أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية منذ أسابيع تقريرها السنوي التاسع حول الإتجار بالبشر عن دول العالم, وأوضح التقرير أن مصر أصبحت من الدول التي تعاني من الإتجار بالأفراد, سواء باعتبارها دولة مقصد أو معبر, بالإضافة إلي أنها دولة مصدرة في بعض الأحيان, كما طرح التقرير قضية أطفال الشوارع أو الاستغلال الجنسي.
حول هذا التقرير ومواجهة ظاهرة الإتجار في الأفراد كان لنا لقاء مع د. نهال فهمي الخبيرة الإقليمية في مكافحة الإتجار بالبشر والمسئولة سابقا عن ملف الإتجار عن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالأمم المتحدة, وطرحنا عليها التساؤلات التالية..
* إلي أي مدي يتصف تقرير الخارجية الأمريكية بصحة معلوماته؟
** يغطي تقرير الخارجية الأمريكية كافة دول العالم وليس مصر علي وجه الخصوص فيما عدا أمريكا, حيث لها تقريرها الخاص بها, فقضية الإتجار بالبشر تعاني منها دول العالم, وتتدخل فيها عناصر دولية مثلها مثل باقي الجرائم الأخري, ولكن ينقص هذا التقرير الإحصائات والبيانات.
وهذا التقرير هو التاسع ويستمر في إدارة أوباما باعتبار أن قضية الإتجار بالبشر من أحد القضايا التي تهتم بها أمريكا بشكل خاص, لذلك تسعي علي مكافحتها سواء بإصدار التقارير الدولية, أو بتقديم المساعدات للدول والتي تخصص ميزانيتها من هيئة المعونة الأمريكية.
وبدأ الاهتمام بقضية الإتجار بالبشر منذ وقت قريب, فبدأت الأمم المتحدة في إصدار تقاريرها حول هذه القضية منذ عام 2000, وكان يقتصر التقرير علي عرض صورة تقديرية عن أحوال الدول بشكل عام بخصوص هذه الجرائم يخلو من الدقة والتفاصيل!.
ولكن بدأت الأمم المتحدة تنتبه إلي خطورة هذه القضية, فقامت هذا العام بإصدار تقريرها في فبراير الماضي, والذي شمل كافة دول العالم بذكر الإحصائات والأرقام عن كل دولة, استغرق صدور هذا التقرير أكثر من عام, ويحتوي 600 صفحة لدقة المعلومات والحقائق الذي لجأ إليها التقرير.
وكنت مكلفة بحكم منصبي في الأمم المتحدة بتغطية إقليم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من حيث جمع المعلومات والبيانات وتحليلها عن قضية الإتجار بكافة أشكاله ومظاهره, وذلك بالاتصال بمعلومات الدول وبالجهات المعنية للحصول علي حقيقة المعلومات والبيانات.
* هل يوجد تشريع مدني أو جنائي يجرم قضية الإتجار بالبشر؟
** تجميع البيانات عن قضية الإتجار بالبشر ليس بالأمر السهل, فعدم وجود تشريعات واضحة تعاقب علي هذه الجرائم قد يؤدي إلي زيادتها, كما أنها تتخذ مسميات مختلفة, فالاستغلال الجنسي أو الزواج القصري لا يعتبرا من الجرائم التي يعاقب عليها القانون, الأمر الذي جعل من الصعوبة أن توضع بيانات وإحصائات صحيحة تمثل الواقع, ومن هذا المنطلق بدأت الدول تتحرك وتهتم وتصدر قوانين تجرم هذه الأفعال حتي تحد منها, من بين الدول والتي بدأت مؤخرا بإعداد دراسة دقيقة لمكافحة الإتجار من قبل وزارة الخارجية بجانب المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية, والذي يقوم من جانبه بعمل الأبحاث والدراسات لتحديد وتقديرحجم المشكلة وأيضا ووضع التصورات وكيفية المعالجة.
* هل هناك مليون طفل بمصر يتعرضون بالفعل لعمليات الإتجار؟
** قد يكون إجمالي عدد أطفال الشوارع بمصر يصل إلي مليون طفل, ولكن الذي أخطأ فيه التقرير أنه ليس كل العدد يتعرضون لعمليات التسول الإجباري أو الاستغلال الجنسي, وبالتالي فاستخدام ضد الرقم من قبل وزارة الخارجية الأمريكية منذ أربع سنوات لم يتغير.
ويعتبر من الصعب تحديد عدد هؤلاء الأطفال الذين يتعرضون للمخاطر, ولكن كلما زاد عدد الأطفال الشوارع كلما أصبح هنا ازديادا لمخاطر الإتجار خاصة أنه ظهر في الآونة الأخيرة شكلا آخر من الإتجار وهو سرقة أعضاء الأطفال والتي لم يذكرها التقرير.
لذلك فهناك ضرورة ملحة لإصدار قانون يحمي هؤلاء الأطفال, ونحن ننتظر عرض المسودة التي أعدتها وزارة الخارجية للعرض علي مجلس الشعب في دورته البرلمانية المقبلة, خاصة أن هناك العديد من الدول العربية أصدرت قوانين تكافح الإتجار كالإمارات والبحرين وغيرهما من الدول وجار العمل في دول أخري للحد من هذه الظاهرة التي تهدد أمن وسلامة البلاد.
* ذكر التقرير أن مصر بلد مقصد ومعبر ومصدر للإتجار في البشر.. ماذا يعني ذلك؟
** الإتجار يتم سواء داخل حدود الوطن أو عبر الحدود, فقدوم حالات من الإتجار إلي مصر, يعني في هذه الحالة أن مصر بلد مقصد, كاللاجئين السودانيين ونساء شرق أوربا, والتي تستمر إقامتهم في مصر وخاصة في الأماكن السياحية, فتتكون عصابات داخلهم وتبدأ في ممارسة أعمال العنف والإجرام والإتجار بكافة أشكاله, ومن الصعوبة أن تستطيع أن نصل إلي هذه العصابات.
لذلك من الضروري فرض رقابة علي الحدود وتكثيف حملات التفتيش علي الأماكن التي يشتبه فيها خاصة أنها محصورة في أماكن معينة, وتوعية المواطنين بمخاطر الزواج القصري التي تتعرضن وتعانين منه الفتيات المصريات خارج الوطن.
فالأمر يحتاج إلي تعاون وتضافر كافة الجهات المعنية والمختصة, واتخاذ خطوات جادة وحازمة للحد من تفشي هذه الظاهرة, والتي تجعل من الإنسان مجرد سلعة وتسلبه كرامته وإرادته لمجرد التربح الذي يبيح ممارسة كافة أشكال التعذيب والعنف علي الضحية, وإجبارها علي القيام بأفعال تنتهك حقوق البشر.