كم من المرات انتهت حماقتنا إلى أن المساعدة هي المال، بضعة جنيهات كل شهر وزيارة سريعة نختلس فيها نظرات الرحمة والشفقة على آلام البشر، ثم اكتشفنا أنه لا مفر من التعايش مهما كان مؤلماً، فكم من المرات رأينا طفلاً يتناول طعامه من صناديق القمامة، وكم من رجل انتظر الظلام حتي يبحث في تلك الصناديق عن طعام لأسرته، فخلف كل باب قصة نسج خيوطها مبدع كبير اسمه القدر، وراء كل احتياج كبير، حكاية أكبر اسمها الماضي الدفين، والحاضر المؤلم، والمستقبل المجهول، ووطن لايزال في طور التعافي.. نعم حتى الوطن يشارك في حكاياتنا فمن كانوا بالأمس فقراء صاروا تحت خط الفقر المدقع، ومن كانوا مستورين تحولوا إلى معدمين ومن كانوا أثرياء لا نعرف حالهم كل ما أعرفه أن هناك من كانوا يساعدون باب افتح قلبك قبل سنوات ثم تحولوا إلى حالات تستحق المساعدة بسبب الظروف الاقتصادية وسياسات تخضع لشروط القروض الدولية رفعت أسعار كل السلع الأساسية، فضلا عن تعويم الجنيه الذي أصابه بسكتة في القوة الشرائية، فصار لا يوازي ثمن بيضة واحدة فمن أين للمواطنين الانفاق علي أطفالهم؟
هكذا تلعب كل المعطيات دورا في حياتنا فتنتج أحوالنا ومشاعرنا من الشقاء والسعادة وفي كل حكايات البشر أنصبة موزعة من الألم والحب والأمل والفقر والمرض، ولكل منا نصيبه. قد يزعم البعض أنه حظي بنصيب أوفر من المال، لكنك تجده مخصوما من رصيده في السعادة أو النجاح أو الصحة وهكذا لايوجد كمال علي وجه البسيطة قليلون هم الذين يؤمنون بذلك وكان منهم نعيم.
خزان الرضا
حصل نعيم على دبلوم التجارة عام1982 ثم التحق بالعمل في شركة لتوفير عمال الأمن واستمر في عمله وتزوج في عام 1993 وأنجب بنتين رعاهما وعلمهما جيدا، إحداهما تخرجت بعد دراسة جامعية، لكنها لم تجد عملا حتى الآن, والأخري مازالت تدرس.. حينما ترى نعيم تجده رجلا طيبا هادئ القلب، بشوشا، وخجولا أيضا فتقدر حجم الضغط الذي يكون واقعا علي أعصابه ورجولته حتى يأتي طالبا مساعدة إنه من المستورين وبناته من الموفقات فلا يمكنه الظهور كرقم في كشوف العطايا.
يقول نعيم:كبرت وكبر الزمن كله. كبرت وشعري شاب,ورغم أن صحتي كويسة إلا أن أصحاب الشركة مش شايفين ده,قرروا فجأة يصفوا كل العاملين من كبار السن, كنت وقتها في أواخر الأربعينيات حاولت بكل الطرق حتي لو بعد تصفية معاشي إني اشتغل بالساعة أو باليوم أو أي شيء, رفضوا استسلمت للظلم ودورت علي شغل ورحت اشتغلت في الإسكندرية كان المرتب ألف جنيه,في حين أن مرتبي الأول كان بيوصل بالبقشيش لخمسة آلاف جنيه,وبعد ما كنا مستورين أصبحنا مش لاقيين نأكل في الوقت ده كنت عايش في بيت والدي أنا ومراتي وبناتي أمي كانت متوفية وهو قرر يتجوز وطبعا العروسة الجديدة ماتنفعش تعيش معانا.
وقرر أبويا يطردنا بره الشقة وبقينا لا شغل ولاسكن ومن القسوة كنت باتحرق كل يوم لكن مش عارف أعمل أيه,أجرت شقة في فيصل الإيجار500جنيه,خلصوا القرشين تحويشة العمر علي الإيجار والأكل والتعليم,وبطلنا ندفع الإيجار حسيت أن الدنيا كلها اتخلت عني مش أبويا بس,حسيت أن الكون بيطردني براه مش بيت أبويا بس, حسيت أني عجزت وطلعت معاش من الحياة كلها,ولما تراكم الإيجار علينا طردونا من الشقة الظاهر أن الطرد مكتوب علينا كان الوضع أصبح صعب والكرامة اتركنت علي جنب دورت علي أهل الخير ساعدوني آخد شقة تانية إيجارها600جنيه مش عارف أقول إيه أنا لي تلات أيام مش عارف أجيب أكل لبيتي مش عارف الاقي فلوس للمواصلات علشان بنتي تدور علي شغل وتعمل مقابلات جاي مشي من بيتي لغاية هنا لأني لا أملك تمن المواصلات.ومع ابتسامته التي لم تغب عن وجهه بدأت دموعه تنساب ويقول:أنا راضي مش معترض بس آلاقي أي حل علشان البنتين بس ربنا اداني الرضا والخزان لسه مليان مش يائس ولا متمرد علي التجربة.
