جميلة الوجه، بريئة الطلة، صغيرة السن، هادئة، بصحبة والدتها لم تدع الفرصة تمضي، حتى تستشير وتعلم وتعي، عمرها 24 سنة حاصلة على ليسانس آداب، تنتمي لأسرة فقيرة، وتحيا بعيدة عن والدتها التي تعمل جليسة مسنين، فتتنقل بين المنازل، لتخدم الناس وترعاهم وتتمكن من تربية ابنتيها الكبرى 24 سنة، والصغرى 22 سنة، بعد أن توفي الزوج منذ عدة سنوات.
لم تمر الأيام بسهولة، بل كانت عصيبة جداً على ”إستر”، هذه الفتاة المقبلة على الزواج الأن مرت بتاريخ حافل من الذكريات المؤلمة. عاشت ”إستر” في أسرتها مهددة دائما ما بين أم مغلوبة على أمرها، وأب مدمن خمر ومخدرات، طفولة بائسة يائسة..
تقول العروس الحزينة: مريت بظروف صعبة جداً، كنت باشوف أبويا وهو جاي بالليل يتطوح، ويضرب أمي، كنت باجري استخبى ورا الباب، وأخاف يضربني معاها، وأخاف أشوفه، وأخاف ألمسه، وأخاف من كل حاجة تقربني منه، ومع الوقت انزويت بعيد عنه خالص، متهيأ لي أنه نسيني، لكن ماقدرش ينسى كيفه وشربه. ضاقت الأحوال بينا لأنه كان بيصرف كل فلوسه على الخمر والمخدرات، مع أنه كان صنايعي وبيكسب، لكن أصحاب السوء إللي بيقعد معاهم طول الوقت على القهوة ويسيب ماما، ويسيبنا لوحدنا واحنا محتاجين له.
واتعودنا على شكله المخمور، وكبرنا أنا وأختي، واتعلمنا نتفرج ونسكت، ونقضي وقتنا في الكنيسة، ومرت السنين وأنا بأكبر، ومشاكلي بتكبر معايا، عديت 12 سنة، و14 سنة، ومابلغتش زي كل البنات، ولا جاتني الدورة الشهرية، لما كنت باسمع البنات بيتكلموا عن إللي بيحصل لهم كنت باحس إني مش بنت، وإن في حاجة غلط، ولما أتأخر بلوغي، أمي بدأت تقلق وتسألني، وصممت تاخدني للدكتور، خبرة صعبة جداً في سن مبكرة جداً لطفلة، أصبحت مش طفلة ومطلوب منها تعمل فحوص ست كبيرة.
تستمر ” إستر” في وصف مشاعرها قائلة: حسيت بأن جسمي منتهك، وكمالي متهم، وإني ناقصة حاجة، واتحملت علشان أكون زي البنات، لكن بعد الفحوص اكتشفت إني مش زيهم، ودكاترة تقول إن عندي رحم طفولي، ومش هايحصل بلوغ أصلاً ودكاترة تانيين يقولوا إني ماعنديش رحم من أصله، وتحاليل وإشاعات ثلاثية ورباعية الأبعاد، وكل النتائج واحدة، مافيش رحم.
سكتت وكملت حياتي راضية بنصيبي، لغاية ماقابلت شاب، حبيته وحبني، وحكيت له قصتي، وافق بكل ظروفي، ووافق علي التضحية، لكن ماقالش لعيلته، وأنا ماقدرش أستغني عنه، ولا هو يستغني عني، وعلشان كده تممنا الخطوبة، والجواز بعد عيد القيامة مباشرة، لكن حاسة بمشاعر ملخبطة جوايا، حاسة إني مش مرتاحة، مش مبسوطة، مش متفائلة، يمكن ربنا بعد الجواز يخلق لي رحم زي ما خلق للأعمى عينين. يمكن يديني أطفال زي ما أدى سارة وهي عجوزة، يمكن تحصل المعجزة، أنا عايزة معجزة لكن مش عايزة أروح لدكاترة تاني، من حقي أعيش وأتجوز وأحب وأتحب، وأكون كاملة حتى لو ناقصني رحم.
أبكتني ”إستر” وصمتت أمام فصاحتها، فلا يمكن المصادرة على أحلام مشروعة، أحلام تستند لميراث من الإيمان نتسلمه في كل يوم على مذبح المسيح، أحلام تستند لماض مملوء بالمعجزات، الموثقة في الكتاب المقدس، لا يمكن المصادرة على إيمان هذه الفتاة، لكن الله خلق الطب، لهذا ساهمنا في إجراء فحوص جديدة لإستر، وكانت النتيجة مرعبة، فالطبيب لم يستطع ملاحظة ما إذا كان هناك رحم من عدمه ولا يستطيع الجزم بنسبة 60% وبناء عليه طلب أشعة مهبلية، ولأن ”إستر” عذراء لم يكن من الممكن إجراء تلك الأشعة تخوفاً على غشاء بكارتها, عاودت الاتصال بي قائلة: أنا مش هاعمل الأشعة لا من الشرج ولا من المهبل، أنا هاكمل زي ما أنا ولو ربنا عايز يكمل هايكمل، ياما ستات لهم رحم لكن مش أمهات، وياما أمهات ومش أمهات، أنا هاتمم الجوازة وربنا معايا.
لم يكن من الممكن الوقوف أمام إصرارها علي المضي قدما في مشروع زواجها، ولست منوطة باتخاذ قرارات لرواد افتح قلبك، لمجرد أنني أستمع إليهم، أو مسئولة عن مساعدتهم, لكنني لفتت نظرها إلي أن حالتها تحتاج لمتابعة طبية, لأن عدم وجود دورة شهرية, يعني واحدة من إثنتين, إما أن البويضات موجودة ولا تخرج لعدم وجود مسار طبيعي لخروجها وهو الرحم, إما أن البويضات أصلا غير موجودة, وفي الحالتين يجب الاطمئنان علي صحتها لأجل صحتها وليس من أجل الزوج المنتظر.
واتفقنا سويا علي ضرورة توقيع خطيبها علي إقرار بعلمه لحالتها وموافقته علي ذلك, ولا أدري هل ستفعل إستر ذلك, أم تعتبر موافقته علي الإرتباطة بها تضحية كبري, وتقبل بعدم توقيعه علي الموافقة, الله أعلم بالمستقبل, إستر تستعد الآن لشراء جهازها, ونقله إلي منزل الزوجية, وتحتاج لمن يساعدها في الحصول علي ما تريده بكرامة, فيكفيها ما تتعرض له حاليا, ويكفيها أيضا ما يعلمه خطيبها عنها, هي لا تريد أن يعلم أيضا أنها تتسول تكلفة جهازها, تريد حفظ ما تبقي من كرامة لديها.
جميعها مطالب مشروعة, حتي لو اختلفنا معها, حتي لو رأينا أنها صارحته بالأخطر, يظل من حقها حفظ ماء وجهها, وما تبقي من حياء لديها, ويظل من حقنا نحن التعقيب علي سلوك الشباب الذين تخطوا مرحلة المراهقة بينما يعيشون فيها, ويتصورون الحب هياما وغراما, ولا يعلمون أن بساتين الورود المفروشة في أيام الحب والخطوبة, قد تتحول إلي غابات من الصبار بعد الزواج.