واشنطن: قال الرئيس باراك أوباما إن الدين كثيرا ما استغل لبث الفرقة بين الناس واتخذ ذريعة لعدم التسامح ##وشنت الحروب وأزهقت الأرواح واضطهدت أديان بكاملها باسم ما اعتقد أنه السبيل القويم.##
وفي مأدبة فطور تخللتها صلاة في البيت الأبيض, يوم الخميس 5 فبراير, حضرها جمع غفير من الشخصيات السياسية والمدنية والدينية الأمريكية والعالمية, دعا أوباما إلي الألفة والمحبة قائلا إنه ما من دين من الأديان, رغم تباين أركانها, قام علي البغضاء والكراهية.
واستشهد أوباما في دعوته بما حضت عليه الأديان الكبري الثلاثة, اليهودية والمسيحية والإسلام وغيرها من الأديان, من محبة الناس بعضها البعض والمعاملة علي أساس من الكرامة والاحترام المتبادلين, قائلا إن تلك قاعدة ذهبية لخدمة الإنسانية.
في ما يلي نص كلمة الرئيس أوباما في هذه المناسبة:
أسعدتم صباحا. أود أن أشكر الرئيسين المشاركين لهذا الفطور, النائبين هيث شولر وفيرنون إلريس. كما أود أن أشكر توني بلير (رئيس وزراء بريطانيا السابق) ونائب الرئيس جو بايدن وأعضاء حكومتي وأعضاء الكونجرس ورجال الدين والأصدقاء والوجهاء من مختلف أنحاء العالم.
ميشال (السيدة الأولي) وأنا, يشرفنا أن ننضم إليكم في الصلاة هذا الصباح. أنا أدرك أن هذا الفطور له تاريخ طويل في واشنطن, وبما أن الدين كان دائما قوة موجهة في حياة أسرتنا فإننا نشعر وكأننا بينكم في دارنا ونتطلع إلي المحافظة علي بقاء هذا التقليد حيا خلال فترة وجودنا هنا (في البيت الأبيض).
قيل لي إنه تقليد نشأ أصلا قبل سنين طويلة في مدينة سياتل (بولاية واشنطن). فقد بدأ في ذروة الكساد الكبير حين وجد معظم الناس أنفسهم بلا عمل, ووقع الكثيرون ضحية الفقر, وفقد البعض كل شيء.
بذل قادة المجتمع كل ما في وسعهم من أجل عون أولئك الذين كانوا يقاسون بين ظهرانيهم. ثم قرروا بعد ذلك أن يعملوا أكثر مما فعلوا, فصلوا. لم يكن مهما أو ذا بال لأي حزب أو طائفة دينية انتموا. فقد اجتمعوا ذات صباح مجرد إخوة وأخوات ليتقاسموا وجبة طعام ويتوجهوا إلي الله بابتهالاتهم.
وسرعان ما نما ذلك التقليد الحميد وانتشر في أرجاء سياتل ثم امتد سريعا إلي المدن والبلدات عبر أمريكا آخذا طريقه إلي واشنطن في نهاية المطاف. وبعد وقت قصير من طلب الرئيس أيزنهاور الانضمام إلي مجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ في فطور وصلاة, أصبح التقليد حدثا قوميا. وقد خطر لي وأنا أري الرؤساء والوجهاء الحاضرين هنا من كل ركن من أركان العالم, أن هذه مناسبة من الفرص النادرة التي ما زالت تجمع بين كثير من أنحاء العالم في لحظة من السلام والمودة.
لقد أثرت هذا الجانب التاريخي لأننا كثيرا ما شهدنا الدين يستخدم أداة للشقاق بيننا وتفريقنا, وكذريعة للتحيز وعدم التسامح. فشنت الحروب, وأزهقت أرواح الأبرياء, وتعرضت أديان بكاملها للاضطهاد, وكل ذلك باسم ما يعتقد أنه السبيل القويم.
ما من شك في أن طبيعة الدين الحقيقية تعني أن بعض معتقداتنا لن تكون أبدا متماثلة. فنحن نتلو كتبا مختلفة, ونستجيب لفتاوي وأحكام مختلفة, ونعتقد بروايات مختلفة حول كيفية من أين أتينا وإلي أين نحن صائرون, وهنا يوجد بعض ممن لا ينتمون إلي أي دين بالمرة.
غير أنه بغض النظر عما نختار مما نؤمن به, ينبغي لنا أن نتذكر أنه ما من دين يقيم أساسه علي البغضاء والكراهية. فليس هناك من رب يغفر سلب حياة بريئة. هذا أمر نعيه جيدا.
نعلم أيضا أنه مهما كانت خلافاتنا فهناك قانون واحد يربط بين الديانات الكبري كلها. قال السيد المسيح: ##تحب قريبك كنفسك## وأمرت التوراة بأن ##لا تفعل بالآخرين ما لا تريدهم أن يفعلوه بك##. وفي الإسلام جاء في الحديث الشريف ##لا يؤمن أحدكم حتي يحب لأخيه ما يحب لنفسه.## ويصح نفس هذا القول علي ما يؤمن به البوذيون والهندوس ومن تبعوا كونفوشيوس وعلي الإنسانيين. فهو بطبيعة الحال القاعدة الذهبية, الدعوة إلي محبة الآخرين وفهم البعض للبعض الآخر, ومعاملة أولئك الذين نشاركهم لحظة وجودنا علي هذه الأرض بكرامة واحترام.
