الموسم الراكد شارف نهايته, والفترة المطولة التي أنفقت خلالها مليارات الدولارات علي نوبة الجنون المتزايد السابق لانتخابات الرئاسة في الولايات المتحدة. وكل ما قيل أو أنجز خلال هذا الموسم هو عادل, في حال اعتبر
الموسم الراكد شارف نهايته, والفترة المطولة التي أنفقت خلالها مليارات الدولارات علي نوبة الجنون المتزايد السابق لانتخابات الرئاسة في الولايات المتحدة. وكل ما قيل أو أنجز خلال هذا الموسم هو عادل, في حال اعتبر قانونيا. واللعبة تنتهي بفائز واحد, في حين سيتقاسم حزبان حصصا غير متساوية من النفوذ في أرجاء البلاد.
ومن المؤكد أن الولايات المتحدة وانتخاباتها تحظي بأهمية, وما تجهله دول أخري عن النظام الأمريكي, بما يشمل الانتخابات, سيكلفها غاليا. ويتزايد إدراك الناس لدور الدول الأجنبية والمؤسسات, ولتأثير نتائج الانتخابات في حياتهم ومصالحهم ورفاههم. وتبقي السياسة الخارجية إلي حد كبير من مسئوليات الشعبة التنفيذية, بقيادة رئيس البلاد, في حين يمارس مجلس الشيوخ سيطرته علي الموازنة. أما المحكمة العليا بنفوذها الشامل, فتصدر قرارات شديدة التأثير في نتائج الانتخابات الوشيكة الحدوث, مثلما حصل بالنسبة إلي قرارها في شأن المنافسة بين بوش وجور في عام .2000 وكذلك, في كانون الثاني (يناير 2010), اتخذت المحكمة العليا قرارا يحدث تغييرات جذرية, ويفيد بأن التعديل الأول في شأن حرية التعبير يمنح المؤسسات والاتحادات السلطة لإنفاق مبالغ من خزانتها بالمقدار الذي يهمها للتأثير في انتخاب المرشحين الخاضع لبعض الشروط. وقد لفت هذا القرار البارز انتباه الأمريكيين والأجانب اليقظين, الذين يراقبون واشنطن من أجل الاستفادة بالكامل من قراراتها. وبإمكان المؤسسات والمنظمات, نظريا وفعليا, شراء النفوذ قانونيا في الولايات المتحدة. وحري بالذين يشجبون السياسات المصنوعة في الولايات المتحدة ويعربون عن أسفهم حيالها أن يفهموا نظامها.
يذكر أن تمويل الحملات وممارسة الضغط أمران قانونيان, علما أن عدم الانصياع للقانون, في حال انكشافه, مكلف جدا, في حين أن إتقان تفاصيله ومعرفة الأشخاص الذين يصوغونه, ويصونونه وينفذونه, بمثابة استثمار جيد للوقت والمال.
سمحت الأزمة الاقتصادية والمالية في السنوات القليلة الماضية بمنح واشنطن نفوذا أكبر في الشئون المالية والاقتصادية, مع العلم أن وول ستريت, وإن لم تخضع بالكامل, اضطرت إلي الإذعان لرقابة واشنطن.
والمعلوم أن النظام الأمريكي, المصمم ليمارس الضغط عليه, يحفل بأعضاء من مجموعات ضغط, سيمارسون نفوذا كبيرا لوقت طويل, ويواصلون تكاثرهم ما داموا يحققون نتائج لعملائهم الأجانب والمحليين.
وغالبا ما يسمع المرء السؤال ذاته عن سبب ضعف نفوذ العرب, أو العرب الأمريكيين, في الولايات المتحدة. وهو سؤال صائب, ولكن, أي نفوذ يريده العرب, أو يحتاجون إليه؟
كانت للعرب في الماضي قضية هي فلسطين, ولا يزال الناس يتحدثون عنها باستمرار, وهي توحدهم ظاهريا, إلا أن الآراء تختلف حول مدي جدية دفاع العرب عن هذه القضية خلال العقدين المنصرمين. والواقع أن الدول العربية لديها قضايا واهتمامات كثيرة تحددها وتتابعها بصورة مستقلة. ومن الضروري الاعتراف بذلك والتطرق إليه صراحة في تقويمنا لتأثير العرب في الولايات المتحدة, مع الإشارة إلي ضرورة أن يتنافس الفلسطينيون, شأنهم شأن كل الآخرين, لممارسة تأثير سياسي.
ويستند النظام الأمريكي عموما إلي حكم الجدارة, فكلما كان المرء قادرا ومؤهلا للمنافسة, زادت فرص نجاحه. واللعبة السياسية الأمريكية بمثابة رياضة جماعية تنافسية أبوابها مشرعة للجميع. أما الأمثلة علي العائدات الكبيرة للاستثمار في فريق فعال وبنائه, فمتجلية أمام عيون الجميع.
من ناحية أخري, للدول العربية وغيرها مصالح جدية في نتيجة القرارات المصنوعة في الولايات المتحدة. ويدرك البعض أكثر من غيرهم تعقيدات النظام السياسي الأمريكي وأبعاده الخفية. ولا يمكن الاكتفاء بإيكال هذا التأثير لمجموعات الضغط, فهناك عامل عنصري موجه ضد العرب والمسلمين, أقله من خلال أخذ أموالهم الميسرة من دون منحهم خدمة عادلة, غير أن ذلك يعتبر تحديا من الضروري مواجهته عبر الالتزام الجدي في أوساط الدول عينها وفرق العمل فيها.
وتقوم الطريق الوحيدة الفعالة لنجاح دولة, أو تحرك, أو قائد, في ممارسة تأثير في الولايات المتحدة علي عقد شراكة استراتيجية معها ونقل ذلك إلي الشعب الأمريكي, وإلا, فسيكون العكس صحيحا.
وتوفر الانتخابات فرصة لإرساء سياسات واستراتيجيات جديدة. والمرشحون أصحاب حاجة, علما أن صاحب المنصب الحالي هو أيضا شخص يسهل الاقتراب منه, لأنه يريد تصويب المسار الذي سلكه وترسيخ تركته الخاصة. وسيبحث عن أشخاص قادرين علي مساعدته لتحقيق أهدافه. أما منافسه, فيود النأي بنفسه عن فشل سياسة سلفه. وفي حال تم انتخابه, فسيتطلع إلي حلفاء وشركاء جديرين بالثقة يشاركونه وجهة نظره وغاياته. وتوفر الفترة الانتقالية التي تعقب الانتخابات فرصة لمتابعة مصالح مشتركة وإظهار تقارب في الآراء. ولهاتين الصفتين أهمية كبري بالنسبة إلي من سيشغل البيت الأبيض.
لا شك في أن الخيار متاح بالبقاء خارج الولايات المتحدة وبعيدا من لعبتها السياسية, واستبعادها باعتبارها قوة منهكة, والنظر إلي انتخاباتها علي أنها أحجية, والتطلع إلي آفاق أخري لتحديد المستقبل. والأمر مشروع, ولكن, أي دولة أخري توشك علي حصد مزيج من الإنجازات الاقتصادية, والعسكرية, والتكنولوجية, والثقافية المرافقة للنفوذ المرن للولايات المتحدة؟ إلي ذلك الحين, ربما كان من الحذر الاستثمار في التأثير في صنع القرارات داخل الولايات المتحدة.
* رئيس ومؤسس فريق العمل الأمريكي من أجل فلسطين, وهو منظمة غير ربحية ولا حزبية.
نقلا عن جريدة الحياة اللندنية