الكتاب المقدس أعظم وثيقة جمالية
الباب الأول
الفنون الأدبية المقروءة والمسموعة
النصوص المقدسة
الفن الحكمي
(الحكم والأمثال)
رأس الحكمة مخافة الرب — إلي الأبد (مز111:10)
تمهيد:
إذا نظرنا إلي عالمنا— الأجيال التي سبقته
رأس الحكمة مخافة الرب. فطنة جيدة لكل عامليها.
تسبيحه قائم إلي الأبد.
(مز111:10)
تمهيد
إذا نظرنا إلي عالمنا الأرضي نظرة عامة نراه يتكون من شرق وغرب حيث نجد فيها المفردات التالية كما في الرسم:
في الجانب الشرقي من العالم يدرك الإنسان كل شئ بروحه, وليس بعقله وهذا نسميه التذوق, ومن هنا تبدو الروحانية المرتبطة بالفن. ونلاحظ أن في منطقة الشرق الأوسط مسقط الأديان ومنبت الروحانية. والعبادة بكل تفاصيلها هي روحانية يملأها الفن.
أما في الجانب الغربي من العالم فيدرك الإنسان كل شئ بعقله لا بروحه, وهذا نسميه القوانين. ومن هنا تبدو المعرفة المرتبطة بالعلم.
وقد أراد الله للإنسان أن تكون له النظرتان معا, فبالنظرة العلمية إلي الأشياء ينتفع وبالنظرة الفنية ينعم ويختبر, والفرق بين ثقافة الغرب وثقافة الشرق هو نفسه الفرق بين الرأس والقلب, أو بين العقل والوجدان, أو بين الحياة التي توصف لغير صاحبها والحياة التي يحياها صاحبها.
علي هذا الأساس:
يصير الدين خبرة ذاتية (=حياة اختبارية) وتصير نظرة الفنان نظرة جمالية للوجود.
انظر إلي العالم من داخل تكون فنانا.
انظر إلي العالم من خارج تكون عالما.
انظر إلي العالم من الباطن تكون شاعرا.
يمكننا أن نلخص كل ما سبق:
إنه كلما ترتفع وتزداد القامة الروحانية للإنسان المسيحي المؤمن تزداد في مقابلها العين الفنية التي يري بها الوجود, ويري بها النصوص في الكتاب المقدس.
الكنز هو المسيح, وهذا التعبير يليق بملك الملوك.
أما الأواني الخزفية فالمقصود بها الإنسان الذي جبل من طين.
وصورة هذا الإنسان في ضعفه يعبر عنها في موضع آخر (1كو1:26-29).
فانظروا دعوتكم أيها الإخوة, أن ليس كثيرون حكماء حسب الجسد, ليس كثيرون أقوياء, ليس كثيرون شرفاء, بل اختار اله جهال العالم ليخزي الحكماء. واختار الله ضعفاء العالم ليخزي الأقوياء. واختار الله أدنياء العالم والمزدري وغير الموجود ليبطل الموجود, لكي لا يفتخر كل ذي جسد أمامه.
مقدما خمس صفات لهذه الأواني الخزفية:
1- جاهل: وتعني حماقة أو فراغ العقل أو القلب أو الوقت.
2- ضعيف: إشارة إلي ضعف الجسد أو النفس أو الإمكانيات أو المواهب (إرميا النبي).
3- أدنياء: المقصود أقل إنسان في المجتمع أي وضيع المستوي (سمعان الخراز).
4- المزدري: أي المهمش (السامرية).
5- غير الموجود: أي الإنسان الذي يعتبره الآخرون وكأنه غير موجود (منبوذ).
من العجيب أن تعرف أن فعل اختار الله في صيغته اليونانية يأتي في زمن الحاضر المستمر, وليس في صيغة الماضي كما يبدو في الترجمة العربية (اختار ومازال يختار).
لكن ما هو البعد الروحي في هذه الصورة الفنية التي يرسمها بولس الرسول؟
البعد الروحي هو عمق الاتضاع (آنية خزفية) والتي يسكنها المسيح فيظهر منها فعل القوة, وقد شرح القديس بولس الرسول هذا الأمر بنفسه حينما قال:
حينما أنا ضعيف (بذاتي) فحينئذ أنا قوي (بالمسيح) (2كو12:10).
