قلب المتطرفون والمهوسون كل شئ رأسا علي عقب ودمروا المفاهيم والمصطلحات وافرغوا الكلمات من معانيها, فالهزيمة حولوها إلي نصر, والتدمير صمود, والانتحار استشهاد, والاستهتار بالأرواح تضحية, والإرهاب جهاد, وقتل المدنيين العزل بطولة, والغدر ونقض العهود خدعة محللة شرعا, وتدمير مقومات الحياة عزة وكرامة, وعشق الموت فضيلة , وحب الحياة رذيلة.
والواقعية عندهم انهزامية, والعقلانية ضعف, والتحلي بالمسئولية جبن, وحماية الشعوب خوف وتردد, والتفاعل مع المجتمع الدولي عمالة, والاهتمام باحتياجات الشعوب ومتطلباتها الحياتية هروب من المواجهة.
في الحروب الكلاسيكية تناشد الدولة المجتمع الدولي بالمساعدة في وقف القتال تفاديا لاحتلال أراضيها أو تدمير أكبر لجيشها أو حماية للبنية الأساسية فيها أو لفشلها في الاحتفاظ بإقليم محل نزاع أو حماية لأرواح المدنيين أو حتي لإحساسها بأن الحرب لن تحقق الأهداف المرجوة أو لبعض أو كل هذه الأهداف معا. ويعد طلب وقف القتال مؤشرا من مؤشرات الهزيمة أو عدم القدرة علي مواصلة القتال أو تفاديا لهزيمة أكبر. ولا توجد صعوبة كبيرة في تحديد معني النصر أو الهزيمة العسكرية.ولكن الحركات المتطرفة مثل حزب الله وحماس وطالبان والقاعدة لها مفاهيم مختلفة للنصر والهزيمة يحار المرء العاقل في فهمها وإستيعابها, فحسن نصر الله يصرخ من مخبئه أثناء حرب 2006 ## من يحب لبنان يطالب إسرائيل بوقف العدوان## , ومع هذا يعلن تحقيق نصرا إلهيا, وخالد مشعل وإسماعيل هنية يصرخون مطالبين الجميع بالمساعدة في وقف العدوان ومع هذا يصفون وضع حماس بالصامد, ويلوحون بالنصر القريب.
الحركات المتطرفة تورط الشعوب في حروب وتلومها إذا احتجت في نفس الوقت, وتورط المنطقة في نزاعات وتلعنها إذا تصرفت بعقلانية , ترتهن إرادة الدولة وتطلب مساندتها. من يستطيع المساعدة في وقف القتال إلا الدول والشخصيات التي تتمتع بتقدير دولي وبمصداقية دولية نتيجة لإيفائها بعهودها وتصرفها بعقلانية؟!, كيف يستقيم لعن العقلانيين ومناشدتهم المساعدة في نفس الوقت؟ بأي منطق يوصف الإعتدال بكل الصفات السلبية؟ أي بشر وأية ثقافة هذه التي تعتبر الاعتدال رذيلة؟.
قد يكون الأمر متعلق بتحقيق الأهداف وليس بتحقيق النصر, ووفقا لهذا المعيار ما الأهداف التي حققها حزب الله في حربه عام 2009 أو حماس حاليا؟ وهل الوضع في جنوب لبنان بعد الحرب أفضل من الوضع قبل الحرب؟ وهل غزة بعد الاجتياح الإسرائيلي هي غزة قبله؟ وهل تم تحقيق الردع للعدو؟
تحقيق الأهداف هي محور الجدل والنقاش الدائر, ويقودنا ذلك حول تعريف الهدف المشروع, فالهدف المشروع عند الحركات المتطرفة والعصابات الإجرامية يختلف عن الهدف المشروع عند الدول المسئولة, ومن ثم فإن تعريف النصر الاستراتيجي عند هذه الحركات والجماعات المتطرفة يختلف عنه عند الدول. فعلي سبيل المثال إذا أفلت لص من الشرطي أثناء سرقته لأحد المنازل , ففي عرف اللص يعتبر نفسه حقق انتصارا حتي ولو كان قد فشل في السرقة, فالإفلات من العقاب يعد في هذه الحالة نصرا, وبقاء الجماعات المتطرفة في حد ذاته يعتبر إدانة للمجتمعات المتحضرة ونصرا في عرف هذه الجماعات.
