كان يخرج مع تلاميذه إلي الهواء الطلق, حيث الطبيعة الخلابة, ويقوم بتعليمهم خلال هذه الجولات الجغرافيا والتاريخ الطبيعي من الواقع بطريقة لا يستطيع أي كتاب مدرسي أن يحققها. ولما اتسعت دائرة الرحلات اتضحت الحاجة إلي ضرورة توفير أماكن إقامة في مواقع الترحال, خاصة إنه في إحدي جولاته مع تلاميذه أمطرت السماء ولم يجد مكانا يلوذ به.. ومن هنا تراءي للمعلم الألماني ريتشارد شيرمان فكرة إنشاء بيت دائم للشباب. وخرجت الفكرة إلي حيز الوجود وأنشأ أول بيت للشباب في قرية التنا بولاية وستفاليا بشمال الراين في ألمانيا عام 1909 في المدرسة التي كان يعمل بها ريتشارد شيرمان وكانت في الأصل قلعة قديمة. ثم انتشرت الفكرة في أنحاء أوربا والعالم. وفي أمستردام بهولندة في أكتوبر 1932 عقد أول مؤتمر دولي لجمعيات بيوت الشباب, حيث أنشأ الاتحاد الدولي لجمعيات بيوت الشباب بمشاركة إحدي عشرة جمعية والتي بلغت الآن أكثر من 60 جمعية حول العالم.
وفي عام 1953 سافر د. جمال السحراوي -وكيل وزارة التخطيط الأسبق- وكان وقتها عضوا في نادي التجديف, لحضور بطولة التجديف في مدينة كوبنهاجن. وفي رحلة العودة توقف وزملاؤه في مدينة هايدلبيرج الألمانية, ولم يتمكنوا من العثور علي مكان للمبيت, ونصحهم البعض بالتوجه إلي مكان اسمه (بيت الشباب). وعلي الرغم من أن المكان كان محجوزا بأكمله, فإن الشخص المسئول ساعدهم في إيجاد مكان لدي أسرة ألمانية.. وتعرف السحراوي وقتها للمرة الأولي علي فكرة بيت الشباب, وتمني أن يكون في مصر مثلها.
وبعد عودته اتصل بعدد من الأشخاص الذين سبقت لهم زيارة (بيوت الشباب) في الخارج ليبنوا علي ما لديهم من أفكار, وفي أغسطس 1954 عقد الاجتماع التمهيدي للمؤسسين حضره 61 عضوا, ودفع كل من المؤسسين جنيها مصريا واحدا, وتم جمع مبلغ 61 جنيها اعتبر بمثابة رأس مال الجمعية الوليدة. وعقد الاجتماع الأولي للجمعية العمومية التأسيسية في 8 سبتمبر 1954 برئاسة اللواء حسن رجب وحضره 31 عضوا من المؤسسين واتفقوا علي أن يكون أول مقر لبيوت الشباب بمصر هو الباخرة حارس التابعة للكشافة البحرية وانتخب أول مجلس إدارة, وتم تسجيل الجمعية بوزارة الشئون الاجتماعية في 18 أكتوبر 1954, واستطاعت الجمعية في أواخر ذلك العام أن تشتري العوامة كوهينور لتكون أول بيت للشباب تمتلكه الجمعية. وكانت العائمة كوهينور ثاني بيت شباب عائم في العالم, وكان الأول البيت العائم في بحيرة في مدينة استوكهولم السويدية. ونتيجة الفيضان الاستثنائي لنصر النيل في أغسطس 1955 اندفعت المياه إلي العائمة وغرقت بكل ما فيها من أثاث. وقد دفع ذلك إدارة الجمعية إلي عمل حملة تبرعات من الأعضاء لتأجير بيت شباب بدلا منها, وأستأجرت الجمعية عام 1956 فيلا في شارع الهرم في الجيزة, وأطلق عليها بيت شباب كوهينور. وفي العام ذاته وافق الموتر الدولي السابع عشر بمدينة كريسدال بإسكتلندة علي منح الجمعية المصرية العضوية الكاملة.
وبددأت جمعية بيوت الشباب في إنشاء أكثر من بيت للشباب في محافظات مصر, فقد أهدت هيئة قناة السويس الجمعية بيتا في الإسماعيلية عام 1958, إلا أنه تعرض للقصف والتدمير أثناء الاعتداء الإسرائيلي علي مصر عام .1967 وفي بورسعيد افتتح أول بيت شباب تقوم الجمعية ببنائه في عام 1960 وسمي بيت نصر للشباب وترجع تسميته لما حدث في بورسعيد عام 1956, وساهمت بيوت الشباب البريطانية في إنشائه بمبلغ 160 جنيها أسترلينيا تعبيرا عن أسفها لمشاركة بريطانيا في ذلك الاعتداء الثلاثي. كما شارك وفد من الجمعية البريطانية في عملية البناء.
اشتركت الجمعية لأول مرة في المهرجان الدولي لبيوت الشباب الذي أقيم في ألمانيا بمناسبة احتفالها باليوبيل الذهبي للحركة, وقدم وفد شباب الجمعية المصرية في ذلك المهرجان عرضا فلكلوريا فاز بالجائزة الأولي. وعلي أثرها زار مستر برادلي رئيس الاتحاد الدولي لحركة بيوت الشباب القاهرة وجاءت هذه الزيارة تدعيما لحركة بيوت الشباب في مصر.
وبعد مرور عشر سنوات علي إنشاء الجمعية تم شراء فيلا ليلي دوس بأول طريق الفيوم الصحراوي بالجيزة وتم إعداده ليكون بيتا للشباب, وتم افتتاح بيت الشاطبي للشباب بالإسكندرية وهو ثاني بيت يبني علي أحدث طراز بعد بيت شباب نصر ببورسعيد. وتوالي انتشار بيوت الشباب, وأصدرت هيئة البريد طابعا تذكاريا بمناسبة اليوبيل الفضي للجمعية في عام .1979
* * وبعد هذا العرض التاريخي لبيوت الشباب المصرية التي أسسها مجموعة من الشباب المصري المحب للسفر والترحال.. نتأكد أنها بحق منجم لم يكتشف بعد, فبيوت الشباب ليست فنادق صغيرة ورخيصة للإيواء فقط, بل هي مدرسة للحياة تركز علي كل الجوانب الإيجابية في تكوين شخصية الشباب, 13 مدينة مصرية تفتح أبوابها يوميا لاستقبال من يرغب من شباب مصر والعرب والأجانب, وعلي الرغم من ذلك فإن نسبة المستفيدين منها مازالت قليلة وهذا ما تبين لنا بجلاء من خلال المشاركة المحدودة في الاحتفال بمئوية بيوت الشباب علي مستوي العالم خلال الأيام الماضية بمصر.. ونظن أن هناك الكثير من الشباب لا يعرفون شيئا عن بيوت الشباب.
المرجع:
أ. مدحت محمود سالم
مدير إدارة الشئون الإدارية بجمعية بيوت الشباب