أنطون سيدهم .. والسياحة الداخلية
إلي أين يذهب الشباب والطلاب في مدة الصيف..؟
إنهم يؤلفون عدة ملايين, ويصل عددهم إلي ما يقرب من الثلث من مجموع هذا الشعب..
والإجازة السنوية أو المدرسية في الصيف تبلغ نحو ثلاثة أشهر..
فماذا تصنع تلك الملايين العديدة في خلال هذه الأشهر..؟
لقد أعد معظم بلاد العالم البرامج التي تشغل أوقات الفراغ عند الشباب فيما ينفع ويفيد..
فماذا أعددنا نحن..؟
* * *
كان بعض الشباب يلجأ إلي السفر إلي الخارج, ويجد في هذا السفر متنفسا مما يعانيه.. وخلاصا من الجدب الذي يلاقيه.
وبالرغم مما كان يستهدف له من متاعب الاغتراب, ومن مشاق السفر, ومن عقبات في طريق البحث عن عمل, أي عمل مهما هان أو ضؤل, إلا أنه كان يجد في تلك المتاعب والمشاق ما ينفس به عما في نفسه من ضيق, وما يهيء له من أسباب التحرر والانطلاق.
وفي هذا العام, لم يعد سفر الطلاب إلي الخارج ميسورا كما كان في سائر الأعوام, فقد فرضت عليه القيود من البلاد التي كانت تستقبل أعدادا منهم, وأصدر معظمها التعليمات إلي سفاراتها بعد إعطاء تأشيرات دخول إليها لهذا النوع من الطلاب بعد أن ضاقت بهم..
فإلي أين يذهبون..؟
هل نقذف بهم إلي قارعة الطريق..؟
وحتي هذا الطريق كاد يغدو مسدودا, فقد أصدرت الأجهزة الإدارية أوامر مشددة بعدم السماح بلعب الكرة في الشوارع..
ولسنا نؤيد السماح بلعب الكرة في الشوارع, فهذه ظاهرة طالما شكا منها الناس.. لكننا نبحث عن المكان الذي يستوعب تلك الأعداد الهائلة من الصبية والشباب, وعن السبيل إلي تهيئة الجو المناسب لأكبادنا لقضاء أوقات فراغهم فيما يعود عليهم وعلي الوطن بالخير والنفع..
* * *
إننا نبحث هنا عن علاج لذلك النزيف المتصل من الوقت والطاقات الضائعة بلا طائل.. بل وفي كثير من الأحيان بما يعود بالضرر علي النشء..
ولن يحتاج البحث إلي عناء, فيكفي أن نلتفت حوالينا, لنعرف كيف تفيد دول العالم من أوقات وطاقات شبابها.. بل يكفي أن نعود بالخاطر إلي الماضي, حينما كانت هناك نواد وساحات شعبية تضم أعدادا كبيرة من أولئك الطلاب.
ولأضرب مثلا ببعض أحياء القاهرة, فقد كان في حي شبرا أكثر من ناد وساحة شعبية, كان فيها نادي شبرا الرياضي, ونادي مدرسة التوفيقية ونوادي المدارس الأخري, وغيرها وغيرها, فماذا بقي منها..؟
وفي حي الفجالة, كانت هناك نواد بمدارس التوفيق, وثمرة التوفيق وجمعية أصدقاء الكتاب المقدس.. وغيرها.. ولم يعد شيء منها..
كانت هناك نواد وساحات شعبية في الوقت الذي لم يكن عدد الشباب قد بلغ فيه هذا القدر المتزايد والمتكاثر.. وكان ينبغي أن يزيد عددها مع السنين, فكيف بها تتضاءل وتتلاشي؟.. وكيف بنا نتأخر ونتقهقر, في الوقت الذي يأخذ فيه غينا بأسباب التقدم والتطور.
أليس هذا دليلا علي الافتقار إلي سياسة مرسومة من أجل شبابنا وطلابنا..؟
* * *
إن السياسة المنشودة للعناية بالشباب ليست مشكلة أو معضلة, ولا تتطلب ما تنوء به الكواهل من متاعب, بل إنها تخفف من المتاعب التي تنجم عن ترك أمر الشباب هكذا فوضي, ويستطيع القائمون علي رعاية الشباب أن يفيدوا مما سبق من تجارب.
لقد عمل في ميدان خدمة الشباب عدد من الهيئات والجمعيات والمؤسسات, وأثمرت ونجحت نجاحا باهرا, وكان بعض ثمار ذلك النجاح نادي كويري الليمون بالقاهرة, ونادي فرغلي بالإسكندرية, وغيرهما من التجارب الأخري..
ماذا لو اتخذت هذه التجارب كنماذج لنواد مماثلة في مختلف الأحياء؟
إننا لا نريد أن نلقي عبئا علي كاهل الدولة, ولا نطلب منها إنشاء النوادي والساحات الشعبية والأنفاق عليها.. فيكفيها ما تنهض به من أعباءجسام, في توفير مواد التموين فيكفيها ما تنهض به من أعباء جسام, في توفير مواد التموين ودعمها وجعلها في متناول سواد الشعب, بالرغم من الزيادة الفاحشة في الأسعار العالمية, وفي الاضطلاع بنفقات التعليم الطائلة, والمحافظة علي الأمن الداخلي والخارجي للدولة, وما تبذله من جهود جبارة لرفع مستوي الخدمات وإزالة تراكمات سني التخلف.. يكفي الدولة هذا وغيره مما تنفض به من أعباء, وتبقي مسئولية المجتمع عن هذه البراعم والأغصان أن يتولاها بالسقي والرعاية والعناية.
ومسئولية المجتمع هنا في تأليف الهيئات الأهلية, والجمعيات التطوية في كافة البلاد والأحياء, لوضع المشروعات التي تستوعب أوقات وطاقات النشء والشباب في مختلف المراحل, بما يدرأ عنهم الاستهداف للفراغ والضياع وبما يهيئ لهم النمو العقلي والخلقي والجسماني.
إن هؤلاء هم عماد الوطن وعدته في مستقبله, ومن واجبنا أن نعدهم لمستقبل أفضل..