أصبحت قضية الاعتماد علي تكنولوجيا الطاقة المتجددة في ظل وجود أزمة الطاقة الحالية والتهديدات المتوقعة بنضوبها من الأولويات التي تتربع علي عرش القضايا البيئية التي تفرض نفسها علي الساحة في الوقت الحالي لمواكبة التوجه العالمي, والذي يسعي لزيادة مشاركة الطاقة النظيفة كبديل أمثل للطاقة التقليدية (البترول, الفحم, ..) خاصة أنه من المتوقع أن يصل عدد سكان العالم إلي 10 مليارات نسمة بحلول عام 2050, وهو ما سيقفز احتياجه من الطاقة إلي خمسة أمثال الطاقة التي يتم توليدها حاليا.. الأمر الذي يستلزم معه البحث عن بدائل أخري من مصادر طبيعية لإنتاج الطاقة مستقبلا, ومنها جاء التفكير في استغلال الطاقة الشمسية في توليد الكهرباء من خلال تقنية الخلايا الشمسية والتي مازال انتشارها بمصر محدودا للغاية رغم استخدامها في كافة بلدان العالم علي نطاق واسع. لمعرفة الأسباب وموقف الجهات المعنية من هذه التقنية, كان لنا هذا التحقيق..
يقول دكتور محمد الشهاوي أستاذ الأرصاد الجوية بكلية العلوم جامعة القاهرة: الخلايا الشمسية أحد أهم اختراعات العصور الحديثة, والتي يمكن الإنسان بفضلها تأمين جزء لا بأس به من احتياجاته اليومية للطاقة عن طريق تحويل الطاقة الشمسية إلي طاقة كهربائية سواء بشكل مباشر أو غير مباشر, وتعود فكرة هذه الخلايا إلي عام 1839 عندما اكتشف العالم الفرنسي أدموند بكورنل أنه في حال تعرض قطب كهربائي للضوء وهو مغموس في محلول موصل ينتج عنه تيار كهربائي, ظلت هذه التجربة محط الأنظار والاهتمام إلي أن تمكن المخترع الأمريكي روسل أوهل في عام 1941 من إنتاج أول خلية شمسية مصنوعة من السليكون لاستخدامها في مختلف نواحي الحياة ولا سيما استخدامها في مجال القضاء منذ عام 1958 حينما أطلق القمر الصناعي فان جارد 1 وعلي سطحه 6 خلايا كهروضوئية (شمسية) تم إثبات الخلايا لفعاليتها فاستمرارية إرسال الإشارات دون توقف بالمقارنة بالبطاريات الأخري التي كانت تتوقف عن العمل بعد فترة وجيزة من انطلاق السفينة كانت خير دليل ولكن للأسف رغم اعتبار هذه التقنية مصدرا مثاليا لإنتاج الطاقة الكهربائية لكونها لا تتسبب في إحداث أي ضرر بيئي ولا ينتج عنها أية مخلفات أو غازات سامة إلا أن استخدامها بمصر مازال محدودا بالمقارنة بدول العالم.
تكلفة عالية
ربما يكون ذلك لأن تكلفة إنتاج الخلايا الشمسية عالية فتقف حجر عثرة أمام التوسع في استغلالها, ومن هنا أدرك العلماء أن التحدي الأكبر هو زيادة القدرة التحويلية للخلايا الشمسية أي قدرتها علي تحويل الطاقة الشمسية إلي كهربائية وتخفيض تكلفة إنتاجها وتدل بعض الدراسات أنه تم تحقيق مستوي جيد لنسبة التحويل المطلوبة بلغت 32.3% من الطاقة الشمسية إلي تيار كهربائي, ويعتقد الكثير من الباحثين أنه يمكن الوصول إلي نسبة تحويل قد تبلغ 40%, وأن مثل هذه الزيادة في القدرة التحويلية للخلايا الشمسية ينتج عنها تقليل حجم هذه الخلايا, وزيادة مقدار الطاقة الكهربائية الناتجة عنها, وبالتالي تقليل تكلفة إنتاجها وهو ما سيلعب دورا مهما في الحد من ظاهرة الاحتباس الحراري العالمية ومكافحة التلوث البيئي والذي أصبح الخطر الأول الذي يهدد الإنسانية في الوقت الراهن.
