي شعب منتج, وزاد علي ذلك الوعود الكثيرة التي أطلقتها الحكومات المختلفة للإصلاح, والانتقال بالشعب – إلي حالة أحسن, ولم يتحقق منها شيء, كل هذا جعل الشعب يفقد الثقة بحكوماته ووعودها التي تطلقها من حين إلي آخر, بل وأصبحت هذه الوعود محل التندر والفكاهة من الشعب.. ففقد الشعب إيمانه وانتماءه وثقته بالنظام.
أما العنصر الأساسي التالي, هو المستثمرون وإقبالهم علي إقامة المشروعات اللازمة للتنمية, مستخدمة في ذلك رؤوس الأموال الضخمة, وأحدث ما يمكن من التكنولوجيا الحديثة, حتي يمكن القفز بإنتاجنا من حيث الكم والكيف إلي المستوي العالمي, لنكفي استهلاك المواطنين والزيادة الهائلة في السكان, مع تصدير ما يكفي لتغطية احتياجاتنا من العملات الأجنبية لاستيراد لوازم الإنتاج, وسداد فوائد وأقساط ديوننا… بكل صراحة, فإنه في الوضع الذي نعيشه والبيروقراطية التعسة التي تسيطر علي مقدرات هذا البلد, والتي لا عمل لها إلا تعطيل المشروعات وتخريب كل عمل صالح, فإنه لا أمل في أن يقبل المستثمرون, سواء من الأجانب أو المصريين, علي استثمار أموالهم في إقامة مشروعات جديدة.
إن تصريحات الوزراء والمسئولين تؤكد إزالة المعوقات أمام المستثمر, بينما الحقيقة تخالف ذلك تماما.. فإن جميع الأجهزة تعمل كل جهدها لإقامة المعوقات البشعة لإحباط وإجهاض أي مشروع جديد.. إن المتتبع لسير الأعمال في هذا البلد ليجد عدم تجاوب الأجهزة التنفيذية مع الرئاسات والقيادات, ولا أدل علي ذلك من أن كثيرا من المشروعات التي وافقت علي إقامتها الأجهزة المختصة لم يتم تنفيذها, بعد أن فشل المستثمرون في تخطي ما وضع أمامهم من عقبات.
إن ما يراه المستثمرون مما يحيق بالاستثمارات التي تحققت وأتت بربح من انقضاض الإدارات والأجهزة عليهم بطريقة شرسة, كزيادة أسعار القوي المحركة بأثر رجعي, ومطالبتهم بمبالغ طائلة, بالرغم من أن إنتاجهم حسبت تكلفته وتم بيعه علي أسعار الطاقة الأقل سعرآ, أو مصلحة الضرائب ووسائلها الدكتاتورية في الفحص والتقدير والتنفيذ بطريقة مخزية, وكذا الطريقة الخطيرة في تعديل القوانين والنظم بصفة مستمرة, أفقدت العمل استقراره, هذه وغيرها تمنع أي مستثمر من الإقدام علي بذل الجهد المضني وتعريض أمواله لمخاطر الاستثمار, وفي نهاية المطاف يتم تعقبه وملاحقته ومعاقبته علي ما حققه من نجاح وربح, إذا تحقق تحت تلك الأوضاع القاسية.
إذا لم تعمل الحكومة علي تعديل القوانين التي أفسدت جهاز العمل والإنتاج, وعلي إعادة الثقة والولاء والانتماء إلي طبقات الشعب, والضرب بيد من حديد علي البيروقراطية المخربة والمعوقة للعمل الجاد المخلص,إذا لم يتم هذا فإن ما سنطرحه من وسائل إصلاح المسار الاقتصادي يكون عبثا, ولا طائل منه.