الأربعاء 1 توت 1730 – 11 سبتمبر 2013
رأس السنة القبطية.. عيد النيروز
في هذا اليوم وبعد غياب لعشرة أسابيع عاد قداسة البابا إلي المقر البابوي بالقاهرة… مصادفة أن عاد قداسته في هذا اليوم, أن أنه اختاره تحديد؟! سؤال ظل يتردد في رأسي كثيرا وأنا في طريقي إلي المقر البابوي… وكان أول سؤال طرحته علي البابا عندما قابلته… ربما أدرك البابا أنني أقصد بسؤالي ما هو أبعد من هذا… أقصد هل عاد الأمان والطمأنينة إلي المقر البابوي والكاتدرائية ليعود قداسة البابا ويلقي وسط الآلاف عظة الأربعاء؟!… بكلمات هادئة متزنة تسبقها ابتسامة تعلن عن سلام داخلي يملأ قلبه قال لي البابا: توقف العظة كان لأسباب… الأول لظروف الثورة والأحداث… والثاني لحظر التجول… وعيد النيروز هو فاتحة أعيادنا في السنة القبطية الجديدة كان من المهم أن نصلي قداس, ونصلي عشية, ونقول كلمة لأنه يوم عيد, وعلي قدر ما يعطينا ربنا من وقت وجهد وصحة نعمل.
بدأت الحوار… أسئلة كثيرة تتسابق وقداسته يجيب علي كل سؤال… وعندما لم يعد باقيا علي موعد العظة ما يقل عن ساعة واحدة صعب قداسته ليستريح بعد يوم حافل بالعمل بدءا من السادسة صباحا قداس عيد النيروز بالكاتدرائية, وتلته عشرات المقابلات, ومازال في انتظاره بعد العظة مقابلة السيد عمرو موسي رئيس لجنة الخمسين لوضع الدستور… وكان عندي أكثر من عيد… عيد النيروز… وحوار مع قداسة البابا… ومعايشتي ليوم في حياة البابا.
الحوار مع قداسة البابا غطي كل أحداث الوطن… وأيضا كل أحوال الكنيسة… وقدمنا الجزء الأول الأسبوع الماضي وها نحن نقدم الجزء الثاني علي صفحات هذا العدد… ربما يكون طرحنا للأسئلة لم يكن بهذا التسلسل, ولكن اعتقد إننا نجحنا في هذا الفصل والتقسيم… وتعالوا اليوم إلي حديث البابا عن أحوال الكنيسة.
* سألت قداسة البابا: ماذا يمثل النيروز عند قداستكم؟!
* * عيد النيروز عيد الشهداء… وهو أيضا بداية كل عام قبطي… وبه يحتفل المصريون منذ عام 284 ميلادية وهو العام الذي اعتلي فيه دقلديانوس الإمبراطور الروماني عرش روما واضطهد المسيحية بشدة, وفي عصره نال إكليل الكثيرون, وكان نصيب مصر كبيرا وقدمت آلاف الشهداء… ولهذا أخذوا من هذا اليوم بداية للتقويم القبطي وعيدا للشهداء… وأري في النيروز عيد تختص به كنيستنا القبطية ويمثل لها خصوصية هامة وهي أنها كنيسة شهداء وأري في عيد النيروز تذكار لتكون حياتنا مستعدة للشهادة.
* توقفت عند هذه الكلمات لأسأل قداسة البابا: وكيف تلقيت قداستكم ما أعلن عن وضع اسمكم علي قائمة الاغتيالات؟
* * نحن نؤمن أن الحياة في يد الرب… والله هو الذي يعطينا حياتنا وأعمارنا وهو الحارس, وكل شئ بين يديه, وهناك وعود كثيرة لنا منه ها أنا معكم كل الأيام وإلي انقضاء الدهر (مت20:28)
* عدت لأواصل الحديث مع قداسة البابا عن عيد النيروز… سألته كيف يري قداسته النيروز هذا العام وسط الأحداث وتعرض الأقباط للاضطهاد من حرق وتدمير ونهب وسلب لكنائسهم وممتلكاتهم؟
* * التاريخ دورات… وتاريخنا المصري حافل بقصص كثيرة وحكايات عديدة… ونحن نعيش دورة من دورات التاريخ… هذه الدورة التي نعيشها هذه الأيام يذكرنا بعصور سابقة, وهذا شئ جميل نري فيه بعض ممن عاشوه وذاقوه آباءنا وأجدادنا… وكما يذكرنا النيروز بآباءنا وأجدادنا الشهداء فإنه يذكرنا أيضا أن مصر محفوظة وتحت عناية خاصة من الله الذي حباها بالبركة الصريحة مبارك شعبي مصر (إشعياء19:25) وبالتالي فهي تخضع للقوانين الإلهية, ويد الله فقط هي التي تضبط حياة مصر وحياة المصريين مهما واجهوا من صعوبات أو ضيقات.
