##علي الرغم من أنه من غير المرجح أن تؤدي المحادثات القادمة في بغداد إلي حدوث انفراجة إلا أنه ينبغي علي واشنطن استغلالها لتقرير ما إذا كان التوصل إلي اتفاق أمر ممكن في النهاية أم لا.##
##علي الرغم من أنه من غير المرجح أن تؤدي المحادثات القادمة في بغداد إلي حدوث انفراجة إلا أنه ينبغي علي واشنطن استغلالها لتقرير ما إذا كان التوصل إلي اتفاق أمر ممكن في النهاية أم لا.##
في 23 مايو بدأت جولة أخري من المحادثات بين الولايات المتحدة وشركائها في التفاوض ضمن آلية الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن + ألمانيا, وبين ايران. ورغم أن اختيار بغداد كمقر لهذه المحادثات يعد أمرا مثيرا للانتباه – ومفيدا لحكومة عراقية ترغب في عرض عودتها إلي الحياة الطبيعية – إلا أن هذه الجولة من المحادثات لن تكون حاسمة. كما ينبغي ألا يتوقع أي شخص بأن بعد عقد جولتين من المحادثات سيصبح بوسع واشنطن فجأة التغلب علي خلافاتها مع إيران بشأن طموحات الأخيرة النووية.
وهذا لا يعني أن بإمكان واشنطن التعامل مع المحادثات مع إيران دون الإحساس بالعجلة والإلحاح. فلا تزال إيران تواصل تخصيب اليورانيوم وربما جمعت مواد تتيح لها صنع أربع أو خمس قنابل, وليس لدي الولايات المتحدة مصلحة في السماح باستمرار تلك العملية تحت ستار المحادثات الجارية. وبالطبع هذا ليس من مصلحة الإسرائيليين أيضا. بل علي العكس من ذلك, فهم يخشون أن تطيل إيران أمد تلك المحادثات إلي نقطة تفقد معها إسرائيل خيارها العسكري لعرقلة البرنامج النووي الإيراني بسبب عمق واتساع نطاق ووفرة البنية التحتية النووية الإيرانية. وعلاوة علي ذلك ليس هناك قيادة إسرائيلية من المرجح أن تقبل حقيقة تنازلها عن قدراتها العسكرية لمعالجة التهديد لوجودها.
لذلك, لا تمتلك واشنطن رفاهية كسب المزيد من الوقت في هذه المفاوضات. بيد, من الناحية الواقعية لم تصل هذه المحادثات حتي الآن إلي نقطة يمكن عندها توقع النجاح أو الفشل. وربما تكون إيران الآن مستعدة لإجراء محادثات حول برنامجها النووي وبعض من تدابير بناء الثقة التي وضعتها الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن + ألمانيا علي الطاولة, ولكن أي شئ أكثر من ذلك غير معروف في هذه المرحلة. ومن الواضح أنه يجب علي واشنطن أن تجد معيارا لتقييم ما إذا كانت هذه المحادثات ستفضي إلي نتيجة ما, علي أن يكون ذلك بطريقة ترسخ ما قاله الرئيس الأمريكي أوباما بشأن الدبلوماسية مع إيران: لا تزال هناك نافذة لنجاح الدبلوماسية لكن هذه النافذة آخذة في الانغلاق.
إن التحدي يكمن في اختبار مغزي المحادثات وجدواها دون التعبير عن اليأس أو التسرع نحو التوصل إلي نتائج سابقة لأوانها. والنهج الحالي للدول دائمة العضوية في مجلس الأمن + ألمانيا في المحادثات يقوم علي المنطق التدريجي لبناء الثقة والذي ينطوي علي احتمالات النجاح بمرور الوقت, لكنه يحمل في طياته مخاطر السماح لإيران بكسب المزيد من الوقت دون أن يكشف ما إذا كان التوصل إلي اتفاق فعلي أمرا ممكنا أم لا.
ويقينا, يمكن هيكلة هذا المنهج التدريجي من الناحيتين الجوهرية والإجرائية لمعالجة هذا التخوف. فمن ناحية الجوهر يجب أن ينصب التركيز علي خطوات بناء الثقة التي إما توقف عقارب الساعة حول تقدم إيران نحو امتلاك قدرات تصنيع الأسلحة النووية, أو تظهر بصورة أكثر وضوحا استعداد إيران للتقيد بامتلاك طاقة نووية سلمية مع قبول نظم أمنية ملموسة للحيلولة دون تحويلها إلي أسلحة نووية.
