أنطون سيدهم.. ومشوار وطني
أنطون سيدهم والسياسة الداخلية
1994/1/23
كم كان النيل جميلا منذ ثلث قرن عندما كان الفيضان في شهريه أغسطس وسبتمبر من كل عام يملأ النيل بالماء المحمل بالطمي الثمين الذي كان يسعد الأرض ويعطيها خصبا طبيعيا مفيدا بدلا من السماد الكيميائي الذي يستعمل الآن وبكثرة والذي أضر بنا وبصحتنا, أن أنسي ما أنسي عندما كنت أعود أسبوعيا بالسيارة من الإسكندرية في شهري الفيضان العالي ويدخل السائق القاهرة عن طريق بولاق ويسير بحذاء النيل فأراه في أوج مجده وقد امتلأ حتي ضفتيه بمياه الفيضان السمراء الجميلة ـ والسفن الشراعية الرأسية في روض الفرج وبولاق محملة بخيرات الصعيد وكأنها تقف في الشارع بجوار السيارات وعربات النقل, هذا النيل الذي كان يشرح الصدر بالنظر إليه ويفرح القلوب بانتظار ما يأتي به من فيضان رائع محملا بأنواع الأسماك النيلية اللذيذة, ماذا أصبح حاله الآن!!
إنه في أسوأ حال بسبب التلوث الذي نقرأ من حين لآخر عما اتخذته وستتخذه الحكومة للعمل علي منع هذا التلوث البشع, من تركيب أجهزة تنقية علي مصبات المصانع القائمة علي طول مجري النيل والتي تلقي فيه بفضلاتها المحملة بمواد كيميائية ضارة ومؤذية والتي تسببت في القضاء علي أغلب أنواع الأسماك الجيدة ولم يبق إلا بعض الأنواع الدنيا منها, نعم نقرأ عن القوانين التي صدرت لمراقبة هذه المصانع ومتابعة تنفيذ القوانين, ولكن الاهمال والاستهتار وخراب الذمم أدي إلي بقاء الحال علي ما كان عليه من تصريف هذه المواد السامة به بدون أي تنقية, أن آلاف القري والمدن المقامة علي مجري النهر تقذف بصرفها الصحي في النهر بما تحمله من جراثيم ومواد ضارة مما جعلت مياهه ملوثة وغير صالحة للاستعمال, وكل ما كتب عن اللوائح والتعليمات لتنقية هذه الفضلات ذهبت أدراج الرياح.
كما أن المزارع علي طول المجري تلقي فيه بمياه الصرف الزراعي بعد أن تكون قد غسلت الأرض مما بها من أملاح وحملت معها كمية وافرة من المبيدات الحشرية التي أخذ المزارعون في استعمالها بسفه, هذه المواد السامة تذوب في مياه الصرف وتختلط بالنيل ثم يأتي المواطنون ليشربوا هذه المياه التي تضر بصحتهم وتصيبهم بالكثير من أمراض الكلي والكبد, وما الفشل الكلوي وتليف الكبد الذي انتشر بين المصريين حتي أخذ صورة الوباء إلا نتيجة لهذه المواد الكيميائية المستخدمة كمبيدات حشرية.
لقد أصبح النيل المكان السهل لتخلص سكان شواطئه من جيف المواشي النافقة, فعلي طول المسافة من أسوان حتي دمياط ورشيد تري جيف البهائم سابحة علي وجه الماء وتسير مع التيار حتي المصب, فوق ما تقوم به هذه الجيف من تلويث لمياه النيل فإن منظرها منفر ومخجل والسياح الأجانب ينظرونها متفكهين بمدي الاهمال بهذا المرفق العظيم.
أن الطامة الكبري هي ما تقوم به الفنادق العائمة وعددها يزيد علي المائتي فندق من إلقاء صرفها الصحي وعوادمها في النيل ملوثة إياه, والغريب أنها تعود وتسحب من هذه المياه ما يلزمها للاستعمال والشرب بعد تنقيتها تنقية ضعيفة وقاصرة, وتستخدمها وهي ملوثة سواء في المطابخ أو لشرب نزلائها, وكذا لاستعمالاتها الأخري ـ مما يسبب نزلات معوية لهم وملازمتهم للفراش, وهي سمعة سيئة للسياحة, وقد سبق أن كتبت في هذا الموضوع ولا سميع ولا مجيب وما نسمع من وزير السياحة إلا كلاما كثيرا وتصريحات رنانة لا تنفع بشيء, ولم لا تنشئ وزارة السياحة مأخذ مياه نقية في جميع مراسي هذه الفنادق العائمة, ولم لا تلزم هذه الفنادق علي استخدام أجهزة تنقية علي مخارج الصرف منها, وتداوم التفتيش علي ذلك باعتباره اجراء هاما للسياحة وصحة السائحين.
لقد شبعنا لجانا ومؤتمرات خاصة بالتلوث والأبحاث الكثيرة التي لا نتيجة لها نريد عملا حازما يتولاه موظفون بعيدون عن البيروقراطية والتعاون وقلة الدقة.