للوهلة الأولي شعرت أنه يبالغ في عرض مشكلته طمعا في الحصول علي مساعدة أكبر كالمعتاد أجلنا أية مساعدة لما بعد القيام ببحث الحالة وذهب الباحث الاجتماعي إلي منزله انتظره نعيم في منطقة وسط ثم اصطحبه إلي داخل الشوارع والأزقة يقول الباحث:أزقة بلا اسماء وبيوت بلا أرقام ووجوه مكفهرة,حتي أنني خشيت أن تكون الحالة مجرد نصب أو لعبة لانعرف من يدفع بها بعدما مشينا مسافة طويلة وصلنا إلي منزله وهناك كانت المفاجأة منزل خاوي من أي شيء بوتاجاز قديم صغير يشبه بوتاجازات الزمن العتيق التي كانت تملأ خزاناتها بالوقود يدويا وبجواره كسرات من الخبز الجاف في الغرفة المواجهة ترقد فتاة ملفوفة ببطانية فوق البلاط اعتصر قلبي لمنظرها أما باقي السكن فلا يوجد به سوي تليفزيون وأربعة كراسي ولحاف وبطانية تركته وأنا أضرب كفا بكف كنا لانصدقه ولم يطلب سوي الطعام حينما جاء فماذا نحن فاعلين حينما رأينا بأعيننا أنه وأسرته يفترشون الأرض في شتاء قاس؟.
هذا ماتوصل إليه بحث الحالة,ولن أزيد عليه شيئا فيكفي ماسيصوره الخيال لكل منا حينما نضع رءوسنا علي وسادات أسرتنا لنستريح ونستغرق في نوم عميق مستدفئين آمنين من مطالبات الإيجار الذي إن حل فالسداد حاضر ومنا من لايعول هذا الهم أصلا.
أحلام محرمة
حينما يفقد الإنسان إحساسه بالأمان يبدأ في البحث عن التعويض المتاح فقد يجد البعض تعويضهم في الإنجاز وقد يجد البعض تعويضهم في العمل والبعض يجد الأمان في البنين فينجب رغبة في تكوين عيلة والرغبة في العزوة والونس حتي لو كان ذلك علي حساب الظروف التي سينشأ فيها هؤلاء الأطفال, كل ما يهمه أن ينظر حوله فيجد خمسة أو ستة أطفال بنين وبنات يصيرون رجالا وسيدات فيملئون البيت ضجيجا وأحفاد وبينما يأسر الحالم الحالمين ويغيب منطقهم تترنح الإرادة وتسقط الحسبة وتأتيالخلفة بالهموم والانكسارات والمسئوليات التي يعجز أمامهم الحلم والأمل وغريز الأبوة والأمومة هذا هو حال مكرم الذي جاء يشكو حاله شاب في الأربعينيات من عمره علي وجهه سواد الهم وتكشيرة الغم, وفي طلته حياء اليأس وفي صوته يترنح خاطر بات مكسورا.
مكرم…رجل في الثانية والأربعين من عمره يعمل حارسا لعقار في قلب شبرا بجوار كنيسة شهيرة, يحصل علي راتب قدره 1500 جنيه, وتساعده الكنيسة بعطايا عينية مثل اللحم والملابس وذلك في الأعياد فقط لأنه من غير المحسوبين علي كشوف إخوة الرب فلا يحصل علي مساعدة شهرية,مكرم متزوج ولديه ابنتان أما زوجته فحامل في الطفل الثالث!!ولا تعمل ابنتاه تبلغان من العمر ثماني سنوات وخمس سنوات.
نشأ في المنيا وترعرع في طائفة المعمار لم يمد يديه لأحد فرزقه كان موازيا لإنفاقه آنذاك لكن الأيام لا تمضي علي وتيرة واحدة ومع التعرض لغبار العمل أصيب بحساسة صدر لم يكن يعلم بطبيعية مرضه فانعدام الثقافة الصحية والجهل بمخاطر المهنة التي يمارسها الشخص تجعله عرضه للأذي أكثر من المستبصرين بالمخاطر وهكذا تكررت حالة ضيق النفس الشديد من آن لآخر لكنه لم يلتفت إليها, وذات مساء شعر بضيق في النفس ودوار في الرأس تزامن ذلك مع حلول عيد الأضحي والجميع في أجازة لم يجد الرجل من يسعفه,فاضطر إلي الذهاب -من قريته-إلي سمالوط,باحثا عن نسمة هواء تدخل صدره ربما تعيد له الحياة التي كاد يفقدها.
