* وفي عصور الأنبياء, كانت النبوة أيضا هي عطية من الروح القدس:
وفي ذلك يقول معلمنا القديس بطرس الرسول: لأنه لم تأت نبوة قط بمشيئة إنسان, بل تكلم أناس الله القديسون, مسوقين من الروح القدس (2بط1:21). ويقول الرب في سفر يوئيل النبي: أسكب روحي علي كل بشر. فيتنبأ بنوكم وبناتكم. ويحلم شيوخكم أحلاما. ويري شبابكم رؤي (يو24:28).
ولعله بسبب هذا, قيل عن الروح القدس في قانون الإيمان: الناطق في الأنبياء.
إنه مصدر النبوءة والتبشير والتعليم.
وهكذا يقول معلمنا القديس بولس الرسول عن كرازته: ونحن لم نأخذ روح العالم, بل الروح الذي من الله, الأشياء الموهوبة لنا من الله, التي نتكلم بها أيضا, لا بأقوال تعلمها حكمة إنسانية, بل بما يعلمه الروح القدس, قارنين الروحيات بالروحيات (1كو2:12, 13).
* الروح القدس أيضا يعطي قوة.
ولذلك سمي روح القوة (2تي1:7), (إش11:2), وهكذا قال الرب لتلاميذه: ولكنكم ستنالون قوة, متي حل الروح القدس عليكم, وحينئذ تكونون لي شهودا (أع1:8). وقال لهم في ذلك لا تبرحوا أورشليم إلي أن تلبسوا قوة من الأعالي.
ويقول القديس بولس الرسول: لكي يعطيكم بحسب غني مجده أن تتأيدوا بالقوة بروحه (أف3:16).. وما أجمل كلمة الرب إلي زربابل: لا بالقدرة ولا بالقوة, بل بروحي قال رب الجنود (زك4:6).
* الروح القدس يعطي أيضا ثمر الروح.
إنه الثمر الذي يأتي بنتيجة لانقياد الإنسان بالروح القدس. وعنه قال القديس بولس الرسول: وأما ثمر الروح فهو محبة فرح سلام, طول أناة, لطف صلاح إيمان, وداعة تعفف (غل5:22, 23). وعن المحبة التي هي أولي ثمار الروح يقول: لأن محبة الله قد انسكبت في قلوبنا, بالروح القدس المعطي لنا (رو5:5).
بل الفضائل كلها بلا استثناء, ننالها عن طريق شركتنا مع الروح القدس, فهو العامل فينا.
* حتي الإيمان, هو من الروح القدس:
وفي ذلك يقول الرسول: ليس أحد يقدر أن يقول يسوع رب, إلا بالروح القدس (1كو12:3). ولعله بعمل الروح القدس, استطاع كرنيليوس أن يؤمن (أع10).
والكتاب يذكر الإيمان أيضا كموهبة من مواهب الروح القدس (1كو12:9). ولعله يقصد هنا الإيمان الذي يقول عنه الرب: كل شئ مستطاع للمؤمن (مر9:23).
* الروح القدس هو الذي يعطي العزاء.
ولذلك سمي الباراقليط, الروح المعزي, وعنه يقول السيد الرب لتلاميذه: ومتي جاء المعزي.. روح الحق الذي من عند الآب ينبثق, فهو يشهد لي (يو15:26). وأيضا: وأنا أطلب من الآب فيعطيكم معزيا آخر ليمكث معكم إلي الأبد, روح الحق.. (يو14:15). وأما المعزي الروح القدس الذي سيرسله الآب باسمي, فهو يعلمكم كل شئ (يو14:26).
والمقصود طبعا أنه مصدر كل تعزية روحية, أو هو الذي يعطي العزاء الروحي.
* الروح القدس هو معطي القداسة.
ولذلك سمي أيضا روح القداسة (رو1:4). ولا يمكن لإنسان أن يصل إلي القداسة, إلا بعمل الروح القدس فيه.. والأمر لا يقتصر علي البشر فقط, وإنما أيضا:
* الروح القدس يقدس كل المقدسات:
الروح القدس بمسحة الميرون المقدس, يقدس الكنائس والمذابح, يدشنها, ويمنح القدسية لأواني الخدمة المقدسة, وللمعموديات والأيقونات.. وكل ما ندهنه بزيت الميرون المقدس.