أولا: الحكمة لغويا:
تترجم كلمة حكم ومشتقاتها عن الكلمة العبرية حكمة ومشتقاتها والتي وردت أكثر من 300 مرة في العهد القديم, أكثر من نصفها في أسفار أيوب والأمثال والجامعة.
كما ترجمت الكلمة العبرية سكل إلي حكمة (أم23:9) وإلي معرفة (أم1:3), وإلي تعقل (أي34:35), وإلي فطنة (أم12:8) وجميعها تؤدي معني الحكمة.
وقد استعملت كلمة حكمة للدلالة علي المهارة الفنية (خروج 28:3), أو للدلالة علي المقدرة الحربية (إشعياء 10:13), وللدلالة علي ذكاء الحيوانات الصغيرة (أم30:24), أو للدلالة علي الدهاء في الشر (2صم13:3) أو في تنفيذ العدالة (1مل2:9).
ويعرف البعض الحكمة بأنها فن الوصول إلي الغاية باستخدام الوسائل الشريفة. وتكتسب الحكمة بالخبرة, فتزداد حكمة الإنسان -عادة- بتقدمه في الأيام كما يقول أيوب: عند الشيب حكمة, وطول الأيام فهم (أيوب12:12). وقد يحدث أن يكون الشاب حكيما أو الشيخ جاهلا (جا4:13).
والرجل الحكيم في المفهوم الكتابي هو من يهتم بأمور الله بنفس الغيرة التي يهتم بها الآخرون بالأمور الدنيوية (لو16:8). ويختلف الحكيم عن الأنبياء في كونه لا يوحي إليه شخصيا. كما يختلف عن الكهنة في عدم اقتصار موهبته علي أمور العبادة فحسب. كما يختلف عن الكتب في أنه لا يكرس نفسه تماما لدراسة الأسفار المقدسة. والكلمة نفسها لا تعني -بالضرورة- أن يكون الإنسان الحكيم إنسانا متدينا. أما في العهد الجديد, فإن كلمة الحكمة ومشتقاتها مترجمة دائما عن الكلمة اليونانية صوفيا (Sophia).
ثانيا: الفن الحكمي:
هو نوع أدبي عرفه الشرق القديم كله في بلاد ما بين النهرين ومصر وكنعان, وهذا النوع الأدبي يفترض أن يكون الكاتب رجل الملاحظة والاختبار والاكتساب والتفكير فيما يحدث, وأن يصيغ كلماته وعباراته بهدف تعليمي تربوي, وقد بدأ هذا الفن مع سليمان الملك وازدهر خلال الحقبة الملكية كلها, ويمتاز بكثرة الأمثال والحكم ذات القالب الشيق, ويستخدم أيضا في القصيدة سواء القصيرة أو الطويلة كما في سفر أيوب.
ونجد هذا الفن في أسفار العهد القديم الشعرية والروائية مثل أسفار أيوب والجامعة والأمثال ويشوع بن سيراخ والحكمة, ونجده قليلا في أسفار العهد الجديد كما في رسالة يعقوب علي اعتبار أن المسيح نفسه هو الحكمة أو أقنوم الحكمة.
وسوف نأخذ سفر الجامعة من العهد القديم, ورسالة يعقوب من العهد الجديد كنموذج تطبيقي لهذا الفن الرائع.
* الحكمة لها تأثير بالغ في حياة الإنسان, لأنها تجمع اختبارات الأجيال, وهذا يفيدنا كثيرا في سلوك الإنسان سواء علي نطاق الفرد أو الأسرة أو الكنيسة أو المجتمع.
* سفر الحكمة يتميز بأن عباراته قصيرة. وبتكرار القراءة فيه نتعلم الحكمة ونجيد هذا الفن في حياتنا.
* من التداريب المشهورة في الكنيسة الغربية: قراءة سفر الأمثال كل يوم حسب تاريخ اليوم فيكون رقم الأصحاح, ويتكرر من شهر لشهر عبر الحياة حتي يقتني الإنسان خبرات كل الأجيال التي سبقته.