##يجب علي الولايات المتحدة أن تتجنب الإغراء الناجم عن عدم فهم طفرة العنف الحالية في المنطقة أو وقف التعاطي في لحظة من التهور نتيجة شعور الإحباط من المشاكل القائمة منذ فترة طويلة.##
##يجب علي الولايات المتحدة أن تتجنب الإغراء الناجم عن عدم فهم طفرة العنف الحالية في المنطقة أو وقف التعاطي في لحظة من التهور نتيجة شعور الإحباط من المشاكل القائمة منذ فترة طويلة.##
بعد مرور أحد عشر عاما علي وجه التحديد علي هجمات 11 سبتمبر 2001, توضع مرة أخري مسألة علاقات الولايات المتحدة مع الدول والمجتمعات الإسلامية علي قمة أجندة السياسة الخارجية الأمريكية. ففي الوقت الذي تثور فيه الاحتجاجات العنيفة المناهضة للولايات المتحدة في جميع أنحاء العالم, ركزت إدارة أوباما علي حماية المواطنين الأمريكيين والمنشآت من جهة والسعي إلي التخفيف من غضب الاحتجاجات من جهة أخري, من خلال الإشارة إلي أنه ليس للحكومة الأمريكية أي علاقة مع شريط الفيديو المعادي للإسلام الذي أشعل موجة الغضب هذه.
وبينما قد يكون هذا التركيز المباشر علي قمع الأزمة قرارا حكيما, لا يمكن أن يتوقف الرد الأمريكي عند هذا الحد. وفي حين أن شريط الفيديو ذو العلاقة قد حفز قيام هذه الاحتجاجات, إلا أنه لا يمكن وصفه بصورة دقيقة بأنه السبب لوقوعها. وعلي أية حال, إن أي جهد لقمع استفزازات مستقبلية من هذا النوع لا بد أن يكون عقيما – نظرا للسهولة التي يمكن بموجبها الآن إنتاج وتوزيع وسائل إعلام كهذه – فضلا عن أن ذلك يخالف بصورة عميقة المعتقد الأمريكي في الحق في حرية التعبير.
إن الاضطرابات الحالية هي ليست في الواقع نتيجة عرض شريط فيديو واحد مسئ ,للإسلام], بل هي استمرار للانتفاضات العربية من عام 2011 وثمرة ناتجة عنها. لقد اندلعت تلك الثورات نتيجة للمظالم السياسية والاقتصادية العميقة الجذور التي كانت تتطور منذ عقود والتي تتمثل بـ : انعدام الازدهار الاقتصادي أو الأمل بالتقدم الفردي, واقترانهما بعدم القدرة علي عمل أي شيء حيال ذلك نتيجة الانعدام المتزامن للحقوق السياسية.
ولكن في حين أن الانتفاضات العربية قد نتجت عن تلك المظالم, إلا أنها ,لم تنجح] بأي حال من الأحوال في حلها. وفي الواقع, إن اقتصادات مثل تلك التي في مصر وليبيا هي أسوأ حالا الآن مما كانت عليه في بداية عام 2011, حيث إن الاضطرابات السياسية وعدم اليقين قد أبعدت السياحة والاستثمار, كما أن السياسيين قد سعوا في كثير من الأحيان إلي تسوية حسابات قديمة بدلا من تسيير بلدانهم في الطريق ,الصحيح] إلي الأمام. لقد زادت المشاركة السياسية لكنها لم تحقق نتائج كافية لتلبية التوقعات (غير الواقعية) للشعوب في هذه البلدان.
وفي مثل هذه الظروف, فليس من غير المألوف أن يبحث الناس عن آخرين لإلقاء اللوم عليهم. وبقدر ما نتج عن الاحتجاجات الأخيرة المناهضة للولايات المتحدة والهجمات التي وقعت مؤخرا علي السفارات الأمريكية باستحضارها صورة عن قيام صراع أمريكي – إسلامي, فالواقع هو أن الولايات المتحدة هي مجرد واحدة من العديد من الأطراف الذي ألقي اللوم عليها عن المشاكل في الشرق الأوسط. ومن بين أولئك الذين تم استهدافهم في هذه الانتفاضات العربية هم الأنظمة السابقة والأقليات الدينية ورجال الأعمال الأثرياء وإسرائيل والليبراليون.
