تأليف: د.عادل حليم
يتساءل المؤلف في مقدمة كتابه كيف نختار شريك الحياة, هل نستخدم العقل أم القلب؟ وأيهما أكثر نجاحا: اختيار مبني علي العاطفة أم علي العقل والمنطق؟ ويجيب قائلا: نود أن نوضح أنه لا يوجد إنسان قادر علي أن يستخدم العقل وحده أو القلب وحده, فالشخص كائن متكامل يصعب تجزئته.. كل ما في الأمر أن هناك من يتسمون بالعقلانية أكثر من غيرهم, أو بالعاطفية أكثر من غيرهم. حينما يختار الفرد شيئا أو يصنع قرارا فإنه بالضرورة يستخدم كل ملكاته العقلية والعاطفية, أي خبرته السابقة, ورصيده من العلم والمعرفة, كما يراعي مشاعر الآخرين عندما يقرر ما يريده.
ثم يستعرض الكاتب الحديث عن الاستقلالية والانقيادية في صنع قرار الارتباط وكيفية الاستعداد لارتباط ناجح فيقول: من أجل اختيار ناجح يحتاج كل شاب وفتاة إلي الإعداد النفسي وتفهم أبعاد الحياة بوجه عام والحياة الزوجية بوجه خاص. وهذا الإعداد من شأنه أن يصنع توازنا في أعماق الشخصية, وتوازنا بين العقل والعاطفة من أجل زواج دائم, فالعاطفة وحدها تبني بيتا ضعيف الأساس يتم إنشاؤه سريعا فلا يلبث أن تطيح به رياح الأزمات والمشكلات الحياتية التي يتعرض لها الزوجان, بينما العقل والعاطفة معا يقيمان بناء قويا يتصدي لأعتي الأعاصير, وإن استغرق بناؤه زمنا أطول.
* اختيار الشريك خبرة إنسانية متكاملة
تطبيقا لما سبق فإن اختيار شريك الحياة يتحقق بأن يبحث الفرد بين من يعرفهم من الجنس الآخر عن شريك مناسب, ويداوم البحث إلي أن يعجب بشخص معين (هنا دور العاطفة) ثم يبدأ في التعرف عليه والتحدث معه وتتوالي اللقاءات حتي يطمئن إلي وجود عوامل مشتركة تجمعهما واتجاهات وأهداف متقاربة.. إلخ (هنا دور العقل), وإذا بالتقارب والفهم المتبادل يتزايدان, فينمو القبول والتعاطف, ومن هنا يتولد الاقتناع بقرار الارتباط (هنا دور الإدارة) وأخيرا يتم الزواج بناء علي القناعة المتولدة من تفاعل العقل والعاطفة والإدارة معا, وينبغي هنا ألا نغفل حسنا الروحي فالخبرة الروحية الإيمانية تساعد المؤمن علي استشعار صوت الله في حياته مما يمكنه من صنع قرار سليم.
* اختيار عقلاني
هناك من يفكر في الأمر بشكل عقلاني مجرد, إذ يجد الشريك مناسبا من حيث الشكل ومستوي التعليم والثقافة والمستوي الاجتماعي والأخلاقي.. إلخ غير أنه لا يشعر بعاطفة تجاهه, والزواج لديه يعتبر مشروعا يتطلب دراسة الجدوي شأنه في ذلك شأن المشروعات الاستثمارية التجارية!
ويعتبر تجاهل المشاعر أو غياب العاطفة أو السعادة الداخلية المرتبطة بالتواجد مع الآخر قد يؤدي إلي جفاف الحياة الزوجية مستقبلا.
* اختيار عاطفي
من الجانب الآخرو يمكن أن يختار شخص شريكا ينجذب إليه عاطفيا انجذابا جارفا, ويتعلق به بشكل مبالغ فيه, ويعيش حالة رومانسية يحلق فيها في سماء الخيال والوهم.
في وقت يكون فيه التناسب بين الطرفين غير موجود بينما الشخص لا يريد أن يفحص الأمر بعقله ولا يعير اهتماما لفارق السن الكبير مثلا ولا يهمه إذا كان بينهما فارق تعليمي أو ثقافي ضخم مثلا.. إلي آخر الأسباب الجوهرية الواجب توافرها في أي زواج.
إن الزواج قرار مهم في حياة الإنسان يتطلب التعقل والدراسة والفحص والوعي, كما يتطلب وجود العاطفة والاهتمام الشخصي.. والزواج الأكثر نجاحا هو الذي يبني علي تلاحم العقل والعاطفة في تناغم وتناسق.
ثم يعود الكاتب يطرح سؤالا آخر وهو:
* هل المرأة أكثر عاطفية من الرجل؟
ثم يجيب الكاتب بأن الرجل والمرأة يتقاسمان ما بينهما من الصفات الإنسانية في تكاملية رائعة, فالصفة الواحدة تجدها في كل منهما بصورة مختلفة. لذا لا يمكننا القول بأن العاطفية والحنان من صفات المرأة وحدها ولا نقول إن البحث والتفكير من صفات الرجل وحده..
إن ما يجعل عاطفة الرجل تبدو أقل حرارة منها في المرأة, هو أن أسلوب التربية -بوجه عام- ,يميل نحو السماح للبنت بالتعبير التلقائي عن انفعالاتها بالبكاء والكلمات, بينما لا يسمح للولد بذلك بنفس القدر.. ومثل تلك الأساليب التربوية تشكل صعوبة أمام الرجل في تعبيره عما يجيش بصدره من عاطفة.
إن الواقع العملي يضعنا أمام اختلافات فردية كثيرة, حتي لنجد زوجة تشكو من عاطفية ورومانسية شديدة لدي زوجها. وزوجا يشكو من جفاف عاطفي لدي زوجته. غير أن هذا الكلام يختلف من فرد إلي آخر وفقا لمدي رهافة حس الفرد, التي تتأثر بدورها باستعداداته الشخصية من ناحية وبمدي الإشباع العاطفي الذي حصل عليه في طفولته.
* توازن العقل والعاطفة
ويختتم الكاتب حديثه فيقول: إنما ينبغي أن يتدرب كل من الرجل والمرأة علي أن يصنع توازنا بين العقل والمنطق من ناحية والمشاعر الإنسانية من ناحية أخري.
هكذا نري أن الله قد منحنا شخصية متكاملة تحوي داخلها مميزات كلا من العقل والعاطفة, ولا يمكننا الاستغناء عن أي منهما ومن ثم علي الأمور ونصنع قراراتنا دون أن نتجاهل أيا منهما.