تنبأ إشعياء عن ميلاد المسيح ومجيئه للعالم, فقال: الشعب السالك في الظلمة أبصر نورا عظيما. الجالسون في أرض ظلال الموت أشرق عليهم نور. فقد رأي الظلمة تغطي الأرض كلها, والموت يلف الإنسانية بكاملها, لكنه رأي أيضا بعيون النبوة النور المشرق, الشمس المضيئة.
فقد رأي ميلاد المسيح الذي أنار الحياة وأضاء الطريق أشرق كالشمس المبهرة بدد ظلام القلوب وفتح عيون الأذهان, فميلاد الرب يسوع هو إشراق نور مجد الله علي البشرية بعد أن كانت مضاءة علي مر الزمان بشموع صغيرة نري من خلالها ظلالا وأشبه ضلال كأيام إبراهيم وإسحق, موسي وإيليا. كانت جميع النبوات تتكلم عن مجيء المسيح حتي تحقق بالفعل. عظيم هو سر التقوي الله ظهر في الجسد ورغم ميلاده التاريخي العظيم يلبس لبس خليقته ليأتي إلي العالم يصير مثلنا ويمشي بيننا. لكن نظرة سريعة لله الكلي القدرة والتي لا يمكن أن يختلف عليها عاقل تدفعنا دفعا إلي الإيقان بقدرة الله علي أن يفعل ما يشاء كيفما يشاء لإنقاذ الإنسانية التي قد خلقها علي صورته وكمثاله من الهلاك والدمار المطبق فهو الله الصالح المحب, الرحمن الرحيم, المتضع الكريم.
في الميلاد حدث نوعان من النور أحدهما مادي والآخر روحاني, تلألأت أنوار في السماء ونجم كبير يتحرك وظهرت ملائكة من نور لشخوص واعية منهم زكريا الكاهن, العذراء القديسة مريم وأيضا لرعاة يرعون رعيتهم. قرر الخالق أن يضع نفسه إلي الكون المادي الذي خلقه لكنه دخل طفلا صغيرا رضيعا ملفوفا بقماشة تلف كيانه وهو الخالق الذي خلق الكون وما فيه بكلمة من فمه, هو النور الحقيقي الذي جاء لينير كل إنسان هو شمس البر والشفاء في حياته. وبإشراقه علينا وفينا استطعنا رؤية ومعرفة الكثير من الأمور التي كانت خافية غامضة علينا, فقد سطع علينا نور معرفة الله ذاته في وجه يسوع المسيح رأينا مجده وعظمته, ومحبته وحنانه, ولطفه وتواضعه, فتغير فهمنا ونظرتنا لإله العهد القديم البعيد عنا بل وجدناه قد اقترب حتي اتحد بنا وحمل خطايانا صار عمانوئيل الله معنا.
سطع علينا نور معرفتنا لأنفسنا علي حقيقتها عرفنا من هو آدم -الإنسان الحقيقي- وكيف يجب أن يكون, لم نكن لنستطيع أن نري آدم الأول لكننا رأينا آدم الأخير الروح المحيي الذي رأيناه ولمسناه بأيدينا الذي جاء لكي يخدم لا ليخدم الذي علمنا عظمته في بذل ذاته فداء عن الآخرين, سطع علينا نور معرفة الطريق الحقيقي فعاش مثلنا في كل ظروف حياتنا خاصة الظروف القاسية, عاش في عصر مليء بالبغضة والكراهية, الظلم والانتقام, فعلمنا وعرفنا كيف نسلك علي مثاله.
رأينا فيه الطريق والحق والحياة إذ صنع بدمه تبريرا لخطايانا وأعطانا قدرته السرمدية لنعيش حياة القداسة, فأصبح السلوك الأخلاقي الراقي ممكنا فقد عاشه مجسدا إياه في أحلك ظروف الحياة. نعم قد جاء النور لذا عزيزي القارئ هلم لنعيش في نوره العجيب ولا نستمر في الظلمة بل لنولد من الله لينير حياتنا لكيلا نحرم من الحنان والدفء فمازالت الفرصة أمامك. وإن كنت بالفعل تعيش في النور فلنساعد بعضنا بعضا لكي يملئ النور الأرض كما تغطي المياه البحر وكما ينتشر نور الشمس علي كل الأرض.