الأصل في القانون المصري أن تتم المحاكمات علانية.. ثم أجاز للمحكمة أن يجعل الجلسات سرية.. وما بين علانية وسرية المحاكمات كان لنا هذا التحقيق..
قال مجدي فخري عزيز المحامي إن كل دساتير العالم تنص علي علانية الجلسات والمحاكمات, نشرا للعدل وإعلاء لكلمة الحق, والأصل في القانون المصري أن تتم الجلسات علانية, بل إن القانون المصري أوجب علي المحكمة أن تصدر حكمها وأن يدلا به في جلسة علانية, ولكن استثني المشرع علي هذا الأصل – وهو علانية المحاكمات – بأن أجاز للمحكمة أن تأمر بجعل بعض الجلسات سرية متي رأت في ذلك مصلحة لسير العدالة أو حفاظا علي النظام العام أو مراعاة للآداب أو لحرمة الأسرة, وهذا النوع من الجلسات السرية عادة ما يكون متوفرا في دعاوي الأحوال الشخصية, وهذا الاستثناء خاص بعدالة النقض محكمة النقض, وحينما تري المحكمة وجوب أن تكون الجلسة سرية لابد أن يكون لها ما يستند إليه في جعل الجلسة سرية.
واستطرد مجدي فخري المحامي قائلا: إن الأمر لا يتعلق بهواة المحكمة, وإنما يجب أن يكون مسببا, فيجب ألا ننسي دور وسائل الإعلام في نشر هذه المحاكمات السرية, فهو دور فعال وهو حق أصيل للمجتمع الذي لا يستطيع حضور هذه الجلسات السرية, ودور وسائل الإعلام في نشر هذه المحاكمات السرية مطلب للدولة وللقضاء قبل أن يكون للمتهم, ولكني أناشد كل وسائل الإعلام أن تتحري الدقة في كل ما يصل إليها من معلومات تخص أي محاكمة تتم سرا حتي لا تقع تحت طائلة القانون.
المحاكمات في الأصل علانية
واتفق مع الرأي السابق عادل إدوارد لبيب المحامي بالنقض والدستورية العليا قائلا: جلسات المحاكمات في الأصل علانية, ولكن للمحكمة الحق المطلق في أن تأمر بجعل الجلسة سرية لسماع المرافعة كلها أو بعضها, فليس علانية الجلسة في مسائل الفسق أو الآداب وجها من أوجه النقص إذا كانت المحكمة لم تأمر بجعل المحاكمة سرية, كما أنه ليس ضروريا أن يكون القرار من المحكمة يجعل الجلسة سرية, وإنما قد يكون صادرا بحكم مستقل يكفي إثبات القرار به في محضر الجلسة.
وأوضح الدكتور رابح راتيب وكيل كلية الحقوق بجامعة بني سويف أنه ما لم تكن هناك موانع حساسة للقضية, فإن الأصل في المحاكمات هي أن تكون علنية, باستثناء بعض الجلسات في الأحوال الشخصية خاصة قضايا الزنا والخلافات الزوجية, وقد يكون هناك مانع قانوني فيصدر رئيس المحكمة أو رئيس المجلس الأعلي للقضاء أو النائب العام خاصة في المحاكمات المنظورة حاليا أمام القضاء والخاصة بالنظام السابق.
أضاف د. راتيب قائلا: إنه حرصا علي مصلحة الأسرة أو المتهم أو سير الدعوة القضائية يتم جعل الجلسات سرية.
التأييد بسرية المحاكمات
أيد الخبير القانوني سمير صبري قرار المجلس الأعلي بمنع تصوير المحاكمات, مؤكدا أن وجود كاميرات داخل قاعات المحاكم يؤثر سلبا علي سير القضايا كما أنه يتعارض مع معظم اللوائح العالمية لنظر القضايا, ويؤثر علي مصداقية القضايا التي تتعلق بالفساد غير المشروع مما قد يستغل في عدم تنفيذه من جهات خارجية بذريعة عدم قانونية هذه المحاكمات.
أما نجاد البرعي الناشط الحقوقي أيد علانية الجلسات ودخول الكاميرات إلي القاعات ليس من باب التشفي وإنما ضمانا للعدالة ليتسني للرأي العام متابعة هذه المحاكمات وعدم التشكيك فيها وأيضا لأهمية توثيق هذه المحاكمات التاريخية في هذه الأحداث الاستثنائية.
أين حق الرأي العام
وعن مدي أحقية الرأي العام في متابعة سير هذه المحاكمات أوضح الدكتور علي عجوة العميد الأسبق لكلية الإعلام جامعة القاهرة أن هناك فرقا بين الرأي العام الواعي والناضج وبين السخط العام الذي يحدث في فترات الفورات في ظل الثورات مؤكدا أن الرأي العام يحترم حقوق الإنسان, سواء كان في موقع سلطة حالية أو سابقة, وأن هذا الحق يحترم حق الخصوصية بين القاضي والمتهم والدفاع بحيث لا تنشر كل التفاصيل الدقيقة, إلا ما يهم الرأي العام بعد المحاكمات.
