في الأشهر القليلة الماضية أرسل عبر البريد الالكتروني إلي نشطاء حماس في قطاع غزة وإلي أعضاء مختارين من الجماعة في الضفة الغربية وغيرها, كتيب مكون من ثلاث وأربعين صفحة باللغة العربية, عنوانه: ##الإخوان المسلمون والثورة الإسلامية في إيران##. وتمثل هذه النشرة الجديدة أهم محاولة جرت حتي الآن لربط التعاون المتنامي بين حركة حماس ومعلميها الإيرانيين, إلي الانتماءات الدينية أكثر من النفعية السياسية. والفكرة في جوهرها هي أن جماعة الإخوان المسلمين – حيث حماس هي فرعها الفلسطيني – هي شريك طبيعي لإيران حيث تتشاطر معها مجموعة مشتركة من القيم ورؤية مشتركة لإحياء الخلافة, رغم الانقسام الذي يفصل تاريخيا السنة عن الشيعة وغالبا ما يضعهم ضد بعضهم البعض.
والعنوان الفرعي للكتيب هو ##جدلية الدولة والأمة في فكر الإمامين البنا والخميني##, وهو لا يباع علنا في المتاجر. ويحذر زعيم حركة الجهاد الإسلامي الفلسطيني في غزة الدكتور محمد الهندي الذي كتب مقدمة الكتيب من أن ##أعداء الأمة## يحاولون استغلال الشقاق السني – الشيعي لتخريب النضال الذي يسعي لإنشاء دولة إسلامية. ومؤلف الكتيب هو الدكتور أحمد يوسف البالغ من العمر ستين عاما هو زعيم معروف داخل الحركة ويحمل الآن لقب المدير العام لوزارة الخارجية في حكومة حماس في غزة. وقد فقد الدكتور يوسف منصبه السابق كمستشار سياسي لرئيس الوزراء إسماعيل هنية بسبب تصريحاته عن شروط ##الهدنة## مع إسرائيل, والتي اعتبرها البعض في القيادة المحلية ##ناعمة## أكثر من اللازم.
ويعرف يوسف علي نطاق واسع بأنه أحد المتحدثين الرئيسيين باسم الجناح الأكثر اعتدالا داخل حماس, وقد سمح له بتعريف ##ما تريده حماس## في صفحة الرأي في جريدة ##نيويورك تايمز## في يونية .2007 وقبل أشهر قليلة فقط, أكد بقوة في مقالة بأنه ينبغي علي حماس أن تتبع النموذج السياسي لـ حزب العدالة والتنمية في تركيا بدلا من أن تصبح نسخة فلسطينية من حركة ##طالبان## الأفغانية. وعلاوة علي ذلك, ألمح أن حماس سوف تحسن صنعا لو أنها أعادت النظر في صبغتها العسكرية. وفي أحاديثه الخاصة مزح يوسف بأن الآخرين يرونه كـ ##الجناح الأمريكي## لحركة حماس. وفي الواقع, حصل يوسف علي درجة الدكتوراه من الولايات المتحدة, وتعاون لسنوات عديدة مع الدكتور موسي أبو مرزوق – نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس – في مقاطعة فيرفاكس في ولاية فرجينيا حيث كان يدير مركز أبحاث إسلاميا, وهو ##الرابطة المتحدة للدراسات والأبحاث##, وقام بتحرير ##مجلة شئون الشرق الأوسط##.
وفي الواقع, إن سمعته كـ ##معتدل## هي التي جعلت تصريحاته الأخيرة مثيرة للاهتمام وذات مغزي علي حد سواء. وقد أوضح أن اعتماد حماس علي إيران ليس زواج مصلحة عرضي كما يدعي قادة آخرون في الحركة في كثير من الأحيان, لكنه شراكة حتمية ترتكز علي التطلع المشترك لـ ##الدولة الإسلامية## الربانية المثالية. ويتهم ##السلفيين والوهابيين في الخليج## وكذلك حكومات خليجية لم يذكرها بالاسم بالمسئولية عن الفترات الطويلة من التوتر الحاد بين جماعة الإخوان المسلمين والجمهورية الإسلامية علي مر السنين. وعلي هذا النحو, يشير إلي أن صداقة إيران اليوم هي أكثر أهمية بالنسبة لـ حماس من الدعم السعودي. ورغم أن دعم إيران لنظام الأسد في سورية – الذي سحق التمرد المسلح لجماعة الإخوان المسلمين هناك عام 1982 – قد أضاف إلي العداء المتبادل بينهما إلا أن يوسف يقول بأن إيران وحماس لديهما سجل حافل من التعاون, وقاعدة راسخة من المعتقدات الدينية المتشابهة, وإن لم تكن متطابقة بالضرورة.
نقاط يوسف الرئيسية
يقول يوسف إنه بعد إلغاء الخلافة العثمانية عام 1924, كان تأسيس جماعة الإخوان المسلمين في مصر من قبل الشيخ حسن البنا عام 1928 و[انتصار] الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 أهم حدثين في التاريخ الإسلامي الحديث. وتهدف جماعة الإخوان المسلمين – التي هي منظمة دولية – إلي إقامة دولة إسلامية; وقد أنشأت الحركة الخومينية بالفعل أول دولة إسلامية حديثة, مخالفة بذلك المعتقد الشيعي التقليدي بأن الدولة الإسلامية يجب أن تنتظر عودة ظهور المهدي. إن كل من البنا والخميني قد رأي الدولة الإسلامية ليست كغاية في حد ذاتها ولكن أداة لتحقيق رسالة الدين. ويخلص يوسف إلي أن :##هناك مساحة واسعة مشتركة بين الرؤيتين تشكل أساسا متينا لاعتبار إيران – الدولة – نقطة انطلاق نحو الدولة الإسلامية العالمية##. ورغم تحفظات جماعة الإخوان المسلمين حول بعض جوانب النموذج الإيراني — منها علي سبيل المثال أن الفارسي فقط هو من بإمكانه أن يصبح رئيسا — ينصح يوسف بالتغلب علي تلك الاختلافات بقوله: ##إنها فرصة كبيرة لتطبيق قواعد الشريعة… ولا مفر من التغلب علي الصراعات بين السنة والشيعة…. وهذه الصراعات لا تصل إلي حد التناقض الديني##. وعلاوة علي ذلك, يوصي يوسف القارئ ##بأن لا يري ,هذه الصراعات] عائقا أمام إقامة وحدة إسلامية مبنية علي أسس مشتركة ومتفق عليها تتعلق بطبيعة النظام##. وعن الاختلافات بين السنة والشيعة يوصي بـ ##ترك قضايا الفقه ومسائل الأحوال الشخصية جانبا لكي يتمكن الناس من التعامل معها وفقا لمذاهبهم الخاصة##.
ووفقا ليوسف فإن العلاقات الفاترة بين إيران وجماعة الإخوان المسلمين – وهي نتاج أربعة عشر قرنا من التناحر السني الشيعي – ينبغي, علي أقل تقدير, أن تستعيد دفئها السابق. ويتتبع يوسف بداية التفاعل بين الاثنين حتي جهود جامعة الأزهر في 1948- التي شارك فيها كل من البنا وآية الله محمد تقي القمي – لجسر الخلافات بين المذهبين السني والشيعي. ويشير أنه في عام 1954 رحب الإخوان المسلمون في كل من القاهرة ودمشق بقائد حركة ##فدائيي الإسلام## الإيرانية نواب صفوي, الذي أعدم لاحقا من قبل الشاه. ويذكر يوسف أيضا جمهوره بالاتصالات بين البنا وآية الله كاشاني الذي أيد رئيس الوزراء المعادي للغرب محمد مصدق في أوائل الخمسينات من القرن الماضي لكي يثبت أن تحالفا كان قد بدأ بالفعل في التشكل في تلك المرحلة المبكرة. ويشير إلي أن المرشد الإيراني الأعلي علي خامنئي كان نفسه قد ترجم كتابات سيد قطب — أحد زعماء جماعة الإخوان المسلمين الذي تم شنقه في النهاية من قبل الرئيس جمال عبد الناصر — من العربية إلي الفارسية. ويعتبر قطب علي نطاق واسع الأب الروحي للجهادية الحديثة كما تتمتع تعاليمه بشعبية خاصة بين أعضاء حماس. ويقول يوسف أن علاقة الإخوان المسلمين مع إيران قد عانت من نكسات خطيرة منذ الدعم الأولي الذي أظهره الإخوان للثورة الإسلامية. ومن بين الأسباب التي عددها كانت الحرب بين العراق وإيران, وهزيمة الإخوان المسلمين في سورية, والدعاية السلفية ضد الشيعة ##الكفار## وإيران.
ويؤكد يوسف أن مرحلة جديدة من بناء الجسور قد بدأت في السنوات الأخيرة لأن إيران وجماعة الإخوان المسلمين لديهما مواقف متشابهة حول المشكلة الفلسطينية وترفضان أية تسوية مع إسرائيل. وتعارض كلتيهما أيضا الوجود العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط وتدعمان قضايا المسلمين في أماكن أخري مثل البوسنة. كما خففت إيران من نبرة خطابها الشيعي الطائفي للتأكيد علي دعواتها للوحدة الإسلامية, وبالتالي تساعد علي نزع المخاوف بأنها كانت تسعي للسيادة علي المسلمين الآخرين. وتقوم كل من إيران بوصفها جمهورية إسلامية, وجماعة الإخوان المسلمين من خلال استيلائها علي السلطة في دول عربية وإسلامية آسيوية في المستقبل, بدعم قضية ##جمهوريات القرآن والسلطان##.
الخاتمة
يعرف الجناح العسكري لحركة حماس – ##كتائب عز الدين القسام## – بعلاقاته الوثيقة مع إيران. والآن يحاول يوسف, الذي هو أحد ناقدي الجناح العسكري الأكثر صراحة, أن يعيد تعريف علاقة حماس بإيران [وصياغته] كتحالف استراتيجي متجذر في تفسير متشابه للإسلام السياسي المعاصر. فـ حماس تسعي للحصول علي مبرر ديني لاعتمادها علي الجمهورية الإسلامية بعيدا عن المتطلبات السياسية. ويحاول يوسف في الواقع إعادة كتابة تاريخ العلاقات بين إيران و حماس علي مدي العقود الستة الماضية حتي تصبح الشراكة واجبا للمؤمنين الحقيقيين. ولا شك أن يوسف قد حصل علي موافقة الآخرين بين كبار قادة حماس قبل أن ينشر دراسته, وهي علامة واضحة علي أن الحركة تبعد نفسها بسرعة عن السعوديين والمانحين التقليديين الآخرين من أجل أن تقوي حلفها مع إيران. إذا كان الأمر كذلك, فإننا ينبغي ألا نتوقع حدوث أية تحولات في مواقف المنظمة حول السلام وكذلك المزيد من تقوية العلاقات مع إيران وحلفائها وهما سورية وحزب الله. ونظرا لجهودههم الرامية إلي الاقتراب بصورة أكثر من إيران, من غير المرجح أن تفعل حماس شيئا أكثر من مجرد التظاهر بالمصالحة مع السلطة الفلسطينية.
معهد واشنطن