في مستشفي سمالوط طلب الطبيب احتجازه وبعد إجراء الفحوص اكتشف الأطباء أنه مصاب بانسداد في الشرايين ولابد من عمل قسطرة استكشافية وعلاجية في نفس الوقت وأجري القسطرة وبالرغم من أن زوجته ناحت نواح الموتي علي مرضه إلا أنها دخلت في مسئولية حمل طفل ثالث قبل أقل من عامين علي تعافيه من هذه الجراحة ولا أعلم كيف أقدمت علي هذه الخطوة أو كيف سمحت بذلك ومازالت ظروفهم سيئة للغاية وحينما سألته أجابني أنه ينتظر الولد الذي سيصبح سندا له!!وضعت علامة تعجب كبري أمام هذه العقول التي ما زالت تبحث عن الولد وأصحابها يبحثون عن تكلفة العلاج الدوري التي لاتتعدي مائة جنيه شهريا.
البحث عن الولد الذي ربما يأتي ولايتمكن أبواه من إطعامه أو تعليمه أو علاجه حينما يمرض لماذا ننجب أطفالا نعلم جيدا أننا لن نستطيع تحقيق السعادة لهم,أو تحقيق الحد الأدني الكرامة لماذا ينجب البعض أطفالا ثم يلقون بهم إلي حياة تعسة مليئة بالحرمان؟ إلا تكفيك ابنتان يا رجل؟ ألا تكفيك زهرتان في حياتك؟ حينما صرخت في وجهة قائلة: أنت تظلم المولود القادم أجابني:عارف أني غلبان وفقير,بس أهلي ربوني أن الولد عزوة وسند في الكبر أنا ماطلعتش لقيت نفسي فقير كده,كنت كويس وكسيب بس المرض هدني وأهلي علي قد حالهم, عمري ما طلبت من حد حاجة بس خليني أنا أسالك سؤال: تفتكري الغلابة مش من حقهم يتمنوا ولد؟ مش من حقهم يكون لهم عزوةـ عيال ـ عيلة يفرحوا بيها ولا لازم يكونوا محرومين من المال والعيال والونس؟ لازم الحرمان يكون من كله؟أنا عارف أني مش عارف أوفر لهم فلوس وعيشة كريمة بسبب مرضي اللي قعدني من الشغل وخلي رزقي ضيق لدرجة أنهم مابياكلوش فاكهة نهائي مش باعرف اشتري لهم لبن ولا لحمة المرتب مش بيقضي حاجة وعارف أن اللي جاي هايتعب معايا بس خلاص, بقي روح في بطنها ماعادتش النصحية تنفع كل حاجة متحرمة علينا من سنتين الأكل والعيشة والبلد اللي سبناها واتغربنا وسط القاهرة علشان الاقي لقمة عيش كل حاجة متحرمة كل حاجة بتوجع.
أجبته:من حق كل إنسان تحقيق حلمه لكن عليه اختيار الوقت الذي يحققه فيه وأن يحققه بعيدا عن مصادرة أحلام الآخرين ورسم مستقبل مشوه.. لهم ألم تفكر في مصير الثلاثة وأنت مريض بانسداد الشرايين ولا تستطيع ممارسة أي عمل إضافي علي حراسة العقار حتي لا تستطيع القيام بأعمال مساعدة؟ علي أي حال ماجري قد جري ونعدك أننا سوف نتحمل تكلفة الولادة.. استمعت إلي شكواه وسددنا له حاجته من العلاج لكن حاجته من المساعدة الإنسانية ما زالت قائمة.
استغاثة عاجلة…ألبان الحياة
يستغيثباب افتح قلبك بالقراء القادرين علي المساعدة لدينا خمس حالات تحتاج لألبان جافة بسبب ضمور المخ الذي معه يصعب البلع فيكون الاعتماد الأساسي للطفل علي الألبان كما لدينا أم طلبت من جوف الصعيد تحتاج لـ12علبة لبن شهريا لإرضاع صغيرها, نوعهنستوجين رقم 1 لبن رضاعة ولا تستطيع شراء هذه الكمية ولم يمنحها الله نعمة الرضاعة الطبيعية وصغيرها يبلغ أربعة أشهر.
تواصلوا معنا عبر المحمول – 01224003151
تليفون أرضي بجريدة وطني 0223927201
البريد الالكتروني: [email protected]
البريد: مؤسسة وطني للطباعة والنشر – باب افتح قلبك ، 27 ش عبد الخالق ثروت، القاهرة