تشير زيارات الرئيس مرسي المقبلة إلي بكين وطهران إلي أن سياسة مصر الخارجية تتحول بعيدا عن الغرب.
قام رئيس مصر, الإسلامي محمد مرسي بزيارة إلي الصين تلبية لدعوة من رئيسها – هو جينتاو. ووفقا لنائب رئيس
تشير زيارات الرئيس مرسي المقبلة إلي بكين وطهران إلي أن سياسة مصر الخارجية تتحول بعيدا عن الغرب.
قام رئيس مصر, الإسلامي محمد مرسي بزيارة إلي الصين تلبية لدعوة من رئيسها – هو جينتاو. ووفقا لنائب رئيس حزب الإخوان المسلمين الذي ينتمي إليه مرسي سيسعي الرئيس المصري إلي الحصول علي استثمارات من شأنها أن تمكن مصر من ##الحصول علي قروض ومساعدات##. ومن الصين سافر مرسي إلي طهران للمشاركة في قمة ##حركة عدم الانحياز##. وهكذا فبعد شهرين فقط من وصوله إلي سدة الحكم يتبع مرسي سياسة التقارب مع طهران ويضمر طموحا جديدا للحصول علي معونات تبلغ قيمتها مليارات الدولارات الأمريكية فضلا عن تمويل أجنبي من المؤسسات المالية الغربية. وتشير كل هذه الخطوات سوية, إلي أنه ربما يتم توجيه مصر تحت رئاسة مرسي نحو إجراء تحول في سياستها الخارجية ينافس المدي الذي طرد به السوفييت من مصر علي يد الرئيس أنور السادات عام 1972, وقيامه في أعقاب ذلك بإعادة توجيه سياسة مصر نحو الغرب.
إن هذه السياسة الجديدة التي تتبعها القاهرة والتي تتمثل في إعادة التقارب مع طهران هي الأوضح في محاور سياسة مرسي الخارجية. ورغم أن الفكرة بأن مصر هي حليف رئيسي للولايات المتحدة منذ فترة طويلة وأن توصيف نفسها كـ ##غير منحازة## تعتبر فكرة غير مقبولة إلا أنها ربما كانت أكثر قبولا لواشنطن في عهد الرئيس المصري السابق حسني مبارك. ونظرا لتصاعد حدة التوتر بشأن برنامج إيران النووي فإن توقيت زيارة مرسي يبدو مستفزا بشكل خاص.
والأمر الأكثر إشكالية بالنسبة للولايات المتحدة هو تواصل مصر مع الصين. وحيث أن الرئيس المصري منشغل بنتائج سياسة مصر الجديدة التي تخفض عمدا – وحتي ربما تقطع – العلاقات مع إسرائيل – شريكة بلاده في السلام, يبدو مرسي منخرطا في المراوغة الحذرة. وكما كان الحال مع إيران بعد ثورتها عام 1979 فمن الممكن أن تصبح الصين شريكا مواتيا لمصر الإسلامية.
ولم تحقق الصين نجاحا يثير التفاؤل ,من نتائج التغييرات] التي يطلق عليها بـ ##الربيع العربي##. فبالإضافة إلي خسارتها لمليارات الدولارات في استثمارات قطاع الطاقة في ليبيا, كما أدي دعم الصين المتواصل للقمع الوحشي الذي يقوم به نظام بشار الأسد ضد الانتفاضة الشعبية إلي عداء الملايين من السوريين. كما أن ##الفيتو## الذي تكرر استخدامه من قبل الصين ضد قرارات مجلس الأمن التي استهدفت سوريا جعل حرق الأعلام الصينية بمثابة الهواية الشعبية التي تلجأ إليها الحركة المناهضة للأسد. وعندما يسقط نظام الأسد في نهاية المطاف ستتعرض المصالح الاقتصادية والسياسية لهذه ##المملكة الوسطي## (يقصد الصين, والتسمية نتيجة لاعتقاد شعبي أنها تقع في منتصف الأرض) في سوريا لمشكلات جمة.
