ما زلنا نتأمل في المزمور الثاني والستين الذي يشرح الثقة الصادقة التي تنتظر الله, ويقول مطلعه إنما لله انتظرت نفسي.من قبله خلاصي. والمرنم الواثق في الله يعلم أعداءه.
(أ) يعلمهم أن الإنسان باطل وتراب: إنما باطل بنو آدم. كذب بنو البشر.في الموازين هم إلي فوق.هم من باطل أجمعون (آية9).آدم مخلوق من تراب,ومعني اسمه مولود الأرض-أديم واسم ابن آدم الثاني هابيل ومعناه بخار أو باطل. ولابد أن يموت ويرجع التراب إلي التراب الذي أخذ منه. يوجد اليوم ولا يوجد غدا. كل جسد عشب,وكل جماله كزهر الحقل.يبس العشب,ذبل الزهر,لأن نفخة الرب هبت عليه.حقا الشعب عشب (إش40:6, 7). في الموازين هم إلي فوق خفيف الثقل,ليس فيه ما نرجوه. هكذا قال الرب: ملعون الرجل الذي يتكل علي الإنسان,ويجعل البشر دراعه,وعن الرب يحيد قلبه.مبارك الرجل الذي يتكل علي الرب,وكان الرب متكله (إر17:5, 7). لا تتكلوا علي الرؤساء ولا علي ابن آدم حيث لا خلاص عنده.تخرج روحه فيعود إلي ترابه.في ذلك اليوم نفسه تهلك أفكاره (مز146:3, 4). فالبشري باطل لا ينفع ولا يضر,وليس فيه ما نرتجيه,ولا ما يخيفنا منه,مهما كان حجم ما نظن أنه يستطيع أن يؤذينا به.
(ب) يعلمهم أن الغني ليس كل شئ: لا تتكلوا علي الظلم,ولا تصيروا باطلا في الخطف (آية10أ). قد يظن الإنسان أنه عندما يظلم غيره يرتفع,ولكن الظلم لابد أن يرجع علي صاحبه بالدمار.ومن الظلم أن يخطف إنسان من إنسان كرامته أو حقوقه,كما أن هذا لا يمكن أن يغني الخاطف. الأشبال احتاجت وجاعت,وأما طالبو الرب فلا يعوزهم شئ من الخير (مز34:10). محصل الغني بغير حق في نطف أيامه يتركه,وفي آخرته يكون أحمق (إر17:11). وقد نصح الرسول يعقوب الأغنياء الذين حصلوا علي ثراءهم بطرق ظالمة قائلا هلموا الآن أيها الأغنياء,أبكوا مولولين علي شقاوتكم القادمة…أجرة العلة الذين حصدوا حقولكم…تصرخ, وصياح الحصادين قد دخل إلي أذني رب الجنود (يع5:1-4).
إذا زاد الغني فلا تضعوا عليه قلبا (آية10ب) فقد يظن إنسان أنه صنع الثروة بنفسه وذكائه,وأن صحته وذكاؤه باقيان,وأن إقبال الظروف عليه سيستمر.ولكن كل ما علي الأرض لا يدوم.ويقول المرنم لمن يخطف ويعتمد علي غناه: يهدمك الله إلي الأبد.يخطفك ويقلعك من مسكنك,ويستأصلك من أرض الأحياء,فيري الصديقون ويخافون,وعليه يضحكون.هوذا الإنسان الذي لم يجعل الله حصنه بل اتكل علي كثرة غناه واعتز بفساده (مز52:5-7).
(ج) يعلمهم أن العزة لله: مرة واحدة تكلم الرب,وهاتين الاثنتين سمعت: أن الععزة (القوة) لله (آية 11). وهناك ترجمة أخري لهذه الآية تقول: مرة تكلم الله,ومرتين سمعت: إن العزة لله. فقد طرقت كلمة الرب أذني المرنم بقوة,جعلت صداها يتردد في أعماق قلبه, ومن له أذنان للسمع فليسمع (مت13:9). وما أعظم الفرق بين المرنم الذي يسمع صوت الله ويميزه (يو10:4) والخاطئ الذي يصفه أليهو بالقول: الله يتكلم مرة,وباثنتين يلاحظ الإنسان (أي33:14).
