يشكل العام المقبل 2011 أحد الأعوام القلقة بالنسبة لمستقبل الشرق الأوسط,من لبنان إلي مصر ومن العراق إلي إيران ومن اليمن إلي السودان.
في لبنان سوف تصدر المحكمة الدولية لبحث جريمة قتل رفيق الحريري ورفاقه لائحة اتهاماتها خلال أسابيع , وهناك من الدلائل والمؤشرات والتسريبات الجادة ما يقول بأن اتهاما وشيكا لسورية وحليفها حزب الله بأنهما وراء الجريمة سيصدر عن المحكمة, وقد استبق حزب الله قرار الاتهام المتوقع وكثف إرهابه لشركاء الوطن اللبنانيين من الطوائف الأخري بورقة التعاون مع العدو والتجسس لصالح الموساد الإسرائيلي, وكأن كل هؤلاء الجواسيس انفجروا فجأة مثل ماسورة المياه في لبنان, وخرج السيد حسن نصر الله بعد كل هذه السنوات ليدلي بدلوه من خلال اتهام إسرائيل باغتيال رفيق الحريري عبر ساعتين ونصف من الخطابة الفارغة من المضمون والاتهامات المرسلة ينطبق عليها المثل المصري ## كرسي في الكلوب##. كل المؤشرات تقول بسيطرة حزب الله علي الوضع اللبناني بما في ذلك الجيش اللبناني ذاته , حتي اصبحنا نسمع عن قائد مليشيا يفتخر بأنه اقوي من الجيش وبأن مليشياته مستعدة لحماية الجيش ## المقاومة ستقطع يد كل من يقترب من الجيش اللبناني##!!!. الشارع اللبناني خائف من نصر الله ومن ردود افعاله عند صدور لائحة اتهام ضد أعضاء بالحزب, وخرج أتباع حزب الله من الآن ليقولوا علي سعد الحريري أن يعفو عن قتله ابيه درءا للفتنة,والرسالة واضحة نحن نقتل ونهدد بمزيد من الخراب في نفس الوقت, وهم يعلمون أن هذا الموضوع ليس في يد سعد الحريري, فالمحكمة الدولية مستقلة تماما وهي وحدها سيدة قرارها. فإنشاء المحكمة يحتاج إلي قرار سياسي دولي, ولكن بمجرد تكوينها تصبح مستقلة تماما عن أي تأثير سياسي حتي تصدر حكمها النهائي وتسلمه إلي الأمم المتحدة, وقتها نعود مرة اخري إلي ملعب السياسة ولكن بعد أن يكون العالم قد عرف الحقيقة.. وهذا هو الأهم في موضوع الاغتيالات اللبنانية… معرفة الحقيقة.
في العراق حذر طارق عزيز ,السياسي العراقي المخضرم من سجنه في لقائه مع صحيفة الجارديان البريطانية ,من أن خروج القوات الأمريكية في عام 2011 سينتج عنه فوضي كبيرة في العراق وربما حروب اهلية ستحصد الاخضر واليابس في طريقها, ويعكس تعثر تشكيل الحكومة العراقية بعد كل هذه الشهور من الانتخابات الأخيرة مشكلة الرغبة في الاستحواذ علي السلطة وكذا الوضع الطائفي المؤسف, والتكتلات الطائفية الدينية البعيدة عن روح الدولة المدنية الحديثة, كما يعكس حجم التدخلات من دول الجوار حتي أن إيران وضعت فيتو علي تولي علاوي لرئاسة الوزراء في حين أن السعودية تدعمه بقوة… كل هذه التناقضات في الوضع العراقي ستنفجر بمجرد خروج القوات الأمريكية.
في السودان جاء في استطلاع للرأي قام به أحد المعاهد الأمريكية بأن الأغلبية الكاسحة في الجنوب ستصوت للانفصال عن السودان في استفتاء العام القادم,في نفس الوقت كل المؤشرات تقول أن البشير لن يترك الجنوب ينفصل, وإن لم يشعل الحرب بسبب الاستفتاء سيشعلها بسبب الصراع علي الاستحواذ علي مناطق النفط المتنازع عليها بين الشمال والجنوب خاصة منطقة إبيي الغنية بالنفط, فالبشير له سجل حافل في تفجير الصراعات.
في إيران تتسارع شدة العقوبات مع ابقاء خيار الحرب من قبل الدول الغربية مفتوحا, واختفت الجزرة وبقت العصا يلوح بها في وجه النظام الإيراني إن لم يخضع لإرادة المجتمع الدولي فيما يتعلق بملفه النووي.وإذا وصل البرنامج النووي الإيراني إلي نقطة اللاعودة وتدخلت إسرائيل أو الولايات المتحدة عسكريا فسوف تتحول المنطقة إلي كرة لهب بين إيران وحلفاءها في المنطقة وبين الدول الغربية.
كل طرف في الأزمة الإيرانية يتمترس حول موقفه,إيران تري النووي تعبيرا عن الكرامة الوطنية , ولتنفيس غليان الشارع ضد القوي الخارجية, كما تراه أحد الأوراق الرئيسية في سياسات الهيمنة علي المنطقة, الغرب يري أن امتلاك إيران للسلاح النووي يهدد السلم العالمي ويشعل سباق التسلح النووي في هذه المنطقة, وإسرائيل تصنفه علي أنه التهدد الأول لأمنها القومي.
في تقديري أن أخطر الملفات تنطلق من مصر, حيث انها تتمتع بالاستقرار السياسي القائم علي حكم الفرد منذ أربعة عقود, وعلاقاتها بالدول الغربية جيدة في مجملها, وتلقت مئات المليارات من الغرب في شكل معونات وقروض خلال هذه العقود الاربعة, وتقيم سلاما مستقرا مع إسرائيل منذ عام …1979 كل هذه الأمور تجعل الغرب قلق جدا علي مستقبل الحكم في مصر, ومما يزيد القلق هو حالة الغموض غير البناء حول مستقبل الحكم, حتي بات مجرد معرفة مرشح الرئاسة في العام القادم لغزا يصعب تفسيره, وقد سئل الرئيس مبارك في رحتله الأخيرة لإيطاليا عن الرئيس القادم وكانت الأجابة ## الله وحده يعلم##, وهي إجابة قدرية بعيدة عن مفردات السياسة وعلم السياسة ولم ينطق بها من قبل, كما أن التصريحات المتناقضة التي خرجت من قيادات في الحزب الوطني الحاكم تشير إلي أن الحزب لم يستقر علي مرشحه للانتخابات القادمة.
كل هذا يشير إلي أن الشرق الوسط ينتظر مخاضا صعبا جدا, والعالم يخشي أن يكون المولود فوضي وحروبا أهلية وصراعات اقليمية تزيد من آلام سكان هذه المنطقة المضطربة.