* أمضيت أكثر من عقدين في مؤسسة كانت ولا تزال إحدي أكبر ثلاث مؤسسات اقتصادية في العالم وكان ما تعلمته من الثقافة المؤسسية لهذا الصرح الاقتصادي العظيم أنه لا يوجد حادث إلا وكان من الممكن تجنب وقوعه.وينطبق هذا علي حوادث الحريق بوجه خاص.فمظم الحرائق الكبري تكون بدايتها إما بالكهرباء أو بنار أهملت (ومن ذلك أعقاب السجائر).تذكرت ذلك وأنا أشاهد احتراق المبني التاريخي لمجلس الشوري والذي افتتح سنة 1866 كمجلس شوري القوانين والذي بنته دولة الخديوي إسماعيل الفذة كما بنت دار الأوبرا المصرية القديمة التي أجهز عليها حريق مماثل للذي أجهز علي مبني مجلس شوري القوانين (مجلس الشوري).إذا لم يكن ما حدث بفعل فاعل,فإن الإهمال (ذلك الصنم المصري العتيد) يكون هو الفاعل…وهو أمر غير مستغرب في بلد لم تمر سنة من سنواته الثلاثين الأخيرة دون حادث مأساوي كحريق قطار الصعيد وحريق أحد المراكز الثقافية في صعيد مصر وحادث العبارة المأساوي وكلها حوادث يدفعها من لا علاقة له بالعصر بصفة القضاء والقدر وكلها في الحقيقة حوادث كان من الممكن تجنبها إلا أن وجود آلية تجنب حوادث كهذه تتطلب إدارة قيادات إدارية من نوع لا وجود له في مصر لا في المؤسسات الحكومية ولا في القطاع العام ولا حتي في القطاع الخاص.
* لا شك عندي أن الأوليجاركية المالية تقود مهازلستان المعاصرة لأتون من الفوضي…فكما قال ابن خلدون منذ قرون,فإن الحاكم إذا تاجر فسد الحكم وبارت التجارة.منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي ومهازلستان تشهد واحدا من أخطر فصول تاريخها إذ تحول حكم مهازلستان خلالها من نظام حاكم فرد محاط ببطانة من عتاة البيروقراطية السياسية لنظام حكم فرد محاط بطبقة تجار نهمة وذات محصول ثقافي ومعرفي وتاريخي بالغ الضحالة وعديمة الحس الاجتماعي ومن عتاة الفاهمين لآليات الاحتكار والاستحواذ وأخيرا فإنهم من أرباب الفساد والإفساد بأشكال ربما تكون الأكبر والأشد فسادا في تاريخ مهازلستان الطويل (نيف وخمسين قرنا).ولو كنت من قادة الجماعة المحظورة لصليت -يوميا- صلاة شكر لله لأن هذه الأوليجاركية قد وجدت في هذا العهد ولأنها فعلت وتفعل ما يعبد طريق الجماعة لحلمها التاريخي.وعندما تقع الفأس في الرأس,فسيكون ذلك موعد لقاء أبناء وبنات مهازلستان مع عقود من الفوضي والانهيار…لتتعلم فيهم الجماعة -غير المحظورة وقتئذ- الحكم والسياسة…
* سألني قارئ عن أثر التكتيم والتعتيم الذي مورس علي أوسع نطاق منذ أيام قليلة بهدف عدم ذكر اسم شخص معين ارتبط اسمه بحادثة معينة وقعت خارج مصر.فكانت إجابتي إن ما حدث ويحدث رسخ عند المصريين أن القانون لا يطبق إلا علي ما لم تكن عنده عضلات سياسية تدافع عنه وتحميه بل وتقطع الألسنة وتقصف الأقلام حتي لا يذكر اسمه بسوء.
* كما أن ويليام شكسبير -كما قال وينستون تشرشل العظيم- أهم من الإمبراطورية البريطانية,فإن محمود درويش (كان ولا يزال أهم من أي منظمة فلسطينية 1942-2008) عندما توفي العظيم محمود درويش تقاطرت مواقف التعظيم له من كبريات الجامعات وأكبر أصحاب العقول والأقلام وطالت قامة الرئيس محمود عباس بما فعل وقال في حق محمود درويش…ولكن الموقف الجلل والجليل شهد نغمة نشاز واحدة عندما انبري أقزام (أشك أن بوسع أي منهم مطالعة وفهم صفحة واحدة بأي كتاب عالمي جاد) وكلهم من أزلام حماس ينهشون اسم ورسم وقيمة العظيم محمود درويش…وهو ما أكد ما نكرره أن من (توهم) أنه وحده الذي يمثل الحق (وكل من خلط الدين بالسياسة هو من هذه الفئة) لا يمكن أن يفهم أو يقبل التعددية التي هي من أحجار الزاوية لأي ثقافةإنسانية متحضرة…ومن لا يقبل التعددية,لا يقبل تداول السلطة,ومن لا يقبل تداول السلطة لا يمكن تصنيفه بين الديموقراطيين,حتي لو وصل إلي الحكم (مثل أدولف هتلر) من خلال انتخابات ديموقراطية…لقد كانت كلمات أزلام حماس عن محمود درويش طبقة جديدة سميكة من طبقات السخام الحماسي (راجع معني سخام في القاموس المحيط ولسان العرب).
