كتب داود عدة مزامير بمناسبة انقلاب ابنه أبشالوم الفاشل ضده(2 صموئيل 15-18)نتأمل اليوم أحدها,وهو المزمور الحادي والستون,كتبه وهو في طريق عودته إلي قصره من مكان هروبه في شرق الأردن.وفيه عبر عن حاله في وقت عصيب,يعجز فيه العقل عن التفكير والتعبير,ولكن سلام الله داخله جعله يرنم.في هذا المزمور نجد ثماني آيات,الأربع الأولي منها صرخة قلب تعبان,والأربع آيات الثانية تعلن ثقة هذا القلب. 1-من قلب تعبان صلي داود:اسمع يا الله صراخي إلي صلاتي.من أقصي الأرض أدعوك إذا غشي علي قلبي.إلي صخرة أرفع مني تهديني(آيتا 1, 2).يوجه داود صلاته إلياللهالسيد الذي له كل سلطان في السماء وعلي الأرض,كما أنه إله العهد,الذي تعهد لشعبه بالرعاية والحماية,ودعي اسمه عليه.أحيانا نركز علي المشكلة,ونشكو من ضخامة حجمها وضآلة قدراتنا أمامها.ولكننا نتعلم من داود كيف نتجه إلي الرب الذي يملك الحل,ونقول له:اسمع. أصغ. أدعوك.صلي بصوت خافت كما صلي وصرخ بصوت مرتفع وبإلحاح وحرارة طالبا من الله ألا يسكت حتي ينقذه ويباركه(تك 32:26).والله يحتملنا في انفعالاتنا,ويميل أذنه إلينا.فلنشكره علي الفضل,ولنعترف له بالخطأ,ولنطلب منه أن يسدد احتياجاتنا الصحية والمالية والعائلية والروحية. نفي داودا من قصره,ومكان عبادته,ومقر عرشه,فهرب إليأقصي الأرضإلي شرق الأردن بعيدا عن أورشليم,فغشي علي قلبه,بمعني أن الحزن غلفه,بسبب بعده عن بيت الله,وصدمته في ابنه الغالي أبشالوم,وفي أصحابه الذين كانو أوفياء,ولكنهم وقت الأزمة لم يكونوا أوفياء. وفي وقت الضيق أدرك داود أن هناكضخرة أرفع منهيهديه الله إليها.لقد عجز عن هداية نفسه,وحار مشيروه في اقتراح حل مناسب,فاتجه إلي ربه,صخره الذي يعطي الإحساس بالقوة,وبالدوام.إنما هو صخرتي وخلاصي,ملجأي.لا اتزعزع كثيرا..علي الله خلاصي ومجدي,صخرة قوتي,محتمياي في الله(مز 62:2, 7).فإن اهتدينا إلي صخرة أرفع منا سنعلو علي أعدائنا,ولكننا سنحتاج إلي قوة للتسلق إليها,وإلي مرشد يرينا سبل تسلقها.نحتاج إلي أذرع الله الأبدية لترفعنا,وإلي قوة داخلية ينشئها فينا روحه لنتجاوب مع قوة جذب تلك الأذرع الإلهية(تث 33:27). 2-صرخة القلب التعبان هي صلاة مبنية علي ذكريات حلوة:لأنك كنت ملجأ لي.برج قوة من وجه العدو(آية 3).اسم الرب برج حصين يركض إليه الصديق ويتمنع(أم 18:10).اتجه المرنم للرب واثقا أن الذي وقف بجواره في الماضي سيقف معه في الحاضر,ودائما.كنت فتي وقد شخت,ولم أر صديقا تخلي عنه, ولا ذرية له تلتمس خبزا(مز 37:25).كان الله برج حماية لداود من الأسد والدب اللذين هاجما قطيعه فقتلهما,ومن جليات الجبار,ومن محاولات شاول لقتله,ومن انقلاب أبشالوم الفاشل عليه. 3-صرخة القلب التعبان هي الصلاة فيها وعدان:لأسكنن في مسكنك إلي الدهور.احتمي بستر جناحيك(آيه 4).في الصلاة وعد الله بوعدين.أولهما أن يتعبد لله دائما في مسكنه,قائلا:واحدة سألت من الرب وإياها التمس:إن أسكن في بيته كل أيام حياتي,لكي أنظر إلي جمال الرب وأتفرس في هيكله(مز 27:4). بعد أن اختبر محبة الله التي أعطته ثقة ومنحته سلاما في وقت ضيقه,وعد الرب أن يسكن التعبان في بيت الرب دائما والعابد هو الذي يستعبد نفسه لله بحياة الطاعة والخدمة,فليست العبادة مجرد كلمات تتلي,ولكنها حياة تعاش في خدمة الرب والعبودية الطوعية له. أما وعد داود الثاني للرب فهو أنيحتمي بستر جناحيهليشعر بالاطمئنان كأنه فرخ صغير,يلجأ إلي الجناحين الكبيرين ليحتمي بهما,فيشعر بالمحبة والدفء والاستقرار والراحة,ويتحقق معه الوعد:سلاما أترك لكم.سلامي أعطيكم.ليس كما يعطي العالم أعطيكم أنا لا تضطرب قلوبكم ولا ترهب(يو 14:27).وفي النصف الثاني من المزمور يعلن المرنم ثقته في الرب أنها: 1-ثقه مبنية علي معاملات الله السابقة:لإنك أنت يا الله استمعت نذوري.اعطيت ميراث خائفي اسمك(آية 5).ثقتنا في الإله الذي ساندنا بالأمس تنعشنا فنثق فيه اليوم وغدا.وضع داود ثقته في الرب الذي نذر إليه نذره,فنظر إليه وسمع طلبه.وكان يعقوب جده قد نذر نذرا وهو يهرب من وجه أخيه عيسو(تك 28:20-22)ولما واجه شقيقه عيسو(تك 31:13),واستجاب الرب طلب يعقوب.ومضت اثنتان وأربعون سنه دون أن يفي يعقوب بنذره,فذكره الله به(تك 35:1).وداود هنا يعد الرب أنه لن يتأخر بالوفاء بالنذر,لأن الرب لن يتأخر قط عن الوفاء بالوعد.لقد أعطي نسل إبراهيم ميراثا هو أرض كنعان,بالرغم من استحالة حصولهم عليه بقوتهم العسكرية,لأنه وعد وحقق وعده.ووعد المسيح تلاميذه بسداد أعوازهم,وفعل,ثم سألهم:حين أرسلتكم بلا كيس ولا مذود ولا أحذية,هل أعوزكم شئ؟فقالوا:لا (لو 22: 35).