ضعف الإمكانيات
يحدثنا المهندس محمد الجبيلي -المدير المسئول عن تنفيذ مشروع الخلايا الشمسية بإحدي الشركات العاملة في مجال الطاقة الشمسية قائلا: إننا نعمل في هذا المجال منذ عام 2003 وإلي وقتنا هذا قمنا بتنفيذ حوالي عشرة مشروعات فقط (وهو عدد محدود نظرا للإمكانيات المتاحة) جميعها كامنة داخل المناطق النائية, ومنها توريد خلايا شمسية لقطاع البترول لتوليد كهرباء لاستخدامها في أغراض متعددة يعتبر القطاع الوحيد الذي يمول مشروعاته بالكامل أيضا إعداد خلايا شمسية لتوليد طاقة كهربائية لمشروع رفع مياه من بئر علي عمق 40 مترا بغرض الري بالتنقيط داخل مزرعة بمنطقة العريش, وذلك بالتعاون مع جامعة حلوان باعتبارها جهة استشارية في هذا المشروع والذي وصلت تكلفته إلي 250 ألف جنيه ويجري حاليا تنفيذ إقامة مشروع لرفع مياه بمنطقة الفيوم بتمويل خارجي.
يسترسل المهندس الجبيلي موضحا: المشكلة التي تواجهنا هي احتياجنا الدائم للتمويل لكون تكلفة المشروع عالية (تختلف حسب نوعية المشروع وطبيعة المكان) في ظل عدم مساندة الدولة لنا ممثلة في وزارتي البيئة والكهرباء وإغفالها لمثل هذه المشروعات وبالتالي عدم دعمها بأي شكل من الأشكال علي الرغم من أنها الجهات الأولي برعاية هذه المشروعات, وإدخال التقنيات الحديثة إلي حيز التنفيذ بشكل واسع لتحسين الأوضاع البيئية بدلا من إهدارها بهذا الوضع لتنتظر الدعم من الخارج سواء كان من المعونة الأمريكية أو الاتحاد الأوربي وغيرها خاصة أنها طاقة بديلة ومتجددة لا ضرر منها علي البيئة أو صحة الإنسان تعمل طوال النهار علي استقطاب أشعة الشمس وأثناء الليل كشحن للبطاريات بشرط أن تضع فوق العقار بزاوية ميل 45 درجة مئوية في الاتجاه الشرقي لأشعة الشمس. كما أنها نظيفة للغاية لا تتأثر بعوامل الجو سواء كان مطرا أو غيوما فهي لا تحتاج إلي صيانة أو إصلاحات فقط ما عليك هو تنظيفها بين الحين والآخر, حيث إن تركها لمدة شهر دون تنظيف يفقدها كفاءتها إلي النصف, إضافة إلي أن أشكالها متعددة وأنواعها كثيرة. ويتساءل الجبيلي:
لماذا كان للخلايا الشمسية كل هذه المميزات؟ فلماذا تتركنا الدولة هكذا دون مساندة للخروج بمثل هذه المشروعات إلي النور بصورة أكبر؟! ألسنا في حاجة للبحث عن طاقات بديلة ومتجددة تستثمر من أجل البشرية؟!
ينقصنا دعم الحكومة
ولمعرفة دور هيئة الطاقة في هذا الشأن التقينا مع المهندسة أمينة الزلباني, المستشار الفني لرئيس الهيئة للبحوث والاختبارات, والتي أوضحت أن دور الهيئة ينحصر في الجانب الاستشاري فقط.. حيث القيام بعمل اختبارات بالمعامل لقياس درجة قدرة الخلايا ومدي قدرة استهلاك الكهرباء لتشغيل الأجهزة المنزلية (ثلاجة, تكييف, سخان) من خلال تعرض الخلية لومضة ضوء لقياس درجة كفاءتها ودرجة الفولت, ومن ثم إيفاء المصنع المختص بالعينة, والتي عادة ما تصنع من السليكون لتوفير ذلك العنصر بالطبيعة وتمكن العلماء من دراسة خواصه بشكل مستفيض – بتقرير شامل يوضح كافة الفحوصات ونتيجة التقييم. كما أننا نرحب أيضا بالتعامل مع الأفراد بشكل فردي, إذ ما أراد أحد تنفيذ هذه التقنية لديه, حيث إعداد التصميم ودراسة المنطقة بالكامل واختيار المقاول المنفذ أيضا.