* لا يساورني شك أن من لا يري أن قيادات وسياسات وتصرفات حماس في فلسطين هي ضفيرة من التخلف والماضوية والتعصب ومنافاة التحضر والتمدن هو إنسان تحكمه غرائز بدائية وعدوانية مضادة لكل مفردات العصر,وأن دوافعه لا علاقة لها بالفكر والرأي وإنما بعوامل بعضها سيكولوجي (نفسي) وبعضها سوسيولوجي (اجتماعي)…وينطبق ذات التحليل علي من يروق له حزب الله وأحمدي نجاد (الذي يسميه أهل عربستان في غرب إيران أحمقي نجاد)…وكذلك الذين حرك غرائزهم الغزو الروسي لجورجيا…وأستطيع أن أجزم أنني أعرف رأي هؤلاء الغرائزيين في مسائل مثل:
- حل الصراع العربي الإسرائيلي بالتفاوض…
- وضع الأقليات في المجتمعات الناطقة بالعربية
- وضع المرأة في مجتمعاتنا المترعة بالتخلف والماضوية…
وفي كثير غيرها من المسائل,فنحن نعرف البوتقة التي تخرج منها أفكارهم مثل:
الغرائزية والشعور العميق بالدونية والتعصب المفرط ومحدودية وهزال تكوينهم السياسي وغرقهم في الحلم بماضي لم يوجد في أي زمان وأي مكان.
* علي نقيض معظم المحللين السياسيين في البلدان الناطقة بالعربية,فإنني لا أتوقع فوز باراك أوباما في تنتخابات الرئاسة الأمريكية القادمة في شهر نوفمبر المقبل.حساباتي (وليست أهوائي) ترجح فوز ماكين.القوة السياسية الفاعلة التي أفرزت في سنوات رئاسة رونالد ريجان (1981-1989) والمؤسسات التي تقف وراءها وتدعمها هي في اعتقادي التي ستصل بجون ماكين في شهر يناير المقبل بالبيت الأبيض.
* الرئيس الأسد يعلن قبل أيام وقبيل وصوله إلي العاصمة الروسية موسكو تأييده لمواقف روسيا من جورجيا ومن الولايات المتحدة الأمريكية ومن أوربا.الخبر إما أن يعلق عليه بسخرية فيقال: ##يا لحظ روسيا##!! وإما أن يعلق عليه بجدية فيقال: ما أعظم العرب في الخيارات والرهانات الخاسرة من تعاطف الزعيم الفلسطيني عبد القادر الحسيني مع هتلر إلي تعاطف الرئيس السوري منذ أيام مع موسكو!…إنها خيارات ورهانات تدل علي أن إسرائيل محظوظة (بشكل خرافي) بالحالة العقلية والذهنية لخصومها.منذ أيام صرح رئيس سابق لجهاز الموساد الإسرائيلي بأن الرئيس الإيراني أحمدي نجاد هو ضربة حظ لمصلحة إسرائيل(!!).
* قناة تليفزيون الجزيرة التي يديرها شاب فلسطيني كان من المسئولين عن إعلام منظمة حماس(!!) سوف يكتب عنها في يوم من الأيام أنها لم تكن جهاز إعلام عصري ولم تكن مؤسسة ثقافية تحاول أن تعالج الحياة الإعلامية والثقافية والعربية من أدرانها وإنما كانت محض تشخيص وتجسيد للعقلية والذهنية والثقافة العربية في هذا الزمن: خلطة من الفكر القومجي الذي انتهي عصره مع إضافات أساسية من الإسلاموية في ظل مادة خام واسعة من سوسيولوجيا وسيكولوجية الدونية التي تجعل أصحابها في حالة رجم مستمرة للآخرين بوجه عام وللأكثر تقدما بوجه خاص…فما لم يكن المشاهد مريضا بتلك الأوبئة,فإنه لا يمكن أن يضيع دقائق في مشاهدة قناة تليفزيونية تعمل علي وتيرة الدونية والأوتار الأخري التي ذكرتها (المشاعر القومجية والإسلاموية).