قبل سنة من الآن وصف أوباما الموجة الملحمية من الثورات التي انطلقت من تونس ومصر بأنها ##فرصة تاريخية للولايات المتحدة…##. وأضاف وقتها أنه علي أمريكا دعم ##التغيير الذي يرسي تقرير المصير والفرص للشعوب##
قبل سنة من الآن وصف أوباما الموجة الملحمية من الثورات التي انطلقت من تونس ومصر بأنها ##فرصة تاريخية للولايات المتحدة…##. وأضاف وقتها أنه علي أمريكا دعم ##التغيير الذي يرسي تقرير المصير والفرص للشعوب##, مؤكدا في الوقت نفسه بأننا نحن الأميركيين ##نستطيع خلق الفرق## والتأثير في مجريات الأمور, لكن اليوم, وبعد مرور كل هذه الشهور علي انطلاق الشرارة الأولي للثورات, بدا وكأن ما اصطلح علي تسميته بـ##الربيع العربي## انحرف إلي ملحمة من الفوضي والاضطراب السياسي.
ففي سورية علي سبيل المثال, اندلعت حرب أهلية قبيحة يمكنها بكل سهولة الانتشار إلي باقي أقطار المشرق. أما في مصر, فقد أدي فوز مرشح إسلامي في أول انتخابات ديموقراطية تشهدها مصر منذ عقود إلي التأسيس لمرحلة من الصراع علي السلطة بين القوي السياسية والجيش, فيما اليمن ما زالت واقعة تحت مخاض الصراعات المستمرة مع المتشددين, مع تواصل الفوضي في بلدان مثل ليبيا والبحرين, ووسط كل ذلك تظل تونس البلد الوحيد الذي يعد بتدشين مرحلة جديدة من الديموقراطية والتنمية, وإن كان الأمر لم يحسم بعد بالنسبة للطريقة التي ستتعامل بها الحكومة الإسلامية مع باقي القوي السياسية وكيف ستحكم البلاد في الشهور المقبلة.
وبالطبع غني عن القول إن سكان الشرق الأوسط أنفسهم يتحملون الجزء الأكبر لما آلت إليه الأمور في بلدانهم بعد الثورات الأخيرة, لكن وبالنظر إلي التوقعات الكبيرة التي أبداها أوباما من المخاض العربي, يحق لنا التساؤل عن مسئوليته في الفوضي التي تعرفها منطقة الشرق الأوسط.
ومن أجل الحصول علي إجابة وافية, طرحت السؤال علي أكثر من جهة سواء في المنطقة, أو خارجها وتوجهت بالاستفسار إلي المصريين والإسرائيليين والروس والسعوديين والليبيين. وكما هو متوقع, اختلقت الأجوبة اختلافا كبيرا ليصل حد التناقض, لكن رغم التنوع في الإجابات, نما إجماع شبه كلي حول شيئين اثنين: الأول أن الولايات المتحدة ورئيسها كان لهما بالفعل تأثير علي النتيجة التي انتهت إليها الأمور في الشرق الأوسط, والثاني أن هذا التأثير كان في مجمله سلبيا.
ولنبدأ بمصر, فمن وجهة نظر الإسرائيليين والسعوديين كان أوباما أحمقا كي يتخلي عن الرجل القوي, حسني مبارك, والحليف الوثيق للولايات المتحدة, والنتيجة أن ما كان يتوقعه الرجل المطاح به من صعود الإسلاميين المناهضين عادة للولايات المتحدة وإسرائيل وسيطرتهم علي البلاد تحقق بالفعل بعد الانتخابات الرئاسية الأخيرة.