وهذا لا يمنع بأن الهيئة ساهمت في إنشاء العديد من المشروعات منذ عام 1986 حينما جاءتنا منحة من المعونة الأمريكية تطلب من الهيئة تطبيق مشروع واحد من كل تقنية أو تكنولوجيا جديدة وعليه قمنا بإعداد مشروع ضخ مياه من الآبار لاستخدامها في أغراض الري والزراعة. أيضا داخل الفيوم عند بحيرة قارون قمنا بعمل خلايا شمسية لتوليد طاقة كهربائية لعمل ثلج مجروش, وها هي تنتج حاليا 6 أطنان يوميا, وذلك لحل مشكلة الخوف من فساد الأسماك أثناء نقلها من مصائدها بالفيوم إلي القاهرة, ولكن جميعها مشاريع محدودة خارج القاهرة الكبري ومن وقتها لم تقم بتنفيذ أي مشروعات لانخفاظ الدعم من الجهات المانحة وأيضا عدم المساندة من وزارتي البيئة والكهرباء, وهو ما يضعنا في نطاق محدود لم نجد الفرصة للتحرك بشكل أكبر في هذا المجال.
وتشير المهندسة أمينة إلي أن أكثر المستفيدين من هذه التقنية المناطق الحدودية بين مصر وليبيا وفلسطين والسودان لصعوبة وصول شبكات الكهرباء إليها وبالتالي اضطراره لاستغلال الخلايا الشمسية كطاقة بديلة أفضل وأنظف…
حق الرد مكفول
أمام تلك الاتهامات الملقاة علي وزارة البيئة حاولنا معرفة رأي الدكتور سيد صبري – مستشار وزارة البيئة لشئون التغيرات المناخية والطاقة – فجاء رده: الوزارة لديها صندوق حماية البيئة منوط به دعم مثل هذه المشروعات الخاصة بالطاقة الجديدة والمتجددة سواء كان ماديا أو فنيا. وبالفعل الوزارة قامت بتنفيذ عدد من المشروعات منها ما يجري حاليا من إعداد مبني بيئي داخل منطقة شرم الشيخ, هذا بخلاف ما تم تنفيذه بالمناطق النائية والمناطق الصحراوية لدعم المجتمعات البدوية لاستخدامها في عملية الإضاءة ورفع المياه.
وزارة البيئة محتاجة للدعم !
وعن فكرة دعم وزارة البيئة لهيئة الطاقة ماديا للتوسع في هذا المجال ذكر الدكتور هشام العجماوي مدير عام مشروعات الطاقة بوزارة البيئة أن وزارة البيئة كغيرها من الجهات الحكومية محتاجة للدعم أيضا!! لذا فهي تدعم بالمشاركة والخبراء الفنيين وبالتأكيد إذا ما استقطبت منحا من الخارج ستعمل علي تخصيصها للجهات المعنية ذات الصلة.
وبالنسبة لمدي التنسيق بينها وبين وزارة الكهرباء أشار د. العجماوي إلي أنه لم تكن هناك سلطة من البيئة علي الكهرباء لقبول هذا المشروع من عدمه إن لم يكن هناك برنامج أو خطة معتمدة تعطيه هذا الحق, وبالتالي فوزارة البيئة لا شأن لها بوزارة الكهرباء.
وهذا بالطبع أمر لم يكن غريبا علينا ليتضح لنا كيف تعمل الجهات الحكومية كل بمعزل عن الآخر كمثال صارخ للتخبط في المسئوليات!!.
للكهرباء رأي
وعن رأي وزارة الكهرباء وموقفها من عدم دعم مثل هذه المشروعات الحديثة رجعنا إلي الدكتور أقسم أبو العلا – مسئول بوزارة الكهرباء فقال: هذا الوضع أمر طبيعي لكون شبكة الكهرباء تخدم نسبة 99% من السكان وبالتالي فلسنا في احتياج لوجود الخلايا داخل الكتل السكنية لتكلفتها العالية بالمقارنة بشبكات الكهرباء المدعومة, وعليه فأنسب مكان لها هو المناطق النائية والوزارة تساند فنيا تنفيذ هذه المشروعات بدعم من الخارج, ولعل أفضل مثال علي ذلك ما يجري حاليا من إنشاء محطة لتوليد الكهرباء من الطاقة الشمسية بالكريمات.
أخيرا يبقي السؤال متي تتكاتف الوزارات والهيئات الحكومية معا من أجل تحقيق هدف واحد بعيدا عن التخبط في المسئوليات وإلقاء اللوم علي الآخر؟ ألم يحن الوقت لنأخذ تطبيق التقنيات الحديثة محمل الجد حفاظا علي البيئة ودرءا للمخاطر التي تحيط بها؟