دخلت ممارسات الدجل والشعوذة سوق الاستثمارات العربية من أبواب سرية وشديدة الخطورة,فلم تعد هذه الممارسات مقتصرة علي أنصاف المتعلمين,بل انضم إلي خيوطها عناصر من النخب المثقفة,وتبين أن الدول العربية تنفق أكثر من خمسة مليارات دولار سنويا علي الدجل والشعوذة حسب إحصائيات نشرت مؤخرا…وحول هذه الظاهرة وخطورتها علي المجتمع المصري,ومعرفة أبعادها النفسية والاجتماعية كان لـوطني هذا التحقيق…
أنواع للدجل
في البداية قال الدكتور أحمد الكتامي الباحث بالمركز القومي للبحوث النفسية إن مظاهر الدجل والشعوذة تتنوع لدي العامة ما بين قراءة الفنجان وعمل الأحجبة,أو طرد الأرواح الشريرة,أو التداوي بأدوية الأعشاب,مشيرا إلي أن الأمر لم يعد مقتصرا علي مصر,وإنما انتشر في كثير من الدول العربية.
أشار الدكتور الكتامي إلي أن بعض الدول العربية شددت في قوانينها علي معاقبة الدجالين والمشعوذين بعقوبات صارمة بحيث لا تقل فترة العقوبة عن ثلاث سنوات حبسا,بالإضافة للتغريم المادي ومنها علي سبيل المثال دولة الأردن,كما أن النساءهن الفئة الأكثر إقبالا في الوطن العربي علي زيارة السحرة والمشعوذين والذين يدعون قدرات خاصة,لذلك تعتبر النساء أكثر الضحايا,بالرغم من الوعي والعلم والتقدم فمازالت النساء تقعن في تلك الممارسات الخاطئة.
طقوس وخرافات
بسؤال الدكتورة عزة كريم أستاذة علم الاجتماع بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية عن الدراسة التي أشارت إلي أن هناك مجموعة من الطقوس تمارسها السيدات بغرض الإنجاب منها الدوران سبع مرات وإلقاء قطع من الخبز والحلوي أو سبع قطع نقود معدنية وارتباطها بفكرة تقديم القرابين لإرضاء الآلهة أو القوي الخفية علقت بقولهاإن هذه الدراسة غير صحيحة لأن مثل هذه الأمور تمارس في السر,ولا نستطيع إحصاءها,وأن المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية لايهتم بهذه الأمور.
أشارت الدكتورة عزة إلي أن بعض الشعوب تعاني من الأساطير والخرافات,وهناك أيضا شعوب تخلصت من هذه الأساطير,ولكن السبب في عودتها مرة أخري,رغم التقدم هو رفض الإنسان للواقع الذي يعيشه,وعجزه عن وجود حلول لمشاكله,فتدني الأوضاع الصحية والاجتماعية تجعل الإنسان يبحث عن أية فرصة للأمل,وإن كانت بطرق غير منطقية,فالإنسان بطبعه يخاف اليأس والفشل,خاصة عندما تعجز الطرق المنطقية,يبدأ في اللجوء والدخول في دائرة المعتقد والموروث والأساطير التي تروي.
الشعوذة لكسب لقمة العيش
أما الدكتور عبد الصبور شاهين الأستاذ بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة قال إن الدجل والشعوذة هما وسيلة مقنعة لكسب لقمة العيش,يضللون أصحابها البسطاء بإقناعهم أنهم يساعدوهم لوجه الله دون مقابل,وفي حقيقة الأمر هي وسيلة لكسب الرزق من وراء المعتقدين في تلك الأمور,وهذه الخرافات والمعتقدات يتم انتشارها خاصة في المجتمعات التي تزداد فيها نسبة الأمية,حيث يبحوث عن الحلول السريعة دون محاولة للتفكير.
أشار الدكتور عبد الصبور إلي أن العلاج الأمثل لهذه العادات هو التربية السليمة,والتوجية التربوي والاعتماد علي العلم,وكذلك المسجد والكنيسة عليهما عبء في توعية المواطنين عن حقيقة هذه العادات والخرافات,حتي يتم القضاء عليها نهائيا,لا تفشيها في المجتمع كمرض السرطان ينحرفي عقول أفراده.
