خلال زيارته إلي البيت الأبيض قبل ستة أشهر, قال رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان إن أنقرة تتطلع إلي بناء ##شراكة نموذجية## مع واشنطن.
أحقا…؟
يقود أردوغان الجوقة لإدانة إسرائيل في أعقاب الاعتراض الفاشل التي قامت به لـ ##أسطول الحرية## الذي كان متجها إلي قطاع غزة; وقد وصف رئيس الوزراء التركي عمليات قتل تسعة نشطاء بأنها ##مذبحة دموية##.
بإمكان فهم ذلك بصورة سطحية: لقد تم تنظيم ذلك الأسطول الصغير من قبل تركيا وقام بالإبحار منها; ورفعت تلك السفن الأعلام التركية -وكان أربعة من ركابها الذين قتلوا أتراكا.
بيد, لعبت تركيا دورا رئيسيا في الاستعدادات التي أدت إلي وقوع ذلك الحادث, برفضها طلبات إسرائيلية ومصرية لمنع السفن من الإبحار. وبمساعدتها في التحضير لتلك الأزمة, لم تضر تركيا بإسرائيل فحسب, ولكنها تتدخل في إحدي الأهداف العليا للسياسة الخارجية للولايات المتحدة التي هي حليفتها من الناحية الظاهرية.
ففي الشهر الماضي, وصفت إدارة أوباما ##السلام الشامل بين إسرائيل وجيرانها## كـ ##أولوية قصوي بالنسبة للأمن القومي## للولايات المتحدة. فبعد جهود دامت أشهر عمل خلالها فريق من قبل إدارة أوباما علي البدء ثانية بمفاوضات إسرائيلية – فلسطينية والتي استؤنفت قبل أسابيع قليلة فقط, لأول مرة منذ ما يقرب من 18 شهرا, وجاءت بصورة ##محادثات قرب## حديثة التولد, برعاية الولايات المتحدة.
وفي هذا السياق, يبدو أن موعد وصول ##أسطول غزة## — الذي كانت إسرائيل مصممة علي وقفه, كما فعلت تجاه الجهود السابقة لكسر الحصار — قد تم توقيته بصورة متعمدة لإثارة وقوع حادث يؤدي إلي إحباط تلك المحادثات. وكحد أدني, وجد الرئيس الفلسطيني محمود عباس نفسه مضطرا لتسمية الحادث ##عزم إسرائيل المسبق مع سبق الإصرار … علي قتل## صانعي السلام المزعومين الذين كانوا علي متن السفينة ومن الصعب اعتبار ذلك التصريح بداية مبشرة لمحادثات السلام.
لم يكن هذا الأسطول الصغير سوي المبادرة التركية الأخيرة التي تقف معارضة لأهداف الرئيس أوباما. فقد أحبطت أنقرة مؤخرا أيضا سياسات الولايات المتحدة تجاه إيران والعراق.
في مايو المنصرم, توسطتا تركيا والبرازيل في اتفاق التخصيب النووي الذي تم التوصل إليه مع إيران, والذي قالت عنه وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون إنه يجعل العالم ##أكثر خطورة, وليس أقل خطورة##. ويعقد الاتفاق إلي حد كبير مهمة الإدارة الأمريكية الهرقلية بالفعل, والتي تهدف إلي بناء تحالف دولي لفرض عقوبات علي إيران لمحاولتها صنع قنبلة نووية.
وفي الواقع, يعارض أردوغان علنا العقوبات التي تدعمها الولايات المتحدة ضد إيران. ونتيجة لذلك, تحاول إدارة أوباما فرض موعد التصويت علي العقوبات المقترحة في مجلس الأمن الدولي قبل تولي تركيا رئاسة المجلس بالتناوب في وقت لاحق من هذا الصيف.
وفي الأسبوع الماضي فقط, استضافت تركيا مؤتمرا لجماعات عراقية مسلحة تسعي لإعادة ترتيب صفوفها في الوقت الذي تستعد فيه الولايات المتحدة للانسحاب من العراق. لقد كان مؤتمر اسطنبول واحدا من تجمعين تم انعقادهما مؤخرا (الآخر في دمشق) واللذان أدانهما رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي كـ ##مزعزعان للاستقرار##, حيث قال: ##المستفيدون الوحيدون هم القاعدة والتنظيمات الإرهابية##.
وبطبيعة الحال, إن تدهور علاقات أنقرة مع تل أبيب هو أكثر وضوحا — وقد تمثل ذلك بإبطال الدعوة التي وجهت إلي إسرائيل للاشتراك في المناورات العسكرية التي أجراها حلف شمال الأطلنطي في العام الماضي, وإلغاء مناورات مشتركة أخري هذا العام في أعقاب حادث الأسطول الذي وقع مؤخرا.
ولكن يجب علي واشنطن أن تكون قلقة أيضا من قيام تركيا في العام الماضي بإجراء مناوراتها العسكرية الأولي من نوعها مع سورية, التي صنفتها حكومة الولايات المتحدة كدولة راعية للإرهاب. وبالمثل, وقعت أنقرة علي العديد من الاتفاقيات للتعاون الأمني مع طهران.
والسؤال الذي يتبادر إلي الأذهان هو لماذا اختارت أنقرة أن تغير من طبيعة تحالفها الاستراتيجي طويل الأمد مع واشنطن وإبداله بتنافس استراتيجي؟
لم تعد تركيا -في ظل حكومة حزب العدالة والتنمية الإسلامي- ملتزمة بالقومية العلمانية. فبعد أن تم رفض انضمامها إلي عضوية الإتحاد الأوربي, تنظر أنقرة ثانية إلي الشرق الأوسط بأنه مجال نفوذها الطبيعي.
إن عزم إدارة أوباما علي ما يبدو, علي الفرار من المنطقة في أسرع وقت ممكن, يساعد حزب العدالة والتنمية الإسلامي علي تنفيذ أجندته كما يؤدي إلي تحريضه علي القيام بذلك. وينعكس هذا في ترابط زيادة عدد القوات الأمريكية في أفغانستان مع بدء انسحابها العسكري السريع من تلك البلاد في صيف عام .2011 أما في العراق, فإن الجدول الزمني هو أقصر من ذلك, حيث ستنسحب منه معظم القوات الأمريكية المقاتلة بحلول نهاية هذا الصيف.
إن ##الفراغات في السلطة## من هذا النوع, لا تدوم مطلقا مدة طويلة. فطالما ينظر إلي إدارة اوباما بأنها تقوم بتخفيف علاقاتها مع دول حليفة للولايات المتحدة منذ فترة طويلة — إسرائيل ومصر علي وجه الخصوص — وتقلص من وجودها العسكري, فإن العديد من اللاعبين في المنطقة إن لم يكن أكثرهم سوف يستنتجون بأن الولايات المتحدة قد اختارت الخروج من الصراع حول مستقبل الشرق الأوسط.
* جوديث ميلر, هي زميلة مساعدة في معهد مانهاتن ومعلقة في القناة الإعلامية الإخبارية ##فوكس نيوز##. ديفيد شينكر هو مدير برنامج السياسة العربية في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدني.
نيويورك بوست