ويقتل الفقر حبي ويقتلني.. وينفث سمه في زهور حياتي وأحلي سنوات عمري.. ويتركني بقايا رجل هكذا بدأ الشاب ذو الثامنة والثلاثين من عمره حديثه إلي.. ولن أنكر ما أصابني من ذهول حينما أطلعني علي هويته الشخصية وعلمت سنه.. فملامحه تحمل عشرين عاما فوق عمره الفعلي.. في مقلتيه تستقر الهموم.. وبين حروف كلماته يصرخ ضعف الحيلة.. قال لي: الحب ممنوع علي الفقراء وفكرة الزواج خطيئة لا تغتفر ولأنني من الممنوعين لضيق ذات اليد جئت إليك حاملا تساؤلاتي.. أليس من حقي أن أنعم بالحب مثل غيري من البشر.. أليس من حقي الزواج؟!.. وحلم الأبوة متي يمكنني تحقيقه وأنا علي مشارف الأربعين من عمري؟! لست بساخط أو متمرد.. لكنني حائر تائه في دروب لم تشقها يداي ولم تعبرها قدماي.
أنهيت دراستي والتحقت بعمل مؤقت في إحدي الوظائف الحكومية أتقاضي منه 150 جنيها شهريا مرتبا أساسيا يزيد إلي الضعف بعد الحوافز ليصل إلي 300 جنيه.. أحيا مع والدتي في إحدي محافظات الصعيد, معاش والدتي 150 جنيها.. فيكون بذلك مجموع ما أتحصل عليه شهريا 450 جنيها.
450 جنيها شهريا يتوجب علي أن أنفق منها علي الملبس والمأكل والإيجار والعلاج لوالدتي المريضة بالضغط وأمراض الكلي وهشاشة العظام.. من أين لي الحياة الكريمة؟ بل وحتي الأقل من الكريمة؟ لم يدفعني كل ما سبق إلي التفكير لحظة في الزواج.. فلا يمكن أن تقبلني أية فتاة بأحوالي المادية المتردية التي أنا غارق فيها.. ولم تكن لدي الجرأة للإقدام علي تلك الخطوة ولكن..
توقف الشاب عن الحديث لحظة واختنق صوته.. كما لو كان يحبس دمعة كادت تفر من عينيه.. أو آهة تقفز من كلماته.. ابتسمت وقلت له: أنا سعيدة بك.. أنت شاب مكافح ومثالي.. ورغم كل ما يحيق بك من ظروف صعبة إلا أنك راض وتجاهد للأفضل.. كما أنك بار بوالدتك.. فكثيرون يملكون المال والصحة ويضنون علي أقرب من لهم بالرعاية أو المساعدة.. استوقفني مقاطعا: تشجيع مكشوف يا أستاذة ولست في حاجة إليه لكