بالنظر إلي العوامل الكثيرة التي لا تخدم الاقتصاد الأمريكي, يعد التعافي الذي تحقق حتي هذه اللحظة معجزة حقيقية, لا سيما ونحن إزاء تعاف فريد من نوعه وغير مسبوق في تاريخ الاقتصاد الأمريكي, إذ لأول مرة يتم فيها الخروج
بالنظر إلي العوامل الكثيرة التي لا تخدم الاقتصاد الأمريكي, يعد التعافي الذي تحقق حتي هذه اللحظة معجزة حقيقية, لا سيما ونحن إزاء تعاف فريد من نوعه وغير مسبوق في تاريخ الاقتصاد الأمريكي, إذ لأول مرة يتم فيها الخروج من حالة الركود التي عاشها الاقتصاد دون توسع القطاع العقاري, وفي ظل انكماش قدرة الحكومات المحلية والولايات علي التوظيف للسنة الثالثة علي التوالي, هذا بالإضافة إلي تحسن الاقتصاد رغم استمرار ثقل الديون علي العائلات الأميركية لتتجاوز نسبته 100 في المائة من الدخل ما بعد الضرائب.
لكن ورغم كل هذه العراقيل تمكن الاقتصاد الأمريكي من تفادي العودة مجددا إلي دائرة الركود, والأمر أكثر من ذلك, حيث تواصل الصادرات الأمريكية, التي تعتبر أساسية لتحفيز النمو والدفع بالاقتصاد, الصمود في وجه الأزمة المالية المستفحلة في أوربا, بل مقاومة التراجع الملحوظ للنمو الاقتصادي في الصين والهند, وارتفاع قيمة الدولار ما يجعل من الصادرات الأميركية باهظة الثمن.
ولا ننسي أيضا أن أسعار النفط تعرضت لتقلبات شتي علي مدي السنوات الثلاث الماضية نتيجة الأحداث الدولية المتلاحقة مثل ##الربيع العربي##, لذا يبقي الملفت للنظر, في استعادة الاقتصاد الأمريكي لعافيته ليس البطء الذي تم به, بل تحقق من الأساس في ظل ظروف ضاغطة لا تسمح بذلك.
فقد كانت الاحتمالات مشرعة علي سقوط الاقتصاد الأمريكي في حفرة الركود بسبب البيئة غير المساعدة علي الصعيد الدولي, لكنه لم يفعل, حيث سجل الاقتصاد في الربع الثاني من العام الجاري نموا وصل إلي 847 مليار دولار ليتجاوز ما حققه خلال نفس الفترة في 2009, وهو ما يعادل نسبة نمو تقدر بحوالي 2.2 في المئة, وإذا كانت النسبة ما زالت بسيطة, إلا أنها بعيدة تماما عن مخاوف الركود.
ويمكن تعقب الجزء الأكبر من هذا التعافي الذي يعيشه الاقتصاد الأمريكي حاليا إلي السياسات التي أقرها أوباما والكونجرس, حيث تم التركيز علي دعم الاستثمارات التي ساعدت بدورها القطاع الصناعي ونشاط البناء التجاري, كما قدمت الحكومة الفيدرالية الدعم للولايات المتضررة, هذا بالإضافة إلي خفض الضرائب علي الطبقة الوسطي لتحفيز الاستهلاك.
وما زال تحقيق معدل نمو أكثر في المستقبل يعتمد علي المزيد من الإجراءات نفسها, لا سيما وأن هذه السياسات الفيدرالية عززت من قوة القطاع الخاص من خلال الاهتمام أكثر بالنشاط الصناعي عبر قانون التعافي والاستثمار الذي أقر في الكونجرس عام .2009
ومن السياسات الأخري المفيدة تقوية الاستثمارات وتمويل صناعة السيارات, يضاف إلي كل ذلك الوقوف إلي جانب الأسر الأمريكية التي تضررت من تبعات الأزمة وناءت تحت وطأة الديون الثقيلة من خلال تمديد تعويضات البطالة, وخصم الضرائب علي العمال, ثم رفع مخصصات التأمين الاجتماعي.
كل هذه الإجراءات تستهدف تدعيم الطبقة الوسطي وتعزيز دخلها, والنتيجة يمكن مشاهدتها من خلال الأرقام, حيث توسع الإنتاج الصناعي بنسبة نمو سنوي بلغت 5.6% خلال الفترة من يونيو 2009 إلي يونيو 2012 لتغطي بذلك علي الخسائر التي تكبدها القطاع الصناعي قبل بدء الركود الاقتصادي, كما توسع نشاط البناء بفضل الإنفاق الحكومي في الولايات والحكومات المحلية علي مشاريع إقامة الطرق وبناء المدارس ومد السكك الحديدية, وتشييد المستشفيات وغيرها من المشروعات التي أدت إلي نمو قطاع البناء بحوالي 3% خلال السنة الجارية ليعوض التراجع الذي شهده القطاع بسبب الأزمة, هذا بالإضافة إلي ارتفاع الدخل ما بعد اقتطاع الضرائب بنسبة 1.2 سنويا من 2009 وحتي 2012 مما ساعد علي تخفيف عبء الديون عن كاهل الأسر الأمريكية.
كل هذه التطورات رافقها صعود معدل التوظيف في أمريكا ابتداء من فبراير 2010, واليوم أصبحنا نتوافر علي ثلاثة ملايين وظيفة إضافية مقارنة بما توافرنا عليه في 2009, وتزامن ذلك مع انخفاض نسبة البطالة التي تدنت دون مستوي 8% للمرة الأولي منذ أربع سنوات.
ومع توسع الإنتاج الصناعي الأمريكي, جاء أيضا تحسن القدرة التنافسية للولايات المتحدة علي الصعيد الدولي الذي انعكس في معدل نمو الصادرات السنوي علي مدي السنوات الثلاث الماضية بوصوله إلي نسبة 8 في المئة, لذا تظل الملاحظة الملفتة بشأن الاقتصاد الأمريكي هي قدرته علي مواجهة الظروف الصعبة لتحقيق هذه الإنجازات وليس ما إذا كان حققها بالسرعة المطلوبة.
وهذا لا يعني أن لا نطالب بوتيرة أسرع في تحقيق النمو وتحسين الأداء العام للاقتصاد وخلق عدد أكبر من الوظائف للأمريكيين, بل بالعكس يظل الدرس الأول المستخلص من الأزمة هو إزالة العراقيل أمام الاقتصاد لمواصلة طريقه قدما والاستمرار في إقرار نفس السياسات التي حفزت النمو مثل مساعدة الولايات المنفردة علي إبقاء موظفيها بدل تسريحهم.
أما الدرس الثاني المستفاد من الأزمة فهو قدرة صناع السياسة علي اتخاذ القرارات الصحيحة, فقد أثبت السياسات المتبعة منذ اندلاع الأزمة في 2009 مثل خفض الضرائب علي الطبقة الوسطي وتوسيع الإنفاق الحكومي علي قطاع البناء والتدخل لإنقاذ صناعة السيارات أنها فعالة ومؤثرة من خلال دورها في إنقاذ الاقتصاد ومنع سقوطه في مستنقع الركود.
باحث بارز في مركز التقدم الأمريكي وأستاذ السياسات العامة بجامعة ماساتشوستس ببوسطن
كريستيان سيانس مونيتور