أسدل الستار علي الجولة الأولي من سباق الرئاسة,وكانت جولة مشرفة لمصر والمصريين,لفتت أنظار العالم وانتزعت من كافة الدوائر السياسية والإعلامية عبارات الإعجاب والاحترام…وأقولها صراحة:إنها المرة الثانية
قراءة في ملف الأمور المسكوت عنها-(396)
أسدل الستار علي الجولة الأولي من سباق الرئاسة,وكانت جولة مشرفة لمصر والمصريين,لفتت أنظار العالم وانتزعت من كافة الدوائر السياسية والإعلامية عبارات الإعجاب والاحترام…وأقولها صراحة:إنها المرة الثانية -والثانية فقط-بعد ثورة 25يناير التي ينحني العالم أمامها احتراما للمصريين,فقد شابت الثورة بعد نجاحها في إسقاط النظام في11فبراير 2011 سلسلة مؤسفة من الانتكاسات والإخفاقات والصراعات تركت مشاعر إحباط وتوجس حول مصيرها وحول محاولات اختطافها بعيدا عن أهدافها الوطنية.
الآن تستعد مصر لجولة الإعادة التي ستحسم سباق الرئاسة…الكل يتحدث عن نتائج الجولة الأولي:نسبة المشاركة التي انحصرت في 46.42% من الناخبين,ثم المراكز التي احتلها المرشحون وخاصة من احتلوا المراكز الخمسة الأولي مستحوذين علي أكثر من 97.76% من الأصوات المشاركة…ويلزم الاعتراف بأن النتيجة حملت الكثير من المفاجآت بدءا من ترتيب المراكز حيث تراجع كل من الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح والسيد عمرو موسي وصعد السيد حمدين صباحي بدرجات ملحوظة تتنافي مع التوقعات واستطلاعات الرأي.
وهكذا بقي كل من الدكتور محمد مرسي والفريق أحمد شفيق وجها لوجه ليخوضا الجولة الثانية, وتلك مواجهة تنطوي علي الكثير من المدلولات والتحديات تتجاوز مجرد كونها منافسة انتخابية,فنحن إزاء مواجهة بين المشروع الديني الذي يحمله الدكتور محمد مرسي والمشروع المدني الذي يحمله الفريق أحمد شفيق…ولعل هذين المشروعين لم يكونا مقصورين عليهما فقط,حيث حسب الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح علي المعسكر الديني بالرغم من انسلاخه عن جماعة الإخوان المسلمين,بينما حسب كل من السيد عمرو موسي والسيد حمدين صباحي علي المعسكر المدني…وهنا تكمن ملامح المناورات السياسية التي سنشهدها في الأسابيع المقبلة,فمن الواضح أن الناخبين في الجولة الأولي توزعت أصواتهم طبقا لمفاضلات متشعبة-وذلك حقهم المطلق في الاختيار-هناك من اطمأن إلي مشروع الدولة الدينية وهناك من آثر مشروع الدولة المدنية وهناك من ذهب وراء الأصالة الثورية بعيدا عن هذا وذاك…أما الآن ونحن مقبلون علي جولة الإعادة فلم نعد نمتلك هذا الترف في المفاضلة والاختيار,فإما الدولة الدينية أو الدولة المدنية,وعلي كل مواطن ومواطنة أن يحسموا أمرهم وألا يتقاعسوا عن المشاركة في جولة الإعادة.
وإذا كنت قد ذكرت المناورات السياسية التي سنشهدها في الأسابيع المقبلة فها هي بدأت بالفعل فور إعلان نتائج الجولة الأولي حيث انطلقت دعاوي كل فريق من الفريقين الباقيين في السباق من أجل استمالة المرشحين الذين خرجوا ومن ورائهم الناخبون من أنصارهم…وفي معرض تحقيق ذلك أطلقت خطابات واستخدمت أدوات يلزم أن نتوقف عندها بالتعقيب:
**تولت جماعة الإخوان المسلمين مع ذراعها السياسية حزب الحرية والعدالة إعادة إنتاج المرجعيات السياسية بما يخدم أهداف المرحلة المقبلة,فاعتبرت الدكتور محمد مرسي هو الورقة الرابحة لأنه يحمل مشروع النهضة علاوة علي ميراث الثورة,ثم أسبغت علي السيد حمدين صباحي صفة الأصالة الثورية,بينما أطلقت علي الفريق أحمد شفيق صفة فلول النظام السابق…هكذا تم توظيف هذه المرجعيات لتصعيد البعض وإقصاء البعض الآخر دون الإشارة إلي مشروع الدول الدينية ومشروع الدولة المدنية.
**أطلق حزب الحرية والعدالة الدعوة للقاء جميع فرقاء السباق الرئاسي,بدعوي أهمية وخطورة المرحلة المقبلة وما تقتضيه من وفاق وطني وتغليب المصالح الوطنية وحتمية العمل معا…لكن ردود أفعال المدعوين ومعهم الشارع المصري تباينت بين الاحتفاء بالدعوة وبين عدم الاستجابة لها,والحقيقة أن عدم الاستجابة راجع إلي أن هناك مساحة متزايدة من عدم الثقة تفصل بين أنصار الدولة المدنية وأنصار الدولة الدينية ترعي فيها شكوك وهواجس أنتجتها معايير أداء رموز وأقطاب تيارات الإسلام السياسي التي برزت بعد الثورة وخاصة بعد تحقيق مكتسباتها البرلمانية واستحواذها علي السلطة التشريعية…ويتساءل دعاة الدولة المدنية:لماذا الآن؟والآن فقط الحديث عن الوفاق الوطني وضرورة العمل معا؟…هل هناك نوايا خفية تحرك ذلك؟
**كثر الحديث وانتشرت التحليلات السياسية حول احتمالات حركة الناخبين في جولة الإعادة ولمن تذهب الأصوات التي حصدها الخارجون من السباق…وتجدر الإشارة هنا إلي أنه في حكم المرجح أن الدكتور محمد مرسي سوف يستحوذ علي النسبة الغالبة من الأصوات التي حصل عليها الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح,بينما يستحوذ الفريق أحمد شفيق علي الأصوات التي حصل عليها السيد عمرو موسي,ويبقي في المنتصف بين الاثنين السيد حمدين صباحي بالحصيلة الهائلة التي حصل عليها من أصوات مناصريه مع السؤال المعلق الذي ينتظر إجابة:من يستطيع جذب هذه الأصوات في الجولة الثانية:المشروع الديني أم المشروع المدني؟
**هناك سؤال آخر مهم ينتظر إجابة:إذا كانت نسبة المشاركين في الجولة الأولي46% من القوة التصويتية,هل ستؤدي سخونة السباق إلي إقناع النسبة الباقية (54%) للذهاب للصناديق أم سيظلون علي موقفهم من عدم المشاركة؟…وهؤلاء يمثلون شريحة خصبة ومهمة لايجب إهمالها استعدادا للجولة الثانية.