صدم الرأي العام الأسبوع الماضي بكارثة إنسانية بمدينة رشيد, حيث تعرض حوالي خمسين شخصا للغرق إثر اصطدام المعدية التي كانوا يستقلونها بأخري في النيل وانشطارها إلي نصفين.
الحمولة القانونية للمعدية تتراوح بين عشرة إلي اثني عشر راكبا إلا أن التجاوزات بشعة والأرقام الفعلية للحمولة مذهلة!.
فجر رئيس المجلس المحلي مفاجأة وأعلن أن المعديتين المتصادمتين ملك لأحد الأفراد, وتعملان بعيدا عن رقابة مجلس المدينة مما يشجع قائديهما علي تحميل أعداد زائدة من العابرين للنهر دون مراعاة الطاقة الاستيعابية لكل معدية!.
اتهم رئيس جمعية الرعاية الاجتماعية بمطوبس مالكي العبارات بالإهمال والتسيب في أكثر من حادث من قبل وغرق العديد من الأهالي ولم يتحرك أحد!.
علي امتداد عقود طويلة شهدت مصر آلاف الكوارث النيلية وضياع آلاف الأرواح ضحية للإهمال والتسيب والفوضي والفساد, وعقب كل حادث تنطلق تصريحات ووعود السادة المسئولين من فوق جثث وأشلاء الضحايا… وسرعان ما تتبخر ويكتشف الرأي العام أنها تصريحات كاذبة ووعود مسكنة.. وهكذا تئن مصر علي امتداد أكثر من نصف قرن من سلسلة الكوارث المفجعة.
منذ عقود طويلة حرصت الإدارة الأجنبية لهيئة قناة السويس علي ربط مدينتي بورسعيد وبورفؤاد بخط ملاحي بمعديات نهرية تابعة لهيئة قناة السويس لنقل الركاب والسيارات, وكنا ندفع مليمين قيمة التذكرة للشخص ذهابا وعودة, وللسيارة قرشين صاغ!… وبعد انتقال الإدارة للسلطة المصرية بسنوات عديدة ألغيت رسوم الركاب… وأصبحت 25 قرشا للسيارة… ومع ذلك لم تهتز الصورة فالمشرفون علي هذه المعديات من هيئة قناة السويس يراقبون الحمولة بصرامة… عيون شرطة أمن الموانئ والمسطحات المائية تراقب الحركة الملاحية بحزم… حركة الملاحة كأنها سيمفونية منضبطة… سهولة وسرعة ومرونة وانسيابية ودقة مذهلة! ورغم أن هناك آلاف اللنشات الخاصة التي تنطلق في مياه قناة السويس إلا أن لها مهاما تجارية محددة بتراخيص قانونية… ولم تفكر واحدة منها في مخالفة مهامها, ولم تجرؤ لحظة علي الاقتراب من مراسي هذه المعديات!
مسلسل الكوارث النيلية سيظل مستمرا في ظل الخلل والفوضي والفساد. وقبل أن تحاسبوا السائقين المخالفين, حاسبوا المسئولين المتسببين في هذه الكوارث الذين أهملوا إجراءات الأمن والسلامة والرقابة وسمحوا بالعشوائية النيلية وتسببوا في ضياع آلاف الأرواح البريئة.