إنها قاعدة عريقة, قاعدة بسيطة, لكنها تشكل واحدة من أكبر التحديات. فهي تطالب كل واحد منا بأن يتحمل قدرا من المسئولية تجاه خير أناس قد لا نعرفهم أو لا نتعبد معهم أو قد لا نتفق معهم حول كل قضية وشأن. وتطالبنا أحيانا بأن نتصالح مع أمر أعدائنا أو نسوي أحقادنا القديمة. وذلك يتطلب إيمانا حيا منتعشا فاعلا. وهو لا يطالبنا بأن نؤمن وحسب, بل وبأن نعمل, وبأن نهب من أنفسنا شيئا لخير الآخرين وخير عالمنا.
ويمكن للدين الخاص الذي يحرك دوافع كل منا بهذه الطريقة أن يعزز مزيدا من شعور الخير فينا جميعا. فبدلا من أن تفرق معتقداتنا المختلفة بيننا, يمكنها أن توحدنا وتجمعنا علي إطعام الجياع وإعانة المنكوبين وصنع السلام حيث الصراع, وبناء ما تهدم, وانتشال من جار عليهم الزمان. هذه دعوة لنا لا لمجرد أننا أناس أصحاب دين, بل لأنها واجبنا كمواطنين أمريكيين, وسوف تكون هدف مكتب البيت الأبيض للشراكات القائمة علي الأديان والجوار الذي سأعلن عن قيامه في وقت لاحق اليوم.
لن يكون الغرض من هذا المكتب أن يحابي دينا علي حساب آخر, أو حتي جماعات دينية علي حساب جماعات علمانية. فهو سيعمل لصالح تلك المنظمات التي تريد أن تعمل باسم مجتمعاتنا, وأن تؤدي عملها دون أن تغشي الخط الذي رسمه أسلافنا المؤسسون بحكمة بين الكنيسة والدولة. فإن هذا العمل مهم لأنه سواء بذلته الجماعات العلمانية التي تقدم النصيحة والمشورة للأسر التي تواجه الحجز علي بيوتها, أو الجماعات الدينية التي توفر التدريب المهني لمن هم بحاجة إلي العمل, فقلة هي الأقرب إلي ما يحدث في شوارعنا وفي أحيائنا من تلك المنظمات. فالمجتمعات تعتمد عليها, ونحن سنمد لها يد العون.
وسنتواصل أيضا مع القادة والعلماء في أنحاء العالم ونتعهد بالرعاية حوارا أكثر عطاء وسلاما حول الأديان. صحيح أنني لا أتوقع للانقسامات أن تزول وتختفي بين ليلة وضحاها, ولا أعتقد أن الآراء والخلافات القائمة منذ زمن طويل ستتلاشي فجأة. لكنني أومن بأننا إذا خاطب بعضنا البعض بصراحة وأمانة, قد تعود الانشقاقات القديمة إلي الالتئام وتبدأ شراكات جديدة في الظهور. ولعلنا نستطيع في عالم متضائل علي مر الأيام أن نطرد قوي التعصب الهدامة ونفسح المجال أمام قوي التفاهم الشافية.
هذا هو أملي, وهذه صلاتي.
إنني أومن بأن ذلك أمر ممكن, لأن ديني يعلمني أن كل شيء ممكن, لكنني مؤمن بذلك أيضا بالنظر لما شهدت ولما عشت.
أنا لم أنشأ في أسرة ذات خاصية دينية. إذ كان لي أب ولد مسلما ثم انقلب ملحدا, وجدان غير ممارسين من الطائفة المعمدانية المنهجية, وأم شكاكة في المؤسسة الدينية المنظمة مع أنها كانت أرق الناس الذين عرفتهم وأعمقهم روحانية. كانت هي التي علمتني المحبة في طفولتي وجعلتني أفهم وأن أفعل للآخرين ما أود فعله لنفسي.
لم أصبح مسيحيا إلا بعد سنوات, عندما انتقلت إلي الحي الغربي من شيكاغو بعد تخرجي في الجامعة. لم يحدث ذلك بفعل تعليم عقائدي أو وحي مفاجئ, بل لأنني قضيت الشهور, شهرا بعد شهر, في العمل مع رعية الكنيسة الذين رغبوا في إعانة أولئك الذين حطت بهم المقادير, بغض النظر عن شكلهم أو المكان الذي قدموا منه أو لمن توجهوا إليه بصلواتهم. وفي تلك الشوارع, وتلك الأزقة سمعت لأول مرة روح الله تدعوني. وهناك شعرت أنني مدعو لمهمة أكبر, مهمة خدمته.
إنها تلك الروح وذلك الإحساس بالغرض هما اللذان اجتذبا الأصدقاء والجيران بطرق مختلفة وأشكال متباينة إلي أول فطور وصلاة في سياتل قبل تلك السنوات الطويلة وفي أيام عصيبة واجهتها بلادنا. وهي التي جاءت بالأصدقاء والجيران من كثير من الأديان والشعوب إلي هنا اليوم. أتينا كي نتقاسم الخبز ونحمد المولي ونسأل الرشاد, ثم لكي نكرس أنفسنا من جديد للتبشير بالمحبة وللخدمة الكامنة في كل أفئدة الإنسانية. وكما قال القديس أوغسطين ##صلوا كما لو كان كل شيء يعتمد علي الله, واعملوا كأن كل شيء يعتمد عليكم.##
والآن وفي صباح هذا اليوم من فبراير فلنصل معا, ولنعمل معا أيضا في كل الأيام والشهور القادمة. فمن خلال الكفاح المشترك ومن خلال الجهد الجماعي كأخوة وأخوات ننجز أسمي الأغراض كأبناء أحباء إلي الله. وإنني أدعوكم للانضمام إلي في هذا الجهد وأرجوكم أن تصلوا من أجلي ومن أجل عائلتي ومن أجل استمرار كمال اتحادنا. وشكرا لكم.
يو.إس جورنال