نتابع اليوم تأملنا في مزمور 79 الذي استغاث فيه المرنم بالرب طالبا أن ينقذ شعبه من البلاء الذي حل بالهيكل وبالعاصمة,ثم طلب أن تأخذ العدالة الإلهية مجراها,فقال:أفض رجزك علي الأمم الذين لا يعرفونك,وعلي الممالك التي لم تدع باسمك,لأنهم قد أكلوا يعقوب وأخربوا مسكنه(آيتا6, 7).وهناك أربعة احتمالات لتفسير هاتين الآيتين:
1-العدالة من منظور شريعة موسي:كانت هذه الشريعة تقول:وإن حصلت أذية تعطي نفسا بنفس,وعينا بعين,وسنا بسن,ويدا بيد,ورجلا برجل,وكيا وبكي,وجرحا بجرح,ورضا برض(خر21:23-25) ذات الفكرة مكررة في (لا24:20) و(تث19:21).وبحسب هذه الشريعة يطلب المرنم من الرب أن يصب غضبه علي الوثنيين الذين لا يعرفون الرب ولايدعون باسمه,لأنهم أساؤوا إلي شعب الرب إساءات بالغة وكان هذا طلب داود:خاصم يارب مخاصمي.قاتل مقاتلي…ليخز وليخجل الذين يطلبون نفسي(مز35:1, 4).
2-حتمية العدالة:في هاتين الآيتين يعلن المرنم أن الغضب الإلهي قادم,ولابد أن يحل بالخطاة كنتيجة طبيعية لخطاياهم,وينزل علي الذين لا يعرفونه ولم يدعوا باسمه,وعبدوا المخلوق دون الخالق,مع أنه أظهر وجوده لهم في الطبيعة التي تخبر بعمل يديه.وبالرغم من ذكاء الخطاة في أمور دنياهم كانوا جاهلين في أمور دينهم,فاقتطعوا شجرة أحرقوا بعض أغصانها وقودا وتدفئة,ونحتوا بعضها وثنا يسجدون له(إش44:14-17) فلابد أن يعلن الله غضبه عليهم كنتيجة طبيعية لضلالهم.
3-الرحمة والعدالة:يحب الله الخاطئ ويكره خطيته,والسماء تفرح بخاطئ واحد يتوب(لو15:7) فيكون معني الآيتين أن الله يفيض غضبه علي من لا يعرفونه,ولكنه يدعوهم ليتوبوا ويهجروا ضلالهم.وقد قال رجل تقي:يارب ساعدني أن أدمر أعدائي بأن أجعلهم أصدقائي.ونحن نكره العداوة لكننا نحب العدو,وندعو الله أن يهدم حائط السياج المتوسط أي العداوة,كما يفعل المسيح(أف2:14).واللهيريد أن جميع الناس يخلصون وإلي معرفة الحق يقبلون(1تي2:4).
4-قوات الظلمة الروحية والعدالة:يمكن أن يكون معني الآيتين أن يبيد الله قوات الظلمة الروحية التي تقاوم قوة النور السماوي,فإن مصارعتنا هي ظلمة هذا الدهر ومع أجناد الشر الروحية(أف6:12).ونحن نصلي:لا تدخلنا في تجربة لكن نجنا من الشرير(مت6:13).
وينتقل المرنم في آيتي8, 9 ليطلب الغفران,بنسيان ذنوب الأولين:لا تذكر علينا ذنوب الأولين(آية8 أ).عندما يخطئ الآباء يتركون لأبنائهم تركة ثقيلة من الحزن والبؤس,فعندما يستدين الآباء يتركون ديونهم للأبناء,وعندما يسيئون التصرف يتركون لأبنائهم الصيت الردئ,وعندما يتخذون قرارات خاطئة يورطون الأبناء في نتائج تلك القرارات.وعندما يتوب الآباء يغفر الله لهم,ولكن سيرتهم تظل حديث الأجيال القادمة.لقد غفر الله للص التائب وقال المسيح له:اليوم تكون معي في الفردوس(لو23:43).ولكن أبناءه وأحفاده حملوا لقبأبناء وأحفاد اللص الذي أعدم صلبا ولن يذكر الله للآباء ذنوبهم إن هم تابوا عنها,ولكن لا بد أن يعاني الأبناء في سمعتهم وصحتهم واقتصاداتهم بسبب ذنوب الآباء..ولو أنهم في الأمور الروحية لا يعانون,لأن الرب قال:في تلك الأيام لا يقولون بعد:الآباء أكلوا حصرما وأسنان البنين ضرست,بل كل واحد يموت بذنبه.كل إنسان يأكل الحصرم تضرس أسنانه(إر31:29, 30-انظر أيضا حزقيال18:1-5).
2-الرحمة للآخيرين:لتتقدمنا مراحمك سريعا لأننا قد تذللنا جدا(آية8 ب).لا يدعي المرنم براءته وبراءة جيله من الخطأ الذي جر عليهم المتاعب,فيطلب أن تتقدمه مراحم الرب ليحتمي بها,فيسير وراءها في طريق ممهدة.,في (مزمور23:6) قال المرنم:إنما خير ورحمة يتبعانني كل أيام حياتيمما يعني أن الرحمة أيضا تسير وراء المؤمن لتضمن له السلامة من طعنة قد تأتيه من الخلف.وهكذا يكون المؤمن محاطا بالمراحم الإلهية,من أمامه ومن ورائه.وهي تتقدمهسريعالأنه بلغ أقصي ما يستطيع احتماله من الضيق والتعب,وقد تذلل هو وشعبه جدا.
3-الغفران من أجل اسمه:أعنا يا إله خلاصنا من أجل مجد اسمك.ونجنا واغفر خطايانا من أجل اسمك(آية9).كانت هزيمة شعب الله في نظر الوثنيين هزيمة لله نفسه!,ويطلب المرنم الرحمة والخلاص من أجل مجد اسم الرب,وحتي لا يقول الوثنيون إن الله عاجز عن إنقاذ شعبه,فلأجل مجد اسمه يسرع بخلاصنا من خطايانا بالغفران,ومن عوزنا بتسديد الاحتياجات ,ومن مرضنا بالصحة,ومن أعدائنا بالنجاة.ونحن نعتمد علي الذبيحة الكفارية الكاملة التي قدمها حمل الله فرفع خطية العالم,فكل بركة ننالها هي من أجل مجد اسمه,ومن أجل اسمه.