ومن بين خطوات بناء الثقة التي يمكن لإيران اتخاذها لوقف عقارب الساعة
* وقف تخصيب اليورانيوم إلي نسبة 20%
* شحن جميع المواد المخصبة المتراكمة بنسبة 20% (وجزء من المواد المخصبة حتي 3.5%) إلي خارج البلاد.
* الإجابة بشكل مرض علي أسئلة ##الوكالة الدولية للطاقة الذرية## حول الأبعاد العسكرية المحتملة لبرنامجها النووي (إعلان أمانو الأخير يشير إلي حركة في هذا الاتجاه).
* الموافقة علي تدابير تعزيز الشفافية المرتبطة بـ ##البروتوكول الإضافي## لمعاهدة ##عدم انتشار الأسلحة النووية##.
إن قبول إيران باتفاق أكثر جوهرية والذي من شأنه أن يحول دون تحويل الطاقة النووية المدنية إلي أسلحة نووية يشمل سيناريوهين محتملين:
* استغناء إيران عن التخصيب وإعادة المعالجة وتلقيها الوقود من بنك دولي للوقود
* سعي إيران إلي التخصيب, لكن مع قبولها بقيود صارمة علي كل من: مستوي التخصيب إلي أقل من 5%, وكمية اليورانيوم المنخفض التخصيب الذي يمكن جمعه في البلاد, وعدد أجهزة الطرد المركزي التي يمكن تشغيلها وتركيبها وتخزينها. سيتعين علي إيران أن توافق علي تدابير التحقق التدخلية اللازمة لضمان احترام هذه القيود.
ومن الواضح أن إيران سترغب في مناقشة أمر التدابير المماثلة التي يجب اتخاذها من قبل ##الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن + ألمانيا##, للحد من الضغوط الاقتصادية علي الجمهورية الإسلامية مثل رفع العقوبات الأكثر صرامة. إلا أنه يجب علي إيران أن تفهم أنه طالما تقدم برنامجها النووي, ستزداد أيضا الضغوط الاقتصادية ولن يتم خفضها. إن اتخاذ خطوات جزئية من قبل الإيرانيين بإمكانها أن تؤدي فقط إلي اتخاذ خطوات جزئية مقابلة.
وهذا يبرز الحاجة إلي إجراء مناقشات مكثفة وجادة لبلورة الخطوات التفصيلية التي سيتخذها كل طرف, علما بأن العديد من هذه الخطوات سيكون بالغ التعقيد من الناحية الفنية وقد يفهمه الطرفان بطرق مختلفة. فما الذي سيعنيه علي سبيل المثال إقرار إيران لـ ##البروتوكول الإضافي##, وهل تتشارك ##الدول الخمس دائمة العضوية + ألمانيا## مع إيران في نفس المفهوم حول هدف وموقع وتواتر عمليات التفتيش؟ وعلي نحو مماثل, قد ينطوي العديد من نصوص العقوبات علي عناصر عديدة, يمكن التخفيف من حدة بعضها ردا علي خطوات إيرانية ملموسة, لكن يلزم مرة أخري إجراء مناقشات مستفيضة في هذا الصدد.
وإذا لم تتمخض محادثات 23 مايو عن أي شيء آخر, فإن النتيجة التي ستشير إلي الجدية هي أن تصبح تلك المحادثات مستمرة. فلا يمكن أن يتحقق إلا القليل من المحادثات الشهرية. يجب أن تكون هذه المحادثات مستمرة مع فواصل محدودة لإجراء مشاورات في العواصم, ومناقشات علي مستوي الخبراء ومتابعة جدول الأعمال حول القضايا التي تتطلب بلورة.
قد يكون من السابق لأوانه توقع حدوث انفراجة, لكن ليس من السابق لأوانه ان تكون هناك عملية تسمح لواشنطن تحديد ما إذا كانت المفاوضات مع إيران ذات مغزي وبإمكانها أن تؤدي إلي نتيجة. إن المحادثات أو الإجراءات لم تكن غاية في حد ذاتها, كما أن الغاية ليست وضع سابقة سيئة لنظام حظر الانتشار بشكل أكثر عمومية. وإذا سارت محادثات مايو في الاتجاه الصحيح, فسوف يتمخض عنها أجندة محددة وذات معني وتعقبها متابعة, وسوف تصبح المحادثات مستمرة. وهناك شيء واحد مؤكد هو أنه: لا يوجد أمل للتوصل إلي اتفاق إذا كانت المحادثات تتم بصفة متقطعة فقط.
السفير دينيس روس هو شغل سابقا منصب المساعد الخاص للرئيس الأمريكي أوباما ومدير للمنطقة الوسطي في مجلس الأمن القومي.
————————————————–