لكن هذا التحليل مجاف تماما للصواب من وجهة نظر الديموقراطيين المصريين, فخطأ أوباما كان فشله في الوقوف إلي جانب الثوار عندما بدأ الجيش يسترد وبشكل ممنهج النظام القديم وكان آخر مظاهره قرار حل البرلمان, وكانت اللحظة الأساسية لتخلي أوباما عن الثورة في شهر مارس الماضي عندما فك الكونجرس الأمريكي الارتباط بين المساعدات الأمريكية إلي الجيش المصري وتحقيق التقدم الديموقراطي, بل تنازلت أمريكا عن شروط تقديم المساعدات حتي بعدما استمرت المحاكمات العسكرية للموظفين المصريين لدي منظمات أمريكية تشتغل في مجال الدفاع عن الديمقراطية, وهو ما عبر عنه بهي الدين حسن, من معهد دراسات حقوق الإنسان بالقاهرة قائلا: ##كانت الرسالة التي بعثت بها الولايات المتحدة للثورة المصرية مفتقدة للأخلاق, فقد كان واضحا أن ما يهم أمريكا بالدرجة الأولي هو الطرف المتواجد في السلطة والقادر علي البقاء فيها متمثلا في المجلس العسكري##.
وبعد الغضب الذي أبداه السعوديون إزاء الموقف الأمريكي من مصر, ها هم اليوم يستشيطون مما يعتبرونه تنصل أمريكا من مسئولياتها في الإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد قبل أن يغرق المنطقة في حرب طائفية. لكن هذه كانت وجهة نظر السعوديين, أما الروس فلهم رأي آخر يعتبرون فيه أنه بالمطالبة العلنية بإسقاط النظام في دمشق يشجع أوباما المعارضة علي حمل السلاح, وكما حذر مسئول روسي بارز خلال زيارته إلي واشنطن ##مرة أخري تدعمون تغيير النظام دون معرفة من سيأتي بعده##, مرددا بذلك ما سبق للرئيس بوتين أن قاله لأوباما خلال قمتهما في الأسبوع الماضي; وفقط الليبيون الذين تحرروا من حكم القذافي, يبدون مستعدين لتقديم بعض الثناء لأوباما, وإن كان الثوار إلي اليوم ما زالوا يحاولون دون نجاح كبير وبكثير من الصعوبات بناء قوات شرطة وجيش موحدين, مرجعين هذا الفشل أيضا إلي تقصير أوباما في تقديم الدعم.
والحقيقة أن هذه الانتقادات الموجهة لأوباما من هذا الطرف, أو ذاك تنتهي إلي خلاصة واحدة: أن فشل أوباما الأكبر ليس في عدم دعمه ##للربيع العربي##, أو في الاصطفاف وراء الخيار الخطأ, بل كان في تأرجحه بين أطراف النزاع, فقد كان علي مدار أحداث ##الربيع العربي## مترددا إلي أقصي الحدود وغير قادر علي اتخاذ قرار واضح وحاسم, والنتيجة أن نفر منه الثوار كما الأنظمة وأضاع بذلك التأثير الأمريكي في المنطقة. فقبل أن يتخلي أوباما عن مبارك دعمه في البداية, أما اليوم وفيما ينتقد مساعدوه الجيش لمحاولاته التمسك بالسلطة يغضون الطرف عن ذلك ولا يقومون بشيء, كما أنه في الوقت الذي يصر علي ضرورة رحيل الأسد ويسهل وصول المساعدات للثوار, إلا أنه أيضا يؤيد المبادرة التي ترعاها الأمم المتحدة والقاضية بالتوصل إلي تسوية سياسية بين النظام والمعارضة.
والخلاصة أن أوباما خلق الفرق خلال ##الربيع العربي## بعدم القيام بأي شيء, فبإخفاقه في استخدام المساعدات الأمريكية والتأثير الدبلوماسي والعسكري لدعم الإطاحة بالنظم الديكتاتورية ودعم التحول الديموقراطي يكون قد رجح كفه الأنظمة القديمة وساعد في ترسيخ الفوضي, ومع أنه ليس المسئول الوحيد علي ذلك, إلا أنه بالتأكيد يتحمل قسطا وافرا من اللوم.
واشنطن بوست