وكما أنه ليس هناك نقص في إيجاد الأطراف لإلقاء اللوم عليها, هناك وفرة من المجموعات داخل وخارج هذه الدول علي حد سواء, كانت علي استعداد لتغذية هذه الأحقاد لتحقيق مصالحها الخاصة. وربما كان الإسلاميون المتطرفون هم الأكثر انتشارا وصخبا من بين هذه المجموعات, إلا أنهم بالتأكيد ليسوا الوحيدين. ففي العديد من دول الشرق الأوسط كان الساسة العلمانيون يناهضون الولايات المتحدة جهارا كنظرائهم الإسلاميين. ومهما كانت عقيدة الأصوات الغاضبة فقد نجحت في إغراق الأصوات التأملية الحكيمة. وغالبا ما سادت الأصوات التي تبشر بالإصلاحات البسيطة علي تلك التي تطرح المسارات المعقولة – وإن الصعبة – في التطلع إلي الأمام. وفي بيئات مشحونة ,بالعنف] حيث الأمن والمؤسسات السياسية منعدمة أو غير عاملة, فإنها لخطوة صغيرة أن يتم الانتقال من الهجمات الخطابية علي أعداء متصورين من هذا القبيل ونحو الإعتداءات الجسدية.
وفي هذه اللحظة المحورية من المهم علي الإدارة الأمريكية أن تفهم بشكل صحيح ما الذي يحدث وسبب ذلك, وتبلور الرد السياسي المناسب. يجب علي إدارة أوباما أن تتجنب بصفة خاصة الإغراء الناتج عن عدم إدراك طفرة العنف الحالية باعتبارها نذيرة نوع من صراع ملحمي علي مستوي الحضارات بين الغرب والإسلام, أو الإلحاح علي وقف التعاطي مع الشرق الأوسط نتيجة الإحباط الناجم عن استمرار العداء لأمريكا والفوضي هناك. ولا يزال الشرق الأوسط منطقة حيوية لمصالح الولايات المتحدة, ولا تستطيع واشنطن تحمل تجاهله أو التصرف هناك بطريقة متهورة أو ساذجة.
ومنذ بداية الانتفاضات العربية اعتمدت إدارة أوباما علي اتباع نهج سلبي ومتردد تجاه الأحداث, بنقلها الإحساس بأنه عندما يتعلق الأمر بالشرق الأوسط لا تتعاطي الولايات المتحدة علي نحو متزايد ,مع الأطراف المعنية] أو لا تبالي بذلك – أو كلا الأمرين معا. ويمكن ملاحظة ذلك من خلال قطع الاتصال بين اللهجة الخطابية والنهج العملي فيما يتعلق بسورية, والتواضع في التعامل مع جماعة الإخوان المسلمين في مصر, و##القيادة من الخلف## في ليبيا, وحتي في الحديث عن ##محور## في سياسة واشنطن الخارجية تجاه آسيا. وكانت النتيجة حدوث تناقص في نفوذ واشنطن بدلا من تعزيز هذا العامل المؤثر. وعلي الرغم من الجهود المضنية التي بذلت لتجنب قيام نزاعات مع الحكومات الجديدة في المنطقة – حدث أيضا انخفاض في شعبية الولايات المتحدة.
وفي المرحلة المقبلة, ينبغي علي الولايات المتحدة أن لا تفقد الأمل في قيام مستقبل إيجابي في الشرق الأوسط أو الثقة في قدرتها علي تجسيد النتائج في تلك المنطقة. ومع ذلك, يجب علي الإدارة الأمريكية أن تكون حادة البصر فيما يتعلق بالتحديات التي تواجهها والجدول الزمني الطويل ,المتاح] أمامها لإنجاز ما شرعت في تحقيقه. وهناك ثلاثة أهداف أساسية للسياسة الخارجية وهي: تعزيز أمن ورخاء الولايات المتحدة وتنمية القيم الأمريكية. ينبغي أن تكون هذه نقطة البداية لسياسة ناجحة في المنطقة تتمثل بالدفاع عن مصالح واشنطن بصورة حازمة وغير اعتذارية, ومساعدة الحكومات علي إجراء إصلاحات سياسية واقتصادية في بلدانها, ودعم الأطراف والعمل معها – داخل وخارج المنطقة – أي تلك الاطراف التي تشارك مصالح الولايات المتحجة وقيمها.
بإمكان أي شرارة أن تشعل الغضب, إلا أن احتدام الأوضاع بصورة مستمرة يتطلب وجود ##وقود و أوكسجين## للحفاظ علي طاقتها. وهناك القليل الذي يمكن لصناع السياسة الأمريكيين القيام به لمنع اندلاع شرارات مستقبلية من النوع التي سببت قيام أعمال عنف تهز اليوم الشرق الأوسط. ولكن من خلال فهم واضح للتحديات في المنطقة واستجابة مبدئية وواقعية لها, يمكن أن تأمل الولايات المتحدة وحلفاؤها أن تمنع هذه التحديات من أن تصبح جحيما يبتلع المصالح الأمريكية ومصالح المواطنين في المنطقة.
مايكل سينغ هو المدير الإداري لمعهد واشنطن.
فورين بوليسي