* كيف رأيت قداستكم هذه الأحداث المؤلمة؟
* * الكنيسة القبطية تحملت عبر تاريخها الكثير والكثير حتي اليوم… وقد تابعت المشهد المؤلم يوم الأربعاء 14 أغسطس -عقب فض الاعتصامات في ميداني رابعة العدوية والنهضة- للهجمة الشرسة التي تعرضت لها كنائس المسيحيين وممتلكاتهم… ولكني كما رأيت يد الشر تقترب لتحرق وتقتل وتدمر, رأيت يد الله تحرس وتقوي وتبني… رأيت شعب كنيسة الأمير تادرس بالمنيا التي تم حرقها بصورة بشعة يقفوا وسط الدمار يصلوا القداس الإلهي ويدعوا إلي نشر المحبة بين الناس وضبط الغضب حفاظا علي مصرنا وكنيستنا الأمينة… هذا هو لسان حال الأقباط وأمانة كنيستهم في كل مكان وكل زمان.
* * رأيت في هذه الأحداث الخطية الرديئة فالاعتداء علي بيوت الناس ومحال أرزقهم خطية, وتتضاعف هذه الخطية فوق رؤوس فاعليها حينما يمتد الاعتداء إلي الأبنية العامة في المجتمع, وتزداد بالأكثر عندما يصل هذا الاعتداء إلي بيوت العبادة… رأيت الخطيئة الرديئة والشر البغيض, وكانت لي كل الثقة في الله الذي حافظ علي بلادنا في الماضي أنه سيحفظها في الحاضر والمستقبل.
* وما موقف الكنيسة من هذه الأحداث؟
* * في أعقاب الأحداث تم حصر المواقع المسيحية في كنائسنا الأرثوذكسية والكاثوليكية والبروتستانتية ومباني الخدمات والمدارس وبعض المستوصفات والمستشفيات ومساكن الرهبان والراهبات وملاجئ الأطفال… وانتهي الحصر إلي وجود نحو مائة موقع تعرض للاعتداء وبدرجات مختلفة… حوالي 40% من الأماكن تعرضت للاعتداء الشديد من حرق وتكسير وتدمير ونهب وسلب في صورة بشعة وباقي الأماكن -60%- تعرضوا لدرجات متفاوتة من الاعتداء كالرشق بالطوب وتحطيم الزجاج… المهم عندنا مائة موقع تم الاعتداء عليها, وعندنا حوالي ألف من المنازل والمتاجر ومحال رزق الأقباط وممتلكاتهم تعرضوا إلي السرقة والاغتصاب والحرق والاعتداء والطرد…
وشكلت الكنيسة لجنة أسمتها لجنة الأزمات من مجموعة من الآباء المطارنة والأساقفة والآباء الكهنة والأراخنة مقررها نيافة الأنبا بيمن أسقف نقادة وقوص.
* * بدء في وضع خطة للتعويضات علي ثلاثة مستويات… الأول للذين أضيروا في مصادر أرزاقهم, ولشدة ما يعانوه هؤلاء فنحن لا ننتظر, فكلما تجمعت لدينا مساعدات نوجهها علي الفور… والمستوي الثاني المؤسسات المسيحية وجاري تقدير خسائر كل مؤسسة… والمستوي الثالث الكنائس وقد أعلنت الدولة مشكورة إنها من خلال القوات المسلحة ستساهم في إعادة ترميم وإصلاح وبناء الكنائس التي دمرت بالكامل أو تعرصت للحرق والتدمير الجزئي, وقد شكلت القوات المسلحة لجنة هندسية, والكنيسة من جانبها شكلت لجنة فنية أخري, وقد التقيا اللجنتين في جلسات عمل مشتركة وبدأوا في المعاينة علي الطبيعة, وانتهوا من وضع خطة عمل وتقدير حجم الخسائر والأعمال المطلوبة للبدء في التنفيذ علي الفور.
* في ظل الأحداث التي عاشتها البلاد خلال الشهور الماضية مضي يوم 31 يوليو -اليوبيل الفضي لرهبنة قداستكم- في صمت دون احتفالات… كيف عشتم هذا اليوم؟
* * لا الأحداث ولا غيرها هي التي ألغت الاحتفالات بهذا اليوم… المناسبات التي تخصني شخصيا أحب أن تكون شخصية ولا أحب أن تأخذ صورة مبهرجة… هذا يوم رهبنتي ولا يهم أحد غيري… شكرت ربنا أني كنت في الدير في هذا اليوم, ولو لم أكن هناك لذهبت إلي الدير.. صليت قداس وقابلت أخوتي الذين ترهبوا معي في هذا اليوم وتبادلنا المحبة معا… جلست اتأمل ربع قرن من حياتي الأرضية… أحداث كثيرة من يوم دخولي الدير والرب يعطينا مسئوليات أكثر ونحن لا نستحق هذا, ولكن عندما نترك كل الأمور في يد الرب فإنه يدبر كل حياتنا… وشكرت الرب أنه أعطاني الفرصة لأتذكر الحياة الرهبانية الجميلة التي كنت أتمني ألا ابتعد عنها لكن الرب له رؤية وتدبير آخر… وأشكر الرب أنه أعطاني فرصة الإقامة في الدير هذه الأسابيع, والذهاب إلي الدير كل أسبوع حتي ولو ليوم أو يومين فأنا لا استطيع أن استغني عن الدير إطلاقا.
* مضت عشرة شهور في حبرية قداستكم كانت حافة بالإنجازات… ما المتبقي في إعادة ترتيب البيت الذي وعدتم به قداستكم؟
* * ما تم عمله كثير ولكنه يبقي في حدود 5% مما نأمل عمله من أجل ترتيب العمل في الكنيسة ومازال أمامنا الكثير… الرقم قد يبدو ضئيلا ولكنه محسوب بالنسبة لما ينبغي أن يتم …. خذ مثلا وضع الإيبارشيات ورسامة آباء أساقفة, لقد جلسنا 7 أساقفة في المعادي والجيزة وشبين القناطر وميت غمر وكندا وفرنسا وألمانيا, ورسمنا 15 أسقف ما بين رؤساء أديرة وأساقفة إيبارشيات وأساقفة عموميين منهم من في مصر ومنهم من في ألمانيا وهولندا واليونان وفرنسا… إعداد الرسامات تبدو كبيرة في فترة وجيزة ومع ذلك فالخدمة محتاجة لرسامات أخري… نحن نفكر وربنا يكمل, وربما يكون ذلك في نوفمبر القادم مع اجتماع المجمع المقدس, ففي الفترة الأخيرة للمتنيح قداسة البابا شنودة الثالث كان يضطر لظروفه الصحية للتأجيل وسنة وراء أخري تراكمت أشياء كثيرة وبنعمة المسيح اشتغلنا فيها وكانت صلواته معنا.
* * وكما رسمنا رؤساء لأديرة الرهبان, وأيضا أديرة الراهبات المحتاجة لم نتركها… دير الشهيد العظيم مارجرجس بمصر القديمة أحد أديرة الراهبات القديمة في كنيستنا وله تاريخ مجيد وفيه حياة رهبانية عامرة لم تدبر له رئيسة منذ أن رحلت رئيسته السابقة -تاماف يوأنا- منذ حوالي خمسة عشر عاما, وكان إقامة رئيسة له موضع اهتمامي, وبدأنا الإعداد لهذا منذ شهور, ولم تمنعنا الأحداث ولا الإقامة في الدير من النزول إلي القاهرة صباح يوم مفرح -السبت 10 أغسطس- ووسط راهبات الدير وباشتراك عدد من الآباء الأساقفة ورئيسات أديرة الراهبات أجرينا صلوات وطقس إقامة رئيسة الدير -تاماف تكلا- ليستكمل الدير إدارته وتستقر أحواله وحياته الرهبانية.
* هناك أيضا إنجازات أخري لمسناها… ما أقربها لقداستكم علي طريق ترتيب أمور الكنيسة؟
* * عندما قلت بعدما اختارني الرب للمسئولية أن أولي اهتماماتي إعادة ترتيب البيت كنت أفكر في أن تدار كل أمور الكنيسة وفقا للوائح تحدد الأدوار ليسير كل شئ في انضباط, فالكنيسة الأولي كان لها دسقولية ونحن نعيش عليها إلي اليوم, وكل مؤسسة لابد أن يكون لها قانون يحكم تصرفاتها… ومن هنا كنت أري ضرورة وضع اللوائح المنظمة للأعمال والمسئوليات في الكنيسة والتي تضبط تصرفات الأشخاص بعيدا عن الهوي أو الاستحسان الشخصي, فالنظام والالتزام يجب أن يكونا أساسا لعمل الكنيسة في كل مجالاتها, ويكون كل شئ بترتيب ومحددا بحدود تنظيمية تكفل سلامة الأداء وشفافية القرار في كل وقت, وبدأنا نجتهد لوضع اللوائح المنظمة لكل أنشطة ومسئوليات الكنيسة.
* * المهمة كانت شاقة وصعبة, ورأيت أن تكون هذه المهمة في يد المجمع المقدس لأنه لا يمكن أن تكون هناك لائحة يتم تطبيقها والالتزام بها في أي من مجالات الخدمة الكنسية إلا إذا أقرها المجمع المقدس… ومن هنا كانت أول خطوة علي طريق ترتيب البيت هو الاجتماع بالمجمع المقدس في جلسة إجراءات لاختيار سكرتير المجمع ولجنة السكرتارية وإعادة هيكلة لجان المجمع المقدس.
* * بعد أيام من اختيار الرب لأحمل المسئولية دعوت المجمع المقدس لاجتماع في 22 نوفمبر …2012 وبعدها بدأت سكرتارية المجمع المقدس في وضع خطة زمنية لمشروعات اللوائح التي تنتظرها الكنيسة لتؤدي دورها الروحي والاجتماعي علي أفضل وجه في نظام والتزام.. وكانت البداية بسيمنار للآباء المطارنة والأساقفة بدير الأنبا بيشوي في مارس الماضي تحت عنوان الخدمة… قيادة ورعاية ومن بعدها توالت السيمنارات لتبادل الخبرات والأفكار وتجميع المقترحات في جلسات استماع ومناقشات وورش عمل إلي أن وضعت مسودات ثلاث لوائح أعدتها لجان المجمع المتخصصة في موضوع كل لائحة, وناقشها وأقرها المجمع المقدس في يونية الماضي وهي لوائح مجالس الكنائس, ولائحة الآباء الكهنة, ولائحة الرهبنة القبطية وإدارة الحياة الديرية, وكلها بدأ العمل بها… واستكمالا للعمل فإنه يجري الإعداد لثلاث لوائح أخري للمعاهد التعليمية, والتربية الكنسية, والأسقف الجديد… أقصد أمامنا حاجات كثيرة.
* وماذا عن لائحة انتخاب البابا؟
* * لائحة انتخاب البابا بدأ الإعداد لها منذ فترة, فبعد القرعة الهيكلية ومن قبل التجليس كلفت أعضاء لجنة الترشيحات للانتخابات البابوية بإعداد مشروع لائحة لانتخاب البابا… وقد بذلوا جهدا كبيرا في هذا الإعداد, وانتهوا بالفعل من وضع مسودة اللائحة, ويجري حاليا مناقشتها ومراجعتها من الآباء الأساقفة أعضاء المجمع المقدس, وقد حددنا يوم 20 من هذا الشهر -أغسطس 2013- موعدا لنهاية إرسال الملاحظات حتي يكون مشروع اللائحة جاهزا للعرض أمام المجمع المقدس في اجتماعه القادم في نوفمبر المقبل.
* * إلي هنا نظرت لعقارب ساعتي… لم يعد باقيا علي موعد محاضرة قداسة البابا سوي أقل من ساعة… لملمت أوراقي… قداسة البابا كنز معلومات تخرج مرتبة من ذاكرة لا تنسي أبدا حتي أدق الأشياء فتفتح شهية أي محاور, ولكن من حقه أن يستريح هذه الدقائق… في ذات اللحظة التي كنت أتأهب فيها للخروج دخل القس أنجيلوس إسحق سكرتير قداسة البابا… لا أعرف كيف أدرك أن قداسة البابا سيغادر الصالون فجاء لمرافقته إلي قلايته… يبدو أن حاسة خاصة اكتسبها من خلال اقترابه من البابا تواضروس مرافقا لقداسته أينما كان ولسنوات طوال عندما كان بمدارس أحد كنيسة الملاك ميخائيل بدمنهور تلميذا لقداسة البابا -الدكتور وجيه صبحي باقي وقتئذ- ثم شماسا مع قداسته -الراهب القس ثيئودور الأنبا بيشوي- بمطرانية البحيرة, ثم كاهنا بكنيسة مارمينا مع نيافة الأنبا تواضروس أسقف عام البحيرة… وعندما جلست أسجل الحوار علي الورق توقفت عند كلمات قداسة البابا أصلي من أجل مصر ومن أجل كل المصريين… قلت: وعلينا جميعا أن نصلي لقداسته ليسنده الرب ويعينه ويقويه… فالمسئولية كبيرة والعبء ثقيل… أقول هذا وأنا شاهد عيان ليوم واحد في حياة قداسة البابا
الجزء الأول من الحوار