الرغبة في معرفة المجهول
ومن جهتها أشارت مرفت العماري أستاذ مساعد منسق مشروع الاستماع بمركز النديم أن هناك مجموعة من العوامل التي تجعل الإنسان يلجأ إلي الدجل والشعوذة أهمها رغبته في معرفة المجهول أو الغيب-عدو الإنسان هو ما يجهله-فالعلم يحاول أن يعطي الأسباب المنطقية وتحليلها.أما إذا نظرنا إلي المشكلة من وجهة النظر الاقتصادية قد نجد أن بعض الأسر الفقيرة وبالتالي غير المثقفة يلجأون إلي التفكير والتخوف من عمليةالربط المتعلقة بالزواج في حالة تأخر سن الزواج خاصة للفتيات,فتلجأ الأم إلي البحث عن عرافة أو دجالة لمعرفة سبب تأخر الزواج وما المصير المنتظر لهن.فأغلب خبراتنا غير علمية لأننا نعتمد في كافة أمورنا علي الثقافة السمعية وليست المعرفة الحقيقة لأسباب الأمور.
عرضت الدكتورة مرفت تجربة فتاة مخطوبة توجهت إلي المركز ولكنها كانت تعاني من حالة هستيرية,وانعواج في الفم وتتحدث بطريقة طفولية,وذهب بها والداها إلي أحد الشيوخ والذي قام بصفعها لاعتقاده أن بها مسا شيطانيا,وبالتحدث مع الفتاة اكتشفنا أنها تعاني من القسوة في المعاملة,وتعاني من حرمانها من الاهتمام والحب داخل أسرتها,حتي فكرت في اللجوء إلي هذه الطريقة ليهتم بها الأهل والخطيب الذي يرتبط بها من خلال الحضور لجلسات العلاج فهي بذلك أرضت رغبة قديمة كانت مخزونة في عقلها الباطن.
أضافت الدكتورة مرفت أن هناك ارتباطا بين المعتقد ورجل الدين فهناك تشويه في علاقتنا بالله,لذلك نبحث دائما عن وسيط ليتحمل المسئولية عنا,حيث الاعتقاد الراسخ بأن رجل الدين هو وحده الذي يملك الحقيقة لذلك نلجأ إليه دائما,وقد يكون للإعلام دور كبير في ترسيخ هذا المعتقد,والمتمثلة في الدراما المصرية كفيلم قنديل أم هاشم.
الأمثال والأدب الشعبي
ومن جهة أخري قال الدكتور إبراهيم أحمد شعلان-أستاذ الأدب الشعبي سابقا- إن الغيب موجود منذ القدماء المصريين بدءا من فكرة الحساب والعقاب وإله الشر والخير والقوي الشريرة…إلخ.والأدب الشعبي يحتوي علي مجموعة من الأمثال مازال الإنسان يرددها إلي الآن منها:إللي يخاف من العفريت يطلعله,الحاوي لا ينجو من الحياتوغيرها من الأمثال الشعبية.
تقول سيدة ربة منزل اقنعتني جارتي بأن أذهب إلي أحد الشيوخ حيث كنت دائمة الشجار مع زوجي,حيث قالت إن أحدا عملا لنا عمل بالفرقة بين زوجي وبيني,وذهبت لأحد الشيوخ (للأسف مجرد لقب فهو يكاد يقرأ بصعوبة) -علي حد قولها-وكان يأخذ مني في كل جلسة ما لا يقل عن500 جنيه بالإضافة لطلباته لأعشاب غريبة,استنزف مني الكثير علي أمل حل الخلاف بيني وبين زوجي,إلي أن وصلنا إلي الطلاق فأنا الآن أصبحت مطلقة ولم يستطع الشيخفلانأن يحل مشكلتي.
أما فتاة جامعية ومثقفة أخري تروي قصتها مع الدجل والشعوذة حيث قالت:أنا غير متزوجة,وأحب شابا ولكنه لا يعيرني أي اهتمام,مما اضطرني إلي اللجوء إلي دجال معروف بتقريب البعيد,وفك العقد,وتزويج البنات,فتوجهت إليه وأقنعني بأنه يستطيع أن يجعل هذا الشاب يأتي إلي زاحفا,حتي بدأ يساومني علي نفسي مقابل عدم دفع أموال مقابل عمله…فأتمني أن أحذر الفتيات والسيدات وأحثهن علي البعد عن البحث واللهث وراء الأوهام مثلي.