هل كانت مصادفة أن تحمل طائرتي المتجهة إلي العاصمة الأمريكية واشنطن نفس أرقام غرفتي في المستشفي!!فقد شهدت الغرفة811منذ سنوات ليست ببعيدة رحلتي مع السرطان والعلاج الكيميائي..والعجيب أن نفس الغرفة كانت تنتظرني في كل مرة أدخل فيها المستشفي لتحمل بين جدرانها آلامي وآمالي في رحلتي من أجل الشفاء.
بهذه العبارات بدأت الزميلة هويدا حافظ الصحفية بمؤسسة أخبار اليومأولي فقرات كتابهاالرحلة ..811 رحلتي مع السرطان.وهذا الكتاب, كما وصفه عمر كلاب الصحفي بجريدة الدستور الأردنية في مقدمته هو نقل مباراة رياضية بتعليق فخيم.. نعم إنها مباراة بين مرض السرطان الذي داهم جسد هويدا-كاتبة قصص الأطفال -وأسلحة المقاومة التي استعارتها من أساطير الطفولة.
ورغم صغر حجم الكتاب-الصادر عن دار دون للنشر والذي شارك بمعرض القاهرة الدولي للكتاب هذا العام-إلا أنك تشعر بالفعل أنك في رحلة طويلة تستقر بك في نهايتها إلي بث الأمل وروح التفاؤل فتحكي هويدا عن المصادفة العجيبة التي جعلت من رقم811دلالة كبري,فهو رقم الرحلة التي سافرت من خلالها إلي الولايات المتحدة لتشارك مع آلاف النساء من مختلف أنحاء العالم سباقا للجري من أجل الشفاء ضمن برنامج وضعته مؤسسة سوزان جي كومن الأمريكية وهي أكبر مؤسسة خيرية لمكافحة سرطان الثدي في العالم لجمع التبرعات لرفع الوعي بهذا المرض وتمويل الأبحاث التي تخدم مكافحة السرطان في جميع أنحاء العالم.
811 هو أيضا رقم الغرفة التي كانت تتلقي فيها هويدا العلاج من السرطان والعلاج الكيميائي داخل المستشفي,ومن خلال هذا الرقم العجيب بدأت الكاتبة الصحفية في سرد قصتها مع هذا المرض وكيف كان السرطان نقطة تحول في حياتها التي بدأتها كطفلة مدلله تملأ الدنيا ضحكا وصخبا للمستقبل وأحلاما
نزهة ترفيهية
ربما تكون الوراثة أحد مسببات السرطان لدي هويدا فقد توفيت الوالدة به ولكن عندما ماتت الأم-حب عمرها-كما وصفتها الكاتبة عقدت اتفاقا مع شقيقتها هالة ألا يخضعا لأي علاج إذا أصيبا بالسرطان مادامت تلك هي النهاية القاسية بعد كل هذا العناء.
وتستمر الحياة بعد وفاة الأم لتعمل هويدا في بلاط صاحبة الجلالة بمجلةحواءثم العمل في مجلةبلبلبأخبار اليوم وتتقدم في عملها وتكتب في العديد من الجرائد والمجلات عن المرأة والطفل وتروي الكاتبة في عجالة سريعة وبساطة شديدة قصة حياتها وكأنك تعيش معها فهي تصف المواقف بدقة ولكن دون ملل.
بعد وفاة الوالد تكتشف المرض اللعين وتقولذلك الخبيث عاد إلي حياتي من جديد واستقر في غفلة مني في جسدي مثل أمي الحبيبة..فربما من شدة حبي لها سأواجه نفس المصير.
