للحياة أوجه عديدة لكنها مع البعض لاتدير إلا وجهها القاسي القبيح…مازالت الحياة تقذف بمصائبها في وجوه البعض بالجملة…مازالت قاسية علي الغلابة…علي المنكوبين…علي قليلي الحيلة والخاضعين لتغول الحرمان علي مصائرهم…علي العاجزين علي الصابرين رغم جبل المحن الذي تحمله اكتافهم مجبرين إلا يئنون فلا وقت للانين لديهم…لا وقت حتي للبحث عن سداد الاحتياج…وها هي امرأة في أواخر الخمسينات من عمرها جاءت ترتجي أملا وتروي قصة ابنتها ذات الثمانية والعشرين عاما التي تجلس بجوار زوجها لا تستطيع أن تتركه حتي لتبحث له عن معين يحمل عنهما جزءا من المحنة…لم تكن لديها طموحات في الحياة سوي أن تحفظ أسرتها وتربي أبناءها…لكن الأقدار دائما ماتخذل أصحاب القناعة…وتغرف لهم من المآسي أشدها…من مغرفة المآسي كان نصيب هذه الأسرة…استعمت للسيدة وطلبت أن التقي الابنة لكن عبثا حاولت فأين ومتي التقي بها وهي تدور بزوجها علي المستشفيات باحثة عن غرفة للعناية المركزة…كنت قد علمت كل ظروفها من والدتها ثم حدثتها تليفوينا…هي امرأة شابة…تزوجت منذ ثمانية أعوام من رجل يبلغ عمره اليوم38عاما…مقتدر صاحب مصنع تطريز ملابس حريمي…شاب تملأه الحيوية والنشاط..أنجبا ولدين الأكبر سبع سنوات والأصغر خمس سنوات…عاشا يبنيان سويا أسرة تحلم بغد مشرق لطفلين مازالت سبل العيش أمامهما موصدة بعد ما أصاب الأسرة من كرب ونكبات متتالية حدثتني السيدة الصغيرة قائلة:لم أكن أدري أن الأقدار تخبئ لي كل ما عشته من أحزان وأهوال…فزوجي وحبيب عمري يضيع مني وليس بيدي ما أفعله لأجله…منذ ثلاث سنوات أصابه الفشل الكلوي وبدأت رحلة الغسيل التي يعلم الجميع كم شاقة…ثلاث مرات أسبوعيا…توقف عن العمل تماما…أوصدت أبواب المصنع فمن يديره هو طريح الفراش وأنا أسعي معه عابرين مراحل المرض سويا…ولا معيل.
بعنا كل ما نملك ثم استدرنا لنستدين…ولم تفلح الاستدانة استخرجنا قرارا علي نفقة الدولة حتي يتمكن من غسيل الكلي بانتظام دون عبء الاستدانة من قريب أو غريب…واستمر الحال هكذا لمدة عام ونصف العام…ساعدتنا خلاله الكنيسة ومراكز العطاء التي تكلفت بالعلاج…لكن فجأة وبلا مقدمات بدأ زوجي يشعر بآلام شديدة في محيط البطن…وتصورت أن الأمر مرتبط بالفشل الكلوي أو هي أعراض مصاحبة لكن كلها تصورات…فمنذ أكثر من عام اثبتت الفحوص أنه أصيب بسرطان البنكرياس.
صرخت وحدي في الخلاءلماذا يا إلهي أنا وحدي أحمل مايفوق طاقتي…لماذا يارب وإلي من أذهب وكيف أرعي الطفلين…حينها كنت قد تقدمت بابني الأكبر للالتحاق بأحدي المدارس الخاصة…واستمر لمدة عام…لكن لايمكن الاستمرار فمن أين لي مصروفات الدراسة والمواصلات والتكاليف الجانبية والكل يعلم تكاليف الدراسة اليومية ربما تفوق تكاليف مصروفات المدرسة وأنا لا أعمل ولا يمكنني أن أعمل فمن يعول زوجي في غيابي أنه وحيد لاسند له ولا عائلة.
