كتبت الأسبوع الماضي: هنيئا للمصريين استعادتهم ثورتهم من خاطفيها لكني كنت علي يقين أن الأمر ليس بهذه البساطة وأخذت أذكر كل من يتبادل معي التهنئة والفرحة بنجاح تمرد 30 يونيو بأن الإخوان لن يستسلموا بسهولة
كتبت الأسبوع الماضي: هنيئا للمصريين استعادتهم ثورتهم من خاطفيها لكني كنت علي يقين أن الأمر ليس بهذه البساطة وأخذت أذكر كل من يتبادل معي التهنئة والفرحة بنجاح تمرد 30 يونيو بأن الإخوان لن يستسلموا بسهولة وسوف يقاومون بشراسة إزاحة المصريين لهم عن السلطة ولن يتوانوا عن اللجوء للعنف والتدمير وحتي القتل في تحديهم للإرادة الشعبية التي تجرأت ورفضتهم ولفظتهم, وكأنهم فعلوا أي شئ لصالح الشعب المصري منذ صعود رئيسهم محمد مرسي للسلطة!!.
وهذا عينه ما حدث ودخلت مصر في حلقة كريهة من اجتياح العنف والإرهاب الذي فجره شباب الإخوان معتقدين زيفا أنهم يستطيعون استعادة زمام السلطة رغما عن إرادة المصريين, لكنهم في الحقيقة كانوا يكشفون عن أقبح ملامح وجههم وهي استعدادهم للتضحية بكل مصري في سبيل تحقيق أهدافهم… ولعل ذلك يكون قد ساهم في إنارة عقل وبصيرة أي مصري لم يكن قد حسم أمره بعد في تبصير حقيقتهم والانفضاض عنهم… هكذا أراد الله بحكمته أن تعاني مصر وتتألم وتدفع ضريبة الدم الغالي الذي سال من شهدائها وضحاياها عبر العام الماضي حتي تشفي نهائيا من داء الإخوان وتلفظهم بغير رجعة.
لست أعرف إن كان مقدرا للإخوان المسلمين أن يراجعوا أنفسهم ويعودا ليندمجوا في الخريطة السياسية المصرية بناء علي قواعد جديدة غريبة عليهم وهي المشاركة والمواطنة وتداول السلطة وعدم الإقصاء أو الاستحواذ أو الهيمنة… ولكني أعرف تماما أن السواد الأعظم من المصريين لا يقبلون ذلك التوجه في الوقت الحالي لأنهم مثقلون بقدر كبير من المرارة وعدم الثقة تجاه الإخوان… إذا دعونا نلتفت نحو إعادة بناء بلدنا وإصلاح ما تردي وفسد في العامين والنصف المنصرمين من عمر ثورة 25 يناير 2011 لأن لدينا الكثير والكثير الواجب علينا أن ندركه في هذا الإطار… وأستحضر هنا الكلمة الحكيمة التي قالها رئيس الجمهورية المستشار عدلي منصور حينما أهاب بالمصريين ألا يغادروا الميدان وأوضح أنه لا يعني الميدان بمعناه المادي لساحات المظاهرات والاعتصامات, وإنما الميدان بمعناه الوطني من حيث المشاركة الوطنية السياسية في المراحل المقبلة التي ستكون حاسمة لإعادة كتابة مستقبل مصر وأهمها صياغة دستور وطني يتوافق عليه الجميع ويحترم حقوق وحريات الجميع, ثم انتخاب رئيس جمهورية يعمل من أجل الجميع ويجذب الجميع تحت الراية المصرية, ثم انتخاب برلمان جديد يمثل كل المصريين بأطيافهم السياسية ليمارس دور التشريع والرقابة في روح وطنية مخلصة دون هيمنة أو استبعاد أو إقصاء من الأغلبية للمعارضة.
لهذا أقول دعونا نضع هذا المسار نصب أعيننا حتي لا نعود إلي ما سبق وأن درجنا عليه من لا مبالاة وتقاعس أمام صندوق الانتخاب, فالتحدي ما يزال قائما, وحتي إذا هدأت الساحة الداخلية وخلت من الصراعات والعنف ستظل المخاوف من تغلغل وتسلل الأفكار الأصولية والراديكالية مرة أخري إلي حياتنا السياسية قائمة وطريقها إلي ذلك سيكون صندوق الانتخاب, فيتحتم علينا أن نعي جيدا أنه مع ترسيخ الديموقراطية لا يجب أن نغفل عن صندوق الانتخاب ولا يمكن أن نسمح بأن تختطف الديموقراطية مرة أخري بواسطة الصندوق في ظل غيابنا وتقاعسنا… صحيح أن هذا الشعب العظيم ضرب المثل أمام العالم علي قدرته علي إزاحة أي ديكتاتور أو مستبد يأتي به الصندوق باحتشاده في الشارع وبثورة غضبه, لكن تظل هذه القدرة هي مبضع الجراح الذي يستأصل الورم الخبيث إذا ابتلي به جسد الوطن ويأتي قبله واجب الاصطفاف الحاشد أمام صندوق الانتخاب لاختيار الصالح وقطع الطريق علي الطالح اتقاء لشر الابتلاء بالورم.
لقد دأبنا طوال السنين الماضية علي خسارة معاركنا الانتخابية ليس لأننا كنا نواجه أغلبية كاسحة بل لأننا كنا أغلبية غائبة متكاسلة لا تعرف أهمية صندوق الانتخاب.
خسرنا معارك كثيرة أمام أقلية منظمة لمجرد انكماش قوتنا التصويتية إلي نسب مخجلة محبطة, وآن الأوان أن ندرك أننا لا يمكن أن نكسب معاركنا الانتخابية بأقل من حشد 60% من قوتنا التصويتية أمام الصندوق وأتمني أن نتجاوز هذه النسبة ونباهي أمام العالم بنسب عالية للمشاركة التصويتية علامة علي نضجنا الديموقراطي, لكن علي الأقل نسبة الستين في المائة هي النسبة المطمئنة لإدراك الفوز وهي الحد الأدني لإجهاض أية محاولات للعبث بإرادة الناخبين إذا سولت لأحد نفسه أن يفعل ذلك.
هذا عن الاحتشاد أمام الصندوق, لكن ماذا لو احتشدنا ثم تبعثرت أصواتنا بين مرشحين كثيرين متنافسين؟…ذلك هو التحدي الثاني الذي علينا أن نواجهه… فالذاكرة السياسية لا تخلو من أمثلة محبطة جدا لتشرذم الأغلبية ذات التوجهات المتماثلة -أو حتي المتقاربة- بين العديد من المرشحين, وبالتالي بعثرة الأصوات بينهم واختطاف الأقلية المنظمة للغلبة… فمن المحتم أن نكتسب ثقافة التوافق والائتلاف ونقرن الاصطفاف الحاشد أمام صندوق الانتخاب بمؤازرة مرشحين بعينهم متفق عليهم حتي لا تتبعثر أصواتنا وتذهب أدراج الرياح… ذلك التحدي ينتظرنا في الاستفتاء علي الدستور القادم بتحقيق نسبة حضور عالية, ثم في انتخاب رئيس الجمهورية المقبل في تحديد المرشح الذي نؤازره, ثم في انتخاب البرلمان القادم في الإعداد الجيد لمرشحينا الأفراد أو بالقوائم لنركز أصواتنا في الاتجاه الصحيح الذي يؤتي النتائج المرجوة.
أعرفتم لماذا لم تنته ثورة 30 يونيو وأن الطريق أمامنا ما يزال طويلا؟