ورغم أن مصر الإسلامية مبتلاة بانعدام الأمن والاقتصاد العاجز الذي ربما لا يجد فيه الصينيون قيمة كبيرة إلا أن تحسين العلاقات مع البلد الذي يواجه وضعا استثنائيا معقدا سوف يوفر للصين موطئ قدم في البحر المتوسط مع افتراض أن ذلك سيشمل أيضا منفذا في أحد موانئها. وربما تميل مصر أيضا تحت قيادة مرسي إلي أن يكون للسفن الحربية الصينية أولوية في عبور قناة السويس, علي غرار منحها ذلك للولايات المتحدة علي مر التاريخ. وسيكون هذا الامتياز مغريا علي وجه الخصوص بالنسبة للصين التي تري أن هناك حاجة متنامية لحماية استثماراتها في البحر المتوسط والبحر الأسود.
وثمة طلب أساسي محتمل آخر يمكن أن تحدده الصين مسبقا, وهو تمكنها من الوصول إلي التكنولوجيا الأمريكية في مصر. فوفقا لبرقية دبلوماسية أمريكية نشرها موقع ويكيليكس في أغسطس 2009 ##كانت مصر قد تورطت في المزيد من الانتهاكات للبند الثالث من قانون تحكم تصدير الأسلحة أكثر من أية دولة في العالم##. وأعربت البرقية المسربة عن قلق خاص من زيارة قام بها مسئول عسكري صيني في ذلك العام إلي قاعدة لطائرات مصرية من طراز F-.16
حدثت هذه الانتهاكات أثناء إدارة مبارك, التي حافظت – باستثناء بعض الصعوبات مع إدارة بوش – علي علاقات استراتيجية قوية مع واشنطن. ومع غياب القيود التي تفرضها العلاقة الوثيقة مع الولايات المتحدة فمن الصعب التخيل بأن مصر تحت قيادة مرسي ستكون أكثر حماية للتكنولوجيا العسكرية الأمريكية من نظام مبارك.
ومن هنا تصبح الفوائد التي تعود علي الصين من تطوير علاقاتها مع مصر واضحة. لكن مرسي يري أيضا مزايا في تنويع مصادر المساعدات الآتية إلي مصر. فعلي المستوي الأولي ترتكز سياسة الصين الخارجية علي المصلحة القومية المتصورة وحدها, ولذا فإن بيجينج – علي عكس الولايات المتحدة – لا تبالي لفرض مرسي قيودا متزايدة علي الحريات الصحفية, وحرية التعبير, وحقوق المرأة أو سوء معاملة الأقليات. وفي الوقت نفسه تنتعش الصين بالسيولة النقدية, فيما ستكون مصر مرة أخري ناضجة للاستثمار الأجنبي عندما يتم إعادة ترسيخ الأمن فيها – فيما إذا ترسخ بالفعل.
ومما لا شك فيه أن سعي مرسي إلي إعادة معايرة سياسة مصر الخارجية بتوجيهها بعيدا عن الغرب, لا يخلو من المشاكل. فبيجينج ليست مولعة بحب الغير, ولذا فإن ضخ الاستثمارات في مصر هي التي ستكون أكثر ترجيحا وليس المنح أو القروض. وإذا احتاجت مصر إلي اعتمادات فمن المحتمل أن يتوجب عليها جمعها من دول الخليج الفارسي الغنية بالنفط, والتي ستكون لها متطلبات مرهقة ولن تكون سعيدة بتقارب مصر مع طهران.
ولو حصل مرسي علي ما يريده فإن تحسن علاقات بلاده مع بيجينج سوف يشجع القاهرة علي – إن لم يمكنها بالفعل من – تخفيض علاقات مصر مع واشنطن. وبطبيعة الحال, مع كون الإخوان في كرسي السلطة – ومع زيادة القمع الداخلي والعداء التام تجاه إسرائيل – فربما كان هذا المسار حتميا. لكن تحول مصر نحو الصين يزيد في تعقيد العلاقات مع الولايات المتحدة وسياساتها في الشرق الأوسط. وللأسف, فوفقا لمسار مرسي الجديد في السياسة الخارجية ستمثل علاقات مصر التحولية مع بيجينج واحدة فقط من سلسلة من المخاوف الأمريكية تجاه مصر.
ديفيد شينكر هو زميل أوفزين ومدير برنامج السياسة العربية في معهد واشنطن. كريستينا لين هي زميلة في مركز العلاقات عبر الأطلسي في جامعة جونز هوبكنز.
لوس أنجلوس تايمز