في أغلب مراحل منافسات الانتخابات الرئاسية الأمريكية العام السابق, وحيث كان أوباما يصعد يوميا للبيت الأبيض, كان أحد أكثر الأسئلة التي يطرحها منافسوه, هيلاري كلينتون وجون ماكين, هل تعي حجم الخطر الإيراني؟ وهل تعلم أي رسالة تبعث بإعلانك قبول التحدث مع هذا النظام المارق؟..
كان أوباما حينها, ولمرات عديدة, يجيب مستشهدا بالمقولة الشهيرة للرئيس الأمريكي السابق والراحل جون كينيدي:
## يجب ألا نفاوض أبدا بداعي الخوف, لكن وبالتأكيد يجب ألا نخاف من التفاوض##.
لمعرفة, أو محاولة معرفة وفهم كيف يفكر الرئيس الأمريكي الحالي أوباما, يجب معرفة كيف كان يفكر الرئيس الراحل للولايات المتحدة الأمريكية والذي جري اغتياله جون كينيدي, الرئيس الذي كان حاضرا ومؤثرا في رحلة أوباما إلي المكتب البيضاوي , أو ما كانت تتمناه هيلاري مرددة The Oval Office.
وأي تأثير لشخص ميت قد يسأل أحدنا؟
ومع أن الأمر روحاني لا يلتقط باليد بل يستشعر, قد يكون من المفيد استرجاع بعض المراحل المهمة في حملة أوباما:
_ في عز المنافسة بين أوباما وهيلاري علي كسب ترشيح الحزب الديموقراطي, وحيث كانت الخبرة ثوب هيلاري الدعائي, وكان أوباما كالنجم الجديد في المدينة, مبهرا لكنه جديد, وفي وقت كان الكل, إعلاميين وناخبين, ينتظرون إعلانات التأييد من المؤثرين بأمريكا, كسر السيناتور آنذاك إدوارد كينيدي, شقيق الرئيس الراحل جون كينيدي وصوته الحي, والصديق لعائلة كلينتون, حاجز التردد وفاجأ الجميع بإعلان تأييده لأوباما قائلا ##أشعر بالتغيير في الهواء##, وعن أوباما: ##رجل يمتلك شخصية وموهبة غير عادية في القيادة##, مؤكدا أنه خير وريث لأخيه الذي أغتيل.
_ قبلها بيوم , حيث السابع والعشرون من يناير 2008, تفاجأ قراء النيويورك تايمز بمقال يحمل توقيع ##كارولين كينيدي##, ابنة الرئيس الراحل جون كينيدي ومحبوبة أمريكا, بعنوان:## رئيس يشبه والدي ##, أعلنت فيه تأييدها لأوباما, وقالت عنه## لم يلهمني أبدا رئيس كما يقول لي الناس إن والدي ألهمهم, ولكن للمرة الأولي, أعتقد أنني وجدت ذلك الرئيس, ليس فقط بالنسبة لي, ولكن للجيل الجديد في أمريكا.
كان يوما جميلا واستثنائيا لأوباما ومؤيديه, فالعائلة الحبيبة للشعب الأمريكي, ورائحة رئيسهم الذي أغتيل غدرا, والمفضل, اختارت أوباما.
اجتمع حينها السيناتور أوباما بالسيناتور إدوارد كينيدي, وكارولين كينيدي في استاد رياضي بـ Bender Arena وسط آلاف الجماهير, فأعادت كارولين قراءة مقالها عن أوباما, وألقي إدوارد كينيدي خطابا تأيديا وصفه البعض بأنه خطاب تاريخي, فبدأت تتساقط أحجار الدومينو – المعارضة لأوباما – تباعا, وكانت الدفعة الأقوي – لا الوحيدة – لصعوده إلي البيت الأبيض.
تلك الأيام, وحين كان أوباما يتحدث عن ملهميه في حياته, كان يذكر ثلاثة أسماء دائما, القس مارتن لوثر كينج المرتبط بحركة الحقوق المدنية للأمريكيين- الأفارقة والتي وضعت حدا للفصل العنصري القانوني, والرئيس السابق إبراهام لينكولن والذي استخدم أوباما إنجيله في حفل تنصيبه, وجون كينيدي الذي لم يخف أوباما تأثره به سياسيا وإنسانيا.
الاثنان يتشابهان بملامح حياتهما, كينيدي وأوباما , وأبرز تلك الملامح:
_ الاثنان قلبا موازيين الحزب, فكينيدي كان شابا كاثوليكيا من أصول أيرلندية انتزع ترشيح الحزب الديموقراطي للمرة الأولي من البروتستانت والذين سيطروا علي الحزب لأكثر من 150 عاما, وأوباما ذو الأصل الأفريقي أنهي سيطرة الرجل الأبيض لأكثر من 200 عام علي ذات الحزب.
_ كان التغيير والأمل العنوان الرئيسي لحملتي كينيدي وأوباما, كينيدي قال ##التغيير هو سنة الحياة, وأولئك الذين ينظرون للماضي أو الحاضر فقط, بالتأكيد سيفقدون المستقبل##, وأوباما يقول ##التغيير لن يأتي إذا انتظرنا شخصا آخرا أو زمنا آخرا, نحن هم من كنا ننتظرهم, نحن التغيير الذي نبحث عنه##.