وبدأنا رحلة علاج جديدة…إلي أن سادت حالته جدا..في صباح يوم الأربعاء الماضي خانته قدماه…سقط علي الأرض أصابته تشنجات وآلام شديدة..حملناه في سيارة الإسعاف إلي أقرب مستشفي…للأسف طلب المستشفي مبلغا كبيرا وأنا لا أملك حتي تكلفة التاكسي لأعيده إلي المنزل أن تخلت عني سيارة الإسعاف حملناه مرة أخري إلي مستشفي الدمرداش وهناك قرر الأطباء أنه يعاني من جلطة ورفضوا إسعافه فهرولنا سريعا إلي معهد القلب…إجريت له الفحوصات اللازمة…وثبت أن تشخيص مستشفي الدمرداش خاطئ..ولا توجد مشاكل لديه بالقلب…بينما أتي التشخيص محبطا لي فالأطباء يرجحون أن السرطان انتقل العظام وهو سبب عدم قدرته علي الوقوف علي قدميه…ونصحونا بإجراء مسح ذري علي جسده بالكامل وإجراء فحوص لكشف سرطان العظام..
حملت زوجي الضعيف إلي منزلنا بعدما طفنا علي المستشفيات لمدة يومين تاركة ابنائي في حضن أمي محرومة منهما…كل الأطفال ذهبوا إلي مدارسهم ما عدا ابني الأكبر الذي قمت بتحويله إلي مدرسة حكومية…بينما لم اتمكن من الحاق الأصغر بأي مدرسة فليس لي مال ولا وقت ولا جهد…لا أعلم ماذا أفعل فليس لي مورد سوي معاش استطعنا باعجوبة استداره لزوجي عن أبيه المتوفي يصل المعاش إلي500 جنيه والكنيسة تساعدنا بمبلغ يصل إلي 150 جنيه…لكن ماذا أفعل بـ650 جنيه وكم650 أخرين تكفي لمصروفات المدارس والمرض والعلاج والمعيشة والإيجار؟عاجزة لا أعلم ماذا أفعل ولا أريد سوي أن الحق الطفلين بمدرسة وأنا مطمئنة…لم يكن لدي سوي حلم تربيتهما جيدا…والآن إنهار الحلم وإنهارت حياتي باكملها.
بعد البحث وجدت مدرسة يمكنها استقبال الطفلين مقابل ثلاثة آلاف جنيه لكل طفل وخمسمائة للكتب والأتوبيس أي أن المجموع حوالي سبعة آلاف جنيه سنويا…ولا أملك منها جنيها واحدا…هل هذا كثير علي طفلين والدهما في مثل حال زوجي؟هل بكثير علينا أن نحلم بتعليمهما في أقل مستوي؟
لم تكمل السيدة حديثها بل ظلت تبكي عبر الهاتف وأنا عاجزة أن أرد دموعها إلي مقلتيها…فكيف لي أن أواسيها أو أنا أتمزق حزنا علي حالها…ضاع منها الشباب والزوج والأسرة وانكسرت أفراحها وتحولت إلي كرب ودموع…لم يكن في وسعي أن اقول لها إلا أن الله كبير وسيعولك وزوجك وطفليك في شخوص الخيرين وعبر أياديهم الممتدة دائما لكل معوز ومحروم قهرته الظروف والمحن…فما أحوج القادرين للوقوف بجوار أولئك الذين أجبرتهم المآسي علي اغتراف النكبات واحدة تلو الأخري.
إيد الحب
امتددت أيادي الحب بالمبالغ التالية:
500 جنيه مينا وإيريني خيري
2000 جنيه طالبين شفاعة العذراء والأنبا كاراس والأنبا موسي
2500 جنيه طالبين شفاعة أبونا فلتاؤس السرياني
20000 جنيه من يدك وأعطيناك
10360 جنيه أولاد العذراء بواشنطن
1000 جنيه من يدك وأعطيناك
5000 جنيه من يدك وأعطيناك