شخصيتان متفردتان وأسطوريتان , لأنهما جسد سوي وبحق, شخصية الثوري الحقيقي الذي يقول عنه جيفارا: ##لا يهمني متي وأين سأموت, لكن يهمني أن يبقي الثوار منتصري القامة, يملأون الأرض نضالا, كي لا ينام العالم بكل ثقله فوق أجساد البائسين والفقراء والمرضي##, هما علاء فتحي ومينا منسي اللذان يذكراني أيضا بمقولة الشاعر الإسباني الشهيد لوركا: ##نحن الذين يموت أفضلنا لكي يبقي الجميع بلا دموع##, يجري في عروقه حب الوطن وتسري في أوصاله الثورة, تلك الثورة التي قال عنها لينين أبو الثوار: ##إنه لمن الخطر البين إفساح مجال العمل للصائحين ومنمقي الجمل الذين يؤخذون ويفتتنون بالثورية البراقة, ويعجزون عن القيام بعمل ثوري, إنساني,عاقل, متزن, يحسب أدق الحساب للحالات الإنسانية وللمراحل الانتقالية## هكذا يتحدث لينين عن نموذجين الأول نراه دائما في برامج التوك شو يتباهي بما لم يفعل, ويتلقي شهرة ومالا من جراء مظاهرة أو اعتصام شارك فيهما, والنموذج الثاني يعطي بلا مقابل ولا يتحدث عن نفسه, فيرغم الآخرين بالحديث عن عطائه لأنه سار رمزا قبل أن يكون جنديا مجهولا لمصر وللحرية.
ذلك هو علاء فتحي الأب للطفلة مريم, المهندس, المناضل, المدون, الثوري. وذلك هو مينا منسي المحاسب السكندري الثوري وصاحب فكرة صفحة مسيح التحرير قولا وفعلا.
كنت في مستشفي دار الفؤاد استعدادا لعملية قلب مفتوح, وأحتاج لنقل دم, فصيلتي نادرة, واندهشت بأن إمبراطورية دار الفؤاد قد فقدت نفوذها بعد الثورة, فقد اعتذرت عن عدم توفير الدم! أسرع أبنائي زكي وميشيل يوسف وريهام والأب وليم, بالإعلان عن طلب تبرع بالدم علي ##فيس بوك وتويتر##, فوجئت بشاب ينضح وجهه بالوطنية, يتصبب عرقه شهامة, تنفتح من خلال ابتسامته خريطة الوطن, كان قد تبرع لي لتوه, ثم جاء ليتعرف علي من سوف تجري دماؤه في عروقه, قطعنا نصف المسافة حينما عرفت أنه صعيدي من نجع حمادي وقطعنا النصف الآخر حينما علمت أنه من رائحة الحبايب, رائحة الثوار القدامي من مجمع الألومنيوم مثل المهندس حسين عبد الغفار,ومينا منسي الذي أتي من الإسكندرية في فجر يوم العملية وعاد في نفس اليوم ليلحق بدوام عمله ببنك باركليز يومها أدركت أن الثورة ليست مظاهرات واعتصامات فقط, ولكنها عطاء بالدم والعرق والدموع, هناك آلاف من المصابين والشهداء دفعوا دماءهم بسخاء ودون تردد, ودون انتظار لمقابل
علاء ومينا من هؤلاء الذين لم يجسدوا ثوريتهم في حب الوطن فحسب بل تجلت وطنيتهم في بذل دمائهما لمن لا يعرفونه من أجل غد أفضل للأرض أو الإنسان, فهما يذكراني بقول السيد المسيح: ##كنت مريضا فزرتموني##, لم يزرني علاء ومينا فقط بل بذلا دمهما من أجلي فتخطيا الفريضة التي اقتصرت علي الزيارة, وتجاوزا السامري الصالح لأن السامري حمل المريض علي دابته ودفع أجرة المستشفي, أما همافقد دفعا ما لا يقدر بثمن,وهو دمهما المصري الثمين والذي تصادف أن يمتزج في عروقي دم الثائر المسلم والمسيحي , وهذا هو العمل الإنساني الذي هو العمل الثوري الحقيقي.