##من أجل تعزيز نزاهة العملية الديموقراطية والحفاظ علي المصالح القومية الأمريكية في مصر, ينبغي علي واشنطن أن توضح كيف يمكن أن تؤثر نتيجة جولة الإعادة في الانتخابات الرئاسية المصرية علي العلاقات بين الولايات المتحدة ومصر.##
##من أجل تعزيز نزاهة العملية الديموقراطية والحفاظ علي المصالح القومية الأمريكية في مصر, ينبغي علي واشنطن أن توضح كيف يمكن أن تؤثر نتيجة جولة الإعادة في الانتخابات الرئاسية المصرية علي العلاقات بين الولايات المتحدة ومصر.##
تمثل الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية في مصر خيارا بالغ الصعوبة بالنسبة لإدارة أوباما: فإما أن تلتزم الصمت وتعرب عن عدم اكتراث الولايات المتحدة بمن سيقود حليفها العربي الأكثر أهمية, أو تعلن عن تفضيلاتها مع تحمل مخاطر اتهامها بالتدخل في التجربة الديموقراطية في مصر. ويكمن الحل في بيان المصالح الأمريكية بشكل واضح – أي عدم دعم أي مرشح بعينه لكن مع العمل في الوقت نفسه علي تذكير المصريين بنوع البرامج السياسية التي يمكن للولايات المتحدة أن تدعمها أو لا تدعمها من خلال مساعداتها المالية التي لا تزال ضخمة.
الطابع الغربي للسياسات المصرية
ينبغي علي الأجانب الذين يتحسرون علي نتائج الجولة الأولي من الانتخابات أن ينظروا بالأحري إلي السياسات الداخلية الفرنسية أو الأمريكية للحصول علي تفسير لما يحدث. ففي الواقع, عكست الجولة الأولي من الانتخابات الرئاسية المصرية المرحلة الأولية من الانتخابات الرئاسية الفرنسية أو الانتخابات التمهيدية للأحزاب الأمريكية – حيث عملت علي تضخيم المتناقضات. فمع إدراج ثلاثة عشر إسما علي لائحة الاقتراع, لم يحصل أي طرف علي أكثر من 25% من الأصوات, فيما حصل خمسة مرشحين علي أكثر من 10% منها. ومن بين هؤلاء الخمسة, حصل المرشحون الثلاثة الأكثر تطرفا علي أعلي الأصوات وهم: محمد مرسي, الإسلامي الأكثر تطرفا; وأحمد شفيق, المرشح الأكثر معاداة للإسلاميين; وحمدين صباحي, الرجل الشعبي/العلماني الأكثر تطرفا. والاثنان اللذان حصلا علي أقل الأصوات من بين هؤلاء الخمسة اتسمت آراؤهم بمغازلتها لأطياف متقاطعة, ومن ثم ضعفت جاذبيتهما وهما: عبد المنعم أبو الفتوح المنشق عن جماعة الإخوان المسلمين الذي غير اتجاهه في البداية باتجاه الوسط ثم باتجاه السلفيين, وعمرو موسي, القومي الذي أظهر موقفا ليبراليا معتدلا, وحذرا إلي حد ما, تجاه الإسلاميين. أما المرشحون الذين خاطبوا قاعدتهم فقد أبلوا بلاء حسنا في الجولة الأولي; بينما كان الفشل حليف المرشحين الذين حاولوا جذب أكبر طيف ممكن.
