تأليف: جورج أورويل
الناشر: دار هالمارك – 1999
ترجمة وعرض: مارينا إيهاب
طالما استخدم الأدباء الرمزية في التنويه عن آرائهم التي تصطدم بالسلطة.. ولكن أن يستخدم الكاتب الحيوانات في قالب فكاهي ساخر لفضح الفساد, فهذا بالأمر العسير. ومن أشهر كتاب القرن العشرين الذين انتقدوا الحكم الاستبدادي جورج أورويل (1903 – 1950) وهو كاتب بريطاني كان يعشق الحرية ويكره سيطرة وهيمنة الإنسان علي الإنسان.
في عام 1943 عمل أورويل محررا أدبيا بصحيفة تريبيون وبدأ في كتابة روايته المشهورة عالميا مزرعة الحيوانات. جاءت الفكرة حينما شاهد ذات يوم في قرية صغيرة صبيا يضرب جواده بالسوط بعنف في طريق ضيقة يبتغي المرور بها, وعندما تأمل المشهد وجد أن الناس يستغلون الحيوانات بالطريقة نفسها التي يستغل بها الأغنياء الفقراء.
وبعد أن سافر أورويل إلي إسبانيا حيث شارك في الحرب الأهلية ضد الفاشيين وصعقه أن يكتشف الخيانات والصراعات الدامية في صفوف القوي اليسارية, حينئذ كتب رواية مزرعة الحيوانات التي أعلنت موت الأحلام والآمال الكبري التي كان المثقفون والمبدعون والمناضلون من أنحاء العالم كله – ومن بينهم جورج أورويل – قد وضعوها في تلك الثورة.
الأحلام.. السلطة.. السقوط
الرواية تفضح حكم ستالين ونمطه القمعي في السلطة, وفي نفس الوقت تلقي الضوء علي كل أنواع التسلط والأنظمة الفاشية والنازية.
تدور أحداث الرواية في إحدي مزارع إنجلترا.. فنقرأ أنه بعد نوم صاحب المزرعة, يجمع الخنزير العجوز ميجر كل الحيوانات ليخطب فيها ويقول لهم إن بؤسهم وشقاءهم وتعاستهم سببها الإنسان ولا سبيل لهم للسعادة إلا بالثورة عليه والتخلص منه.
وفي أحد الأيام ثمل صاحب المزرعة ونسي أن يطعم الحيوانات مما سبب لها حالة من الهياج والفوضي, الأمر الذي كان سببا لاشتعال ثورة الحيوانات, التي تكللت بطرد صاحب المزرعة منها.
كان أول قرار يتم اتخاذه بعد انتصار ثورة الحيوانات هو تغيير اسم المزرعة إلي مزرعة الحيوان ثم قام ثلاثة خنازير هم سنوبول ونابولين وسكويلر بتبسيط تعاليم المذهب علي هيئة سبع وصايا قصيرة وواضحة, ثم قاموا بكتابتها بخط كبير علي جدار الحظيرة.
بعد ذلك صار سنوبول ونابولين بمثابة العقلين القياديين المديرين في مزرعة الحيوان بينما صار سكويلر المتحدث الرسمي باسم الجهاز القيادي, لكن للأسف سنوبول ونابولين لا يتفقان علي شيء إطلاقا, وفي نفس الوقت سكويلر متحدث خبيث يستطيع – كما تصفه الرواية – أن يقنعك أن الأسود أبيض.
من هنا تبدأ الرواية, فنري استبداد أنظمة الحكم الشمولية.. اختلاس الثروات العامة.. الانقلابات العسكرية.. الشعارات المخدرة, والأهم من ذلك فكرة تسييس الإعلام وتحويله لأداة للسيطرة علي العقول وخداع الجماهير عن طريق تضليل الوقائع والتلاعب بالحقائق وتحريفها لتوجيه العامة من الشعب.
أحداث الرواية تبدو مفزعة في بعض الأحيان حينما يصف الكاتب تبعيات استشراء القمع والتسلط وغسل العقول, إلي أن فقد الجمهور القدرة علي التفكير والتحليل بل لم يعد قادرا علي قراءة النصوص الساذجة السطحية, ولكن في الوقت نفسه حينما استخدم الكاتب الحيوانات كتشبيه هجائي جعل قالب العمل ظريفا وكوميديا.
البقاء للأقوي
صدرت رواية مزرعة الحيوانات عام 1945 حيث كتبها جورج أورويل إبان الحرب العالمية الثانية. وقد اختارت مجلة تايم هذه الرواية كواحدة من أفضل مائة رواية إنجليزية صدرت في الفترة (1923 – 2005) وصنفها النقاد في المرتبة (32) من 100 علي مستوي روايات القرن العشرين.
بالرغم من أن هذه الرواية قائمة بحد ذاتها, إلا أننا نستطيع أن نتجاوز التشابه الكبير بين شخصيات الرواية وبعض الشخصيات الحقيقية. فالقصة ترمز إلي الثورة البلشفية والخنزير العجوز ميجر بمثابة كارل ماركس أما الخنزير نابليون يقصد به ستالين والخنزير سكويلر يمثل قطاع الإعلام الذي استخدمه ستالين لتضليل قطاع الجماهير وحتي مالك مزرعة الحيوان الأصلي يشبه القيصر الروسي نيكولاس الثاني. والرواية بها شخصيات تمثل الطبقة الكادحة والمتوسطة والمثقفة في الاتحاد السوفييتي آنذاك.. حتي وإن لم ينتبه القارئ للإسقاطات السياسية فالرواية قصيرة وممتعة ومؤثرة جدا.
السر الكامن وراء احتفاظ ذلك العمل الأدبي الرائع بأهميته حتي يومنا هذا, هو حقيقة تعبيره علي نحو صادق وأمين بل ومؤلم أيضا عن الطريقة التي يتصرف بها الحاكم المستبد أينما وطأت قدماه.. مزرعة الحيوانات دعوة للقارئ لأن يعيد قراءة الأدب والتاريخ علي ألا ينسي شعار السلطة الذي رفع الكاتب النقاب عنه الجميع متساوون.. إلا أن هناك ما هو أكثر مساواة من غيره.