_ كينيدي كان عمره 37 عاما عند استلامه للرئاسة, وأوباما 44, وعندما كان الجمهوريون والمشككون بأوباما يتحدثون عن افتقاده للخبرة وصغر سنه, كان جواب داعمي أوباما أنه أكبر من كينيدي حين استلامه للرئاسة, كينيدي الذي أثبت أن القدرة علي تقدير الأمور تأتي قبل السن أحيانا.
_ كان الاثنان ملهمين في خطبهما للجماهير, وصاحبا التأثير الأكبر علي جيل الشباب, وأدار الاثنان حملات انتخابية لن تنساها الذاكرة والتاريخ الأمريكي.
ونعود إلي الماضي قليلا, تحديدا عام 1962 للميلاد, حين عرض مساعد الأمن القومي للرئيس جون كينيدي علي رئيسه صورا فوتوغرافية التقطتها طائرات أمريكية كانت تحلق فوق جزيرة كوبا تحوي مشاهدا لجنود سوفييت ينصبون صواريخ ذات رؤوس نووية موجهة إلي الولايات المتحدة. دق ناقوس الخطر في واشنطن,وكانت أياما عصيبة علي الرئيس كينيدي,فأي معالجة خاطئة للأزمة قد تحول الأمور لحرب نووية أفضل من وصفها هو سلف كينيدي الرئيس الأسبق (أيزنهاور) حيث قال ##إذا جرت الأزمة أيا من الطرفين لإطلاق الأسلحة النووية, فإن جميع البشر في النصف الشمالي من الكرة الأرضية قد ينتهون, إنها حقا أخطر أزماتنا##.
ولا يسع المجال هنا للحديث عن تفاصيل تلك الأيام الأربع عشر الرهيبة للأزمة, والتي كانت الاختبار الأكبر والأخطر لقدرات الرئيس كينيدي, فأركان الجيش, والكثير من السياسيين كانوا يقترحون عليه, ويضغطون أيضا, بأن يأمر بهجوم جوي علي تلك المواقع لتدمير تلك الصواريخ قبل أن تصبح جاهزة للتشغيل والإطلاق. ولكن كينيدي اختار الطريق الآخر, طريق الدبلوماسية, والذي حدا بالبعض أن يصفه جبانا, بل وتطورت الأمور لدرجة أن بعض قواد الجيش تصرفوا بشكل فردي أحيانا وبدون الرجوع إليه, ولم يكن بمقدوره تنحيتهم حينها لكي لا يظن السوفييت أن انقلابا جري في أمريكا.
كانت أزمة مصيرية, ولكنها انتهت بأن عرض الأمريكيين عن طريق روبرت, شقيق كينيدي ومستشاره الأقرب,علي السفير السوفييتي بواشنطن العرض التالي: يقوم السوفييت بتفكيك تلك المعسكرات في كوبا ونزع الأسلحة حالا مقابل أن تنزع أمريكا أيضا صواريخها المنصوبة في تركيا والموجهة للاتحاد السوفييتي. بعد ستة أشهر, خطر ينزع مقابل نزع خطر آخر, وتكون الرواية الرسمية الأمريكية للإعلام أن تلك الصواريخ قديمة وكان مرتبا لها أن تزال, وأي تسريب إعلامي من السوفييت عن تفاصيل الاتفاقية سيلغيها فورا, وقبل السوفييت وانتهت تلك الأزمة ومرت الأمور بسلام. والأهم هنا أن جون كينيدي أثبت قدرته السياسية ونجاح خيار الدبلوماسية, وخرج من الأزمة منتصرا.
اليوم نمر بظرف مشابه نوعا ما, إيران تلعب دور السوفييت, وإسرائيل هي أمريكا, والأزمة نووية, والمؤسسة العسكرية الأمريكية ومن خلفها إسرائيل, تدعوان للحرب وتمارسان الضغوط من أجلها, بل إن الاتهامات بالجبن والسذاجة التي أطلقت علي كينيدي تطلق الآن علي أوباما.
باختصار أوباما يعيش الآن لحظات كينيدي, والتاريخ يعيد نفسه وإن اختلفت المعطيات واللاعبون.
هل سيتصرف أوباما كملهمه كينيدي ويمنح إيران ثمنا كبيرا في سبيل الوصول إلي حل للأزمة؟
وأي سعر سيدفع؟, وأي خطر سيزيل وينزع عن إيران؟..
بقي القول إن الاثنين متزوجان من نساء تعشقهما الكاميرا والشارع , ويشار كثيرا إلي تشابههما, ذكاء وأناقة وحضورا, السيدات الأولي لأمريكا جاكلين كينيدي سابقا وميشيل أوباما حاليا.
كل ما نتمناه ألا يتشابه أزواجهما في الخاتمة أيضا.
* نقلا عن موقع ## إيلاف## الإلكتروني