وحزب الله وحماس حققا الكثير من الأهداف المشروعة في عرف الحركات المتطرفة ومنها:
* المزيد من الردع والرعب ليس لإسرائيل وإنما للداخلين اللبناني والفلسطيني.
* المزيد من تجنيد المتطرفين في الشارعين العربي والإسلامي.
* المزيد من الأموال التي تدفقت عليهم وملئت جيوب القيادات.
* توظيف الشوارع العربية وتأهيلها لكي تكون وقودا للفوضي.
* إحكام السيطرة علي مقدرات الدولة اللبنانية والوضع الفلسطيني.
* تقليص مساحة العقلانية والاعتدال في المنطقة العربية.
* تقبيح وجه الحياة بصورة أكبر في المنطقة.
* المزيد من الضغط علي الأنظمة العربية المعتدلة وابتزاز بعضها.
* تحقيق خطوات كبيرة نحو تحقيق حلم أسلمة المنطقة ونشر فوضي واسعة فيها.
* تحقيق أجندة إيران ووفقا للخطوات المحددة التي تريدها الدولة الفارسية.
* إرهاب المفكرين والكتاب من نقد هذه الحركات المتطرفة المخربة.
* المتاجرة بجثث الضحايا لحصد المزيد من الدعم العالمي , خاصة من خلال تعاطف بعض الجماعات الدولية اليسارية مع هذه الحركات الإسلامية المتطرفة.
* نشر المزيد من التطرف والإرهاب عالميا بما يمثله ذلك من خطر علي العالم وعلي الغرب خاصة.
* تثوير وضع الجاليات العربية والإسلامية في دول الغرب.
* تشجيع المزيد من الحركات المتطرفة علي تفكيك الدول والسيطرة عليها فعليا بما يترتب علي ذلك من فوضي دولية وتهديد النظام الدولي برمته.
* نشر ثقافة الشوارعية في الحوار والنقاش العام بما يعني انزواء العقلانيين والقضاء علي مشروعات التحديث التي يعملون من أجلها.
* تراجع أولويات الشعوب من التنمية والرفه الاقتصادي إلي الكراهية والحروب والجهاد المقدس, فلا صوت يعلو علي صوت الجهاد.
* خلق هالة مقدسة حول هذه الجماعات المتطرفة بما يجعل نقدها وإزاحتها من المشهد أمرا عسيرا.
ويبقي في تصوري أهم نصر حققته هذه الجماعات هو تأمين بقاءها مسيطرة علي قرارات شعوبها بزعم أن لديها مهمة إلهية واجبة التحقيق ومن ثم الطاعة.
والخلاصة أن هذه الجماعات نجحت في تحقيق أهدافها. صحيح أنها أهداف شاذة ولا تستجيب لتطلعات الإنسان السوي نحو الرقي والتقدم, ولكن من قال إن هذه الشعوب ذاتها تسعي للديموقراطية والحرية والتقدم.
الشباب الذين يصيحون حي علي الجهاد في الجامعات والشوارع المصرية يتسابقون علي الغش في الامتحانات و يتهربون من الانتظام في أداء الخدمة العسكرية ليقضوا هذه الخدمة في بيوتهم. والملايين التي خرجت إلي الشوارع تصرخ وتنتحب علي ضحايا غزة لم تحرك ساكنا لقتل أكثر من 300 ألف شخص في دارفور. وكاميرات التليفزيونات العربية التي تخلت عن قواعد المهنة بعرض مناظر مؤلمة ولا إنسانية لجثث أطفال مشوهة من غزة لم تحرك ساكنا أمام ضحايا الإرهاب في الجزائر والسودان والعراق, والأصوات من الأفراد والمنظمات الحقوقية التي تطالب بمحاكمة دولية لمجرمي الحرب في غزة حسب تصنيفهم هي نفسها الأصوات التي تدافع عن مجرم حرب مثل البشير وعن مجرمين كثر في المنطقة.
وويل للعالم إذا سيطرت هذه الجماعات علي الشرق الأوسط.
[email protected]