سار جدل في المجتمع حول تهنئة المسيحيين بعيد الميلاد, وهو يكشف مستوي التدهور في الإدراك الوطني, وتعثر عقل الأمة إلي الحد الذي يجعل الناس يطرحون أسئلة عبثية, لا معني لها, تدل في ذاتها علي انخفاض منسوب التسامح. الأسباب وراء هذه الظاهرة واضحة: شيوع الخطابات الدينية المتزمتة والمحافظة علي مدار عقود, لم تفعل الحكومة بمختلف أجهزتها شيئا لتصحيحها, بل علي العكس سمحت بانتشارها علي نحو مريع علي حساب الفكر الوسطي الذي يمثله الأزهر. ليس هذا فحسب, بل إن مروجي الخطابات المتعصبة كانوا يعملون في كنف أجهزة الأمن لأغراض متعددة منها استهداف الأقباط عند اللزوم, ومواجهة الإخوان المسلمين, وإيجاد حالة من البلبلة والنقاشات التافهة علي مستوي المجتمع لصرف الأنظار عن إخفاق الحكومة في التنمية, ومحاولات توريث الحكم, والتعتيم علي الفساد المريع.
الآن نجني ثمار حالة من التطرف الفكري ترسخت برعاية من أجهزة الحكم في عهد مبارك, وأصبح المجتمع علي المحك: إما أن ينتصر لوسطيته, أو ينحدر إلي درك التخلف والتدهور الاجتماعي والاقتصادي والسياسي. استعادة دور الأزهر في تعميق الفكر الوسطي ضرورة أساسية, وترويج الكتابات التي تساعد علي نشر الفقه المصري المعتدل يجنب المصريين العاديين الوقوع في فخ الأفكار التي ظاهرها تعبير عن الدين, وباطنها تعصب وإساءة إلي الدين ذاته.
لازلت أراهن علي القطاع العريض من المجتمع المصري الذي لم تطله يد التطرف. عندما نشر الموقع الإلكتروني ##اليوم السابع## منذ أيام تصريحا علي لسان قادة أحد الأحزاب السلفية بأنه يرفض تهنئة الأقباط بالعيد انهالت علي الموقع تعليقات الزوار المسلمين قبل المسيحيين تنتقد وترفض هذا المسلك, وتعتبره مناقضا للدين ذاته, وعهد المواطنة الذي يربط المواطنين جميعا بصرف النظر عن الاختلاف في اللون أو الدين أو الجنس أو العرق.
ورغم كل ذلك يحتاج القطاع العريض من المصريين إلي حماية من الأفكار الرجعية, ويحتاج أصحاب هذه الأفكار إلي الشعور بأن المجتمع يرفضهم, مثلما رفض فلول الحزب الوطني, علهم يعيدون التدبر في أمرهم.