واستطرد العميد الأسبق لكلية الإعلام قائلا: لا للخوض في الاتهامات المرسلة, إلا بعد التثبت من صحة المحاكمات وإصدار أحكام بشأنها, وفي هذه الحالة من حق الرأي العام أن يعرف لماذا صدر هذا الحكم وما حيثياته, لكي يكون مطمئن للنتيجة التي انتهي إليها, أما النشر قبل ذلك فيه تأثير علي الرأي العام من ناحية وكذلك المحكمة من ناحية أخري, وهذا يتنافي مع أبسط حقوق الإنسان في العدالة وإثبات البراءة إذا كان المهتم بريئا.
نوه د. علي عجوة إلي أن الإعلام في مرحلة اللانضج ينساق وراء حالة الانفعال العام أو السخط متأثرا بمناخ الثورة والفوران ويعتبر أن هذا الأمر طبيعيا ويطلق أحكاما مطلقة علي الأفراد والنظام الذي أنتمي إليه بغير حق قانوني.
أسباب منع التصوير للمحاكمات!
في أوائل شهر أكتوبر من العام الماضي أصدر مجلس القضاء الأعلي المصري برئاسة المستشار سري صيام قرارا بالإجماع بمنع التصوير أو إذاعة داخل قاعات المحاكمات وهو يتناول ثلاث نقاط حظر تصوير وإذاعة القضايا في مراحل التحقيق وخطر تصوير أو بث أو النقل المباشر, وغير المباشر لجميع جلسات المحاكمات فلا يجوز نقل أو بث أو تسجيل أو إذاعة وقائع المحاكمات بواسطة أي وسيلة من وسائل الإعلام, ولا يجوز تصوير الوقائع, وهيئات المحاكم, والدفاع, والشهود, والمتهمين أثناء إجراءات المحاكمات والنقطة الثالثة حظر تناول القضايا في وسائل الإعلام فيجب تجنب التناول الإعلامي بأي طريقة من طرق العلنية للدعاوي في جميع مراحل التحقيق والمحاكمة, علي نحو يتضمن الإخلال بهيبة أي من القضاة أو رجال النيابة العامة أو إبداء ما من شأنه التأثر فيهم أو التأثير في الشهود أو الرأي العام لمصلحة طرف في المحاكمة أو التحقيق, أو ضده وعدم الخوض في الدعاوي أو التعليق علي مجرياتها أو الأحكام غير الباتة الصادرة فيها وذلك من جانب الكافة بمن فيهم القضاة والمحامين وسائر السلطات والجهات, وذلك اتقاء لحدوث البلبلة وزعزعة ثقة الرأي العام في عدالة القضاء.
من جانبه قال ناصر أمين مدير المركز العربي لاستقلال القضاء والمحاماة: في المراحل المشابهة لما يحدث حاليا في مصر بعد الثورة نشهد محاكمات بعض القيادات الفاسدة في الأنظمة السابقة وهو ما يتطلب أن تكون المحاكات ذات طبيعة خاصة, بأن تصبح علانية بالكامل سواء التمكن من المشاركة فيها ومتابعتها من قبل الجمهور مباشرة أو من خلال وسائل الإعلام, فالمحاكمات قد تقتضي مشاركة المواطنين في متابعتها, ونظرا لأن هؤلاء المتهمين ليسوا عاديين لكنهم قادة نظم والرغبة في المتابعة يجوز أن تصل إلي آلاف من المواطنين وهو ما لا تتسع له قاعات المحكمة, ومن ثم يجب أن يكون هناك متابعة إعلامية من خلال شاشات التليفزيون وعدسات المصورين الصحفيين.
وأضاف: هناك ضرورة ملحة من البث المباشر للمحاكمات علي شاشات التليفزيون لتحقيق مبدأ العلانية والمبدأ الخاص بالدفع بالتصالح مع الماضي بعد مشاهدة محاسبة قادة النظام السابق. وهذا المطلب أساسي وحيوي ولا يجب الوقوف أمام تنفيذه من قبل السلطات, أو التعنت بحظر التصوير لأنها واجبة وضرورية, ومن دون ذلك سوف تكون هناك فرصة للخلط حول وجود تواطؤ, فالشعب يجب أن يكون عالما بمجريات المحاكمة. وأكد أن السماح بتصوير المحاكمات كاملة يعد ضمانة لعدم وجود أي فساد في المحاكمات, وضمانة للمتهمين بعدم الانفراد بهم أو الانتقام منهم دون مقتضي, وضمانة لهم بتطبيق المعايير الدولية في المحاسبة والمحاكمة العادلة.
شدد علي ضرورة العدول عن قرار حظر تصوير المحاكمات في هذه المرحلة الانتقالية وذلك لطبيعة هذه المرحلة ولطبيعة المتهمين وتهم الجرائم التي يحاكمون علي أساسها.