كلمة الرب مرة واحدة نافذة المفعول,لها سلطان,ولذلك لا يكرر الله كلامة باطلا,ولكن هذه الكلمة الواحدة ترددت في مسامع المرنم مرتين: عندما خلقه,وعندما يعتني به. عندما أعطاه الولادة الجديدة,وعندما نصره علي الخطية…عندما أعطاه الخطوة الأولي من الخلاص بالغفران فور توبته,وعندما يعطيه الخطوة الثانية للخلاص والتقديس وهذا يستغرق عمره كله.
ونحن نري قوة الله وعزته مرتين: في محبة الصليب وقوة القيامة. لا يجسر أحد أن يضع نفسه عنا. ربما لأجل الصالح يجسر أحد أن يموت,ولكن الله بين محبته لنا,لأنه ونحن بعد خطاة مات المسيح لأجلنا (رو5:7, 8). هذه هي قوة الحب الباذل. ثم هناك قوة القيامة الظافرة,فلم يكن ممكنا أن يمسك الموت المسيح,فهزم الموت والقبر وقام, وأبطل الموت وأنار الحياة والخلود (2تي1:10) ونري عزة الله مرتين: في أن يضم للكنيسة كل يوم الذين يخلصون (أع2:47). فعل هذا في القرن الأول,ويفعله اليوم في الذين يرجعهم إليه.كما تظهر قوته في استمرار كنيسته وسط كل الظروف التي تحاربها وتزيد تحطيمها,لكن أبواب الجحيم لن تقوي عليها (إش54:17 ومت6:18).
كم من خاطئ لا يسمع صوت الله ولا يري قوته,فيتحدي الإرادة الإلهية ولا يستسلم لها,ولا يدعو الله,ويحاول أن يسير أمور بنفسه,فإن طريق الجاهل مستقيم في عينيه (أم12:15) وكم من خاطئ قلق يائس من رحمة الله,يقيم بعدم إيمانه حاجزا بينه وبين إلهه.
(د) يعلمهم أن الله هو المجازي الرحيم: ولك يارب الرحمة,لأنك تجازي الإنسان كعمله (آية12). يكافئ الله الأبرار برحمته,ويعاقب الأشرار بعدالته,ويعطي الجميع ما يستحقونه. قال له سليمان وقت تدشين الهيكل: تحكم علي المذنب فتجعل طريقه علي رأسه,وتبرر البار إذ تعطيه حسب بره (1مل8:32). ومن رحمة الله أنه لا يتوقع عقابه إلا بعد أن يعطي الخاطئ فرصة ليتوب,ولذلك يقول الرسول بولس لمن لا يتوب: تستهين بغني لطفه وإمهاله وطول أناته,غير عالم أن لطف الله إنما يقتادك إلي التوبة. ولكنك من أجل قساوتك, وقلبك غير التائب,تذخر لنفسك غضبا في يوم الغضب واستعلان دينونة الله العادلة,الذي سيجازي كل واحد حسب أعماله…الذين يطاوعون للإثم,فسخط وغضب…ومجد وكرامة وسلام لكل من يفعل الصلاح (رو2:4, 10).
أما الذين يعملون العمل الصالح فيكافئهم الله من رحمته,لأنهم مهما عملوا من خير فقد عملوا مجرد المطلوب منهم.وهم لا يردون إلا أقل القليل مما أعطاهم. فالمال الذي أعطوه هو من عطاياه. والجهد الذي بذلوه هو من فضله! ورحمته وحدها هي التي تجازي الصالح علي العمل الصالح.
فليعطينا الرب أن نعتمد عليه وحدة,لأنه وحده الجدير بالثقة,وهو القوي الرحيم العادل,الذي يستحق أن نقول عنه: إنما لله انتظرت نفسي.من قبله خلاصي.