* والروح القدس يمنح الميلاد الجديد في سر المعمودية:
إنه يقدس ماء المعمودية, ويمنح من يغطسه الكهنة فيه نعمة الميلاد الجديد أو الميلاد الثاني. ولذلك قال الرب لنيقوديموس: إن كان أحد لا يولد من الماء الروح, لا يقدر أن يدخل ملكوت الله (يو3:5), المولود من الجسد, جسد هو, والمولود من الروح هو روح (يو3:6).
وعن هذا الميلاد الثاني قال القديس بولس الرسول: … بل بمقتضي رحمته خلصنا, بغسل الميلاد الثاني. وتجديد الروح القدس (تي3:5).
* تذكرنا هذه الآية, بأن الروح القدس يمنح التجديد أيضا:
ولذلك فإن الذي يولد من الماء والروح في المعمودية يسلك في جدة الحياة (رو6:4), أي في الحياة الجديدة في المسيح يسوع عالمين هذا: أن إنساننا العتيق قد صلب معه.
وفي هذه الحياة الجديدة نلبس المسيح (غل3:27), أي نلبس البر الذي من المسيح.
* والروح القدس يمنح أيضا الكهنوت وسلطانه, بوضع اليد.
ويمنح الدعوة الإلهية:
أما عن الدعوة الإلهية فواضحة من قول الروح القدس: أفرزوا لي برنابا وشاول, للعمل الذي دعوتهما إليه (أع13:2), فلما وضعوا عليهما الأيادي هذان إذ أرسلا من الروح القدس.. انحدروا إلي سلوكية (أع13:4).
ويقول القديس بولس الرسول لأساقفة أفسس: احترزوا إذن لأنفسكم ولجميع الرعية التي أقامكم الروح القدس فيها أساقفة لترعوا كنيسة الله التي اقتناها بدمه (أع20:28). ويقول عن ذلك في رسالتيه إلي تيموثاوس الأسقف: موهبة الله التي فيك بوضع يدي (2تي1:6). الموهبة التي فيك.
* والروح القدس هو الذي يمنح المغفرة, عن طريق الكهنوت:
ولهذا لما منح الرب تلاميذه سلطان الكهنوت, نفخ في وجوههم, وقال لهم: اقبلوا الروح القدس. من غفرتم خطاياه غفرت له, ومن أمسكتموها عليه أمسكت (يو20:22, 23). فبالروح القدس الذي أخذوه يغفرون الخطايا. وهكذا يقول الأب الكاهن في صلاة سرية في أواخر القداس عن الشعب: يكونون محللين من فمي, بروحك القدوس.
* في كل سر من أسرار الكنيسة, الروح القدس يمنح نعمة سرية.
فكما تحدثنا عما يمنحه في المعمودية والميرون, وسر التوبة وسر الكهنوت, نتحدث عن باقي أسرار الكنيسة أيضا.
علي أنه في سر الكهنوت لا يمنح فقط سلطان المغفرة, سلطان الحل والربط (مت18:18), إنما يمنح أيضا سلطانا آخر لممارسة الأسرار المقدسة, وسلطانا في الرعاية أيضا.
وفي مسحة الملوك بواسطة الأنبياء في العهد القديم, كان أيضا يمنح سلطانا مدنيا.
في سر مسحة المرضي يمنح الشفاء. وفي سر الزواج, يمنح شرعية الحياة الزوجية, ويمنح الوحدة بين الزوجين, فلا يكونان اثنين بل واحد (مت19:6). وهذا هو الفرق بين الزواج الكنسي, والزواج المدني الذي لا نستطيع أن نقول فيه: ما جمعه الله.
* إننا لانستطيع أن نحصي كل ما يعطيه روح الله:
فكل عطية صالحة, وكل موهبة تامة, هي نازلة من عنده.. لذلك لست أستطيع أن أدعي أنني استوفيت هذا الموضوع, أو قلت فيه كل ما ينبغي أن يقال.
* علي أنني أريد أن أختم بكلمتين:
1- إن كان روح الله, هكذا في عطائه, فليتنا نقابل عطاءه بالشكر.
2- إن كنا نحن قد خلقنا علي صورة الله, والله هكذا في عطائه, فلنتعلم منه العطاء في النطاق المتاح لنا كبشر, وهو نطاق واسع.