الجميل في القصة كلها أنه رغم صعوبة الموقف وألمه إلا أن الكتاب يأخذك خطوة بخطوة مع هويدا والسرطان ولكن لن تشعر بالضيق إنما بالتفاؤل ,فتحت عنوانسبحان مغير الأحوالتستطرد هويدا قصتها وكيف تغير حالها وهي في طريقها للمستشفي لعمل جراحة لاستئصال الورم وهي تضحك حتي في غرفة العمليات وتصف كيف كان أخواتها وأصدقاؤها وأحباؤها من أبنائها وأبناء أخواتها يحيطون بها من كل جانب جميعهم جعلوا من مرضها رحلة أو نزهة ترفيهية فتقول مثلا في إحدي فقرات الكتاب:في كل مرة كنت أذهب إليها في الغرفة 811 أعتبر نفسي في رحلة ترفيهية وفرصة لمقابلة صديقاتي.. آخذ معي لب وشيبسي وشوكولاتة لأمنع نفسي من القيء الذي كان يسببه الكيماوي وكنت أحرص علي أن أخذإيشارباتمكوية بلون البيجاما مما يثير عجب شقيقتي هالة صاحبتي مني وعبير ونتبادل التعليقات الضاحكة وكأنني ذاهبة لحفلة.
والأكثر من هذا تقول هويدا عن تساقط شعرها بعد جلسات الكيماوي: شعرت أن شعري كان ملتصقا بصمغ في رأسي وسقط في الغسيل وكلمتني عبير ومني وقلت لهما أنني أمثل دور كمال الشناوي في أروع أدواره في فيلمالمرأة المجهولةبعد خروجه من السجن..وكان في هذا الفيلم أصلع لا يملك سوي عدة شعيرات فقط,وكان إسلام إبنها يداعبها قائلا:إيه ده؟!حسام حسن عندنا؟وكنا نضحك حتي تنزل دموعنا.
منحة في محنة
منحة في محنة.. هكذا رأت هويدا تجربتها فقد تغيرت شخصيتها وأعادت اكتشاف نفسها والأخرين ممن حولها وتقول: بعد عودتي من الحج أختتمت آلامي وانطلقت كالعصفور إلي فضاء الدنيا.. بدأت كتابة قصص للأطفال عن حقوق الإنسان وصل عددها إلي عشرين قصة كتبتها في عام واحد تقريبا وكانت هذه القصص رسائل أخلاق وقيم ومثل عليا نقلتها إلي أبناء مصر كلها بعد أن طبعت من كل قصة ثلاثين ألف نسخة عربي وإنجليزي وزعت في محافظات مصر المختلفة ضمن مشروع ضخم يهدف لتبسيط مفاهيم حقوق الإنسان للأطفال.
حصدت هويدا الكثير من الجوائز منها جائزة التميز التشجيعية في التأليف من معهد الأهرام الإقليمي للصحافة ومشروع دعم القدرات في مجال حقوق الإنسان بدعم من البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة كما تم اختيارها من ضمن عشرة صحفيين من أنحاء العالم لحضور مؤتمر السرطان الدولي بجنيف لعرض تجربتها كما أنها أشرفت علي عدة مشروعات تخرج في كلية الإعلام وأكاديمية أخبار اليوم ورأست تحرير عدة مجلات في مشروعأطفال في خطركما أنها شاركت مهرجان القراءة للجميع مع الهيئة العامة للاستعلامات بقصتين همامعروف وشجرة الحروفوحقك علينا
جلدي..جسدي..روحي
لقد أخذوا قطعة من جلدي..لقد أخذوا قطعة من جسدي.. ولكنهم أبدا لن يأخذوا قطعة من روحي.. إنه شعار السباق الذي نظمته مؤسسةجي كومنالأمريكية في واشنطن واشتركت هويدا مع خمسين ألف متسابقة جئن من بلاد مختلفة وكل واحدة منهن بطلة لقصة تحد مع السرطان الذي قهرنه بالأمل والعمل وجميعهن أخذن من السرطان نقطة تحول في حياتهن .
وتطوي هويدا آخر صفحات كتابها الزاخر بعبارة:وتستمر الرحلة..لا تيأس ولاتخف واملأ الدنيا مرحا وعملا وأملا.