والآن وبعد انتهاء ##الانتخابات التمهيدية##, يبدو أن المرشحين اللذين وصلا إلي الجولة النهائية – مرسي, المرشح الرئيسي لجماعة الإخوان, وشفيق, مرشح النظام القديم الذي يمثل القانون والانضباط – يطبقان نموذج حملة الانتخابات العامة في منافستهما في الجولة الثانية. فبعد ساعات فقط من اعتماد اللجنة العليا للانتخابات لجولة الإعادة المقرر إجراؤها في 16 يونيو, بدأ الرجلان التحول من المواقف المتطرفة إلي المواقف المعتدلة, حيث خففا من حدة الطابع المظهري لحملاتهما, بتواصلهما مع خصوم سابقين وعرضهما العمل في تحالف مع أناس من سياسات وأيديولوجيات وأديان وأجناس مختلفة. وحيث بقي ثلاثة أسابيع فقط علي موعد الاقتراع النهائي, من غير الواضح ما إذا كان أي من ذلك سوف يجذب الناخبين المصريين.
ومن بين الإثنين, لا شك أن مرسي يدخل تلك الجولة بميزة واضحة. فقد أبلي بلاء حسنا في الجولة الأولي أفضل مما توقعته معظم استطلاعات الرأي, ويرجع ذلك بالدرجة الأولي إلي القوة التنظيمية لجماعة الإخوان. كما أن قاعدة أنصاره المحتملين هائلة جدا – فهي تشمل ناخبين حققوا فوزا كاسحا للأحزاب الإسلامية في الانتخابات البرلمانية الأخيرة, بالإضافة إلي بعض الثوريين غير الإسلاميين علي الأقل, وغيرهم من المعارضين بشدة لشفيق باعتباره امتداد لعصر مبارك. وقد تجاوز قادة الأحزاب السلفية الاختلافات العقائدية وأعلنوا عن دعمهم لمرسي باعتباره حامل لواء الإسلاميين, بينما أعرب عدد كبير من رموز ##ميدان التحرير## (من بينهم علي سبيل المثال المدير التنفيذي لقسم التسويق في جوجل وائل غنيم) عن دعمهم لمرسي باعتباره الشخص الذي يمكنه حمل راية الثورة. ووفقا لذلك من المرجح فوز زعيم الإخوان العقائدي والمتعصب.
وعلي النقيض من ذلك, يواجه شفيق معركة شاقة لجذب دعم إضافي يتجاوز شريحة كبيرة من الناخبين الذين صوتوا لموسي. وحتي إذا وقف جميع أنصار موسي إلي جانبه, فإن ما سيحصل عليه شفيق من أصوات يمكن أن أن يكون أقل بشكل كبير عن نسبة الـ50% المطلوبة. وهناك ثلاثة مصادر محتملة فقط يمكن أن يكسب من خلالها قائد القوات الجوية السابق ورئيس الوزراء الأخير في عهد حسني مبارك أصواتا إضافية: الـ 39% من الناخبين الذين دعموا إما أبو الفتوح أو صباحي في الجولة الأولي; والـ 54% من جميع الناخبين المسجلين الذين لم يشاركوا في الجولة الأولي علي الإطلاق; والعدد غير المعروف من الأصوات المزورة التي يمكن أن يرتبها له ##المجلس الأعلي للقوات المسلحة##. وبالنظر إلي حجم الأصوات التي يحتاج إليها شفيق لهزم مرسي الذي يحظي بدعم السلفيين و##ميدان التحرير##, فحتي جميع هذه المصادر الثلاثة من الأصوات المحتملة من غير المرجح أن تضمن له الفوز. وكما يبدو أن ذلك غير مرجح, إلا أنه غير مستحيل أيضا.
تحديد موقف الولايات المتحدة
قصرت إدارة أوباما نفسها حتي الآن علي إصدار بيان رسمي مقتضب من قبل وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون بعد انتهاء الجولة الأولي من الانتخابات:
##اختتم المصريون اليوم عمليات التصويت التاريخية في الجولة الأولي من انتخاباتهم الرئاسية التي دامت يومين. إن ذلك يمثل معلما هاما آخر في طريق تحولهم نحو الديمقراطية. إننا نتطلع إلي العمل مع الحكومة المصرية المنتخبة ديموقراطيا. وسوف نواصل الوقوف إلي جانب الشعب المصري أثناء عمله لتحقيق الوعد الذي جلبته انتفاضة العام الماضي وبناء ديموقراطية تعكس قيمه وتقاليده وتحترم حقوق الإنسان العالمية وتلبي طموحاته من أجل الكرامة والحياة الأفضل.##
وقد اشتمل هذا التصريح علي عبارتين ملحوظتين – ##انتفاضة العام الماضي## (بدلا من مصطلح ##الثورة##, الذي يفضله المصريون بشكل عام) و##حقوق الإنسان العالمية##, وهو أقرب ما يمكن أن تصل إليه الإدارة الأمريكية عند وضع المعايير بشأن قضايا جوهرية مثل حماية حقوق الأقليات والمساواة بين الجنسين وحرية التعبير والتجمع والدين.
وإذا كانت تلك هي الإشارة الوحيدة التي يمكن أن تقدمها الإدارة الأمريكية فيما يتعلق بتفضيلاتها في التصويت الرئاسي, فهي تتسم بالكثير من السيولة. وبالنظر إلي الاستثمار الهائل للولايات المتحدة في مصر – خلال تحولها السلمي إلي حكومة شعبية منتخبة, وبناء قدرتها الاقتصادية القابلة للنمو, والحفاظ علي التزاماتها الدولية, ونموذجها في التصرف البناء علي المستويين الإقليمي والدولي – والمساعدات العسكرية والاقتصادية الأمريكية الهائلة التي تتلقاها القاهرة سنويا, ينبغي علي واشنطن ألا تلتزم الصمت حيال التأثير المحتمل الذي يمكن أن تحمله نتيجة انتخابية محددة علي المصالح الأمريكية الجوهرية. وربما كان الصمت خيارا إذا كان فقط سيؤدي إلي حصول كل المرشحين علي النتيجة ذاتها فيما يتعلق بهذه المصالح.
ويقينا أن أيا من النتيجتين ستسبب درجة من الأزمة. فانتصار مرسي يتيح لـ جماعة الإخوان وحلفائها احتكار المؤسسات السياسية في مصر, مما يؤدي إلي تصادم حتمي فعلي مع المؤسسة العسكرية وهجرة جماعية محتملة للأقباط الذين ينتمون إلي الطبقة المتوسطة والمفكرين وأصحاب الأعمال الحرة. كما أن انتصار شفيق – الذي يعتبره غالبية المصريين والرأي العام العالمي نظيف اليدين – سوف يعيد المصريين إلي أجواء الثورة, مما يرجح أن يؤدي بدوره إلي عودة مئات الآلاف من الثوريين إلي ##ميدان التحرير## والمدن في جميع انحاء مصر فضلا عن قيام مواجهة دموية محتملة.
لكن التأثير علي المصالح الأمريكية يمتد إلي ما يتجاوز هذه الأزمات المباشرة. فقد يكون لدي مصر مرشحان رئاسيان معيبان, لكن استعراض مواقفهما الماضية وبياناتهما السياسية, ومبادراتهما السياسية المحتملة يشير إلي أن انتخابهما لن يهدد المصالح الأمريكية بصورة مقابلة.
وعلي وجه التحديد, سوف يؤثر أي رئيس مصري جديد بشكل كبير علي ثلاثة قرارات حيوية, لكل منها تداعياته الفعلية علي المصالح الأمريكية:
1- ما هو المسار الذي ستختاره مصر لإصلاح اقتصادها المتداعي وتجنب تحولها إلي دولة فاشلة: مبادرات ##العدالة الاجتماعية## الشعبية أو مسار اقتصاديات السوق التي تركز علي الاستثمار؟
2- ما هي سرعة ومحتوي التحول الإسلامي علي الساحة العامة المصرية, فيما يرتبط بجوهر منهج البلاد في التسامح الديني والمساواة بين الجنسين ومجموعة ##الحقوق العالمية##؟
3- هل ستحافظ مصر علي توجهها الاستراتيجي الحالي المؤيد للغرب والسلام والمناهض للتطرف, أم أنها ستتبني منهجا أكثر حيادية؟
من الصعب تصور قيام مصر تحت قيادة مرسي بتبني سياسات تتواءم مع المصالح الأمريكية فيما يتعلق بهذه المسائل الثلاثة جميعا; والواقع أن هناك احتمال واضح بأن يتبع مرسي سياسات مثيرة للمشاكل علي كافة الجوانب الثلاثة. وسيكون لهذه النتيجة تداعيات حادة علي رغبة واشنطن في الإبقاء علي مستويات مرتفعة من المساعدات إلي مصر. وعلي النقيض من ذلك, ليس من الصعب تصور قيام مصر تحت قيادة شفيق بتبني سياسات أكثر مواتاة نسبيا فيما يتعلق بالمسائل الثلاث; فهو سيفعل ذلك بالتأكيد في واحدة منها علي الأقل. ومن ثم سيكون التأثير علي المساعدات الأمريكية أقل بكثير.
والمفارقة أن المصريين الذين يقرأون طالع واشنطن لا يمكن لومهم في استنتاجهم بأن أمريكا تفضل مرسي. وعلي كل حال كان كبار المسؤولين والمشرعين الأمريكيين ممن تربطهم علاقات وثيقة بالإدارة الأمريكية يحجون بانتظام إلي مكاتب قادة جماعة الإخوان خلال الأشهر الأخيرة, كما قوبل ممثلو الجماعة بجلسات استماع مهيبة أثناء زياراتهم إلي واشنطن. وحقيقة أن صحيفة ##واشنطن بوست## دعمت مرسي بقوة – واصفة انتخاب شفيق المحتمل بأنه ##أكثر إقلاقا## – يضيف فقط إلي هذا الإحساس بالدعم الأمريكي لمرشح الإخوان, سواء كان ذلك دقيقا أم لا.
تستطيع إدارة أوباما كما ينبغي لها أن توضح هذا التصور الخاطئ وتذكر المصريين بتبعات تصويتهم, لكن ليس من خلال الإعراب عن دعمها لشفيق, حيث يرجح أن يؤدي ذلك إلي نتائج عكسية ويصب في مصلحة مرسي. وبدلا من ذلك, ينبغي لها أن تستقرئ الأمور من زيارة نائب الرئيس بايدن إلي بيروت في مايو 2009, والتي ربما دفعت الانتخابات البرلمانية اللبنانية في اتجاه أكثر اعتدالا. وهذا يعني أنه يتعين علي الإدارة أن تدرس الإعلان عن تصريحات وإجراءات تدعم القيادة المصرية والتي من المرجح أن تصب في صالح استمرار المساعدات الأمريكية المباشرة وتضمن الدعم من المؤسسات المالية الدولية. ويشمل ذلك رسائل تذكير رفيعة المستوي بشأن المصالح الأمريكية الرئيسية الخمسة في مصر: علي الساحة الداخلية, التعددية السياسية (أي الالتزام بإجراء انتخابات تنافسية) والحرية الدينية (أي حماية الأقباط), وعلي الساحة الدولية, الالتزام بالتعاون الأمني مع الجيش الأمريكي والتنسيق النشط لمكافحة الإرهاب واحترام معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل.
وعلي الرغم من أن السياسة الأمريكية قد لا تقرر نتيجة الانتخابات, إلا أن المسءولية تقع علي واشنطن بأن تكون واضحة مع المصريين من أجل سلامة العملية الديموقراطية في مصر إلي جانب الحفاظ علي المصالح القومية الأمريكية, حيث ينبغي عليها أن تذكر المصريين بصورة أكثر صراحة كيف أن تصويتهم سيؤثر علي العلاقة الدولية الأكثر أهمية وتأثيرا لمصر.
روبرت ساتلوف هو المدير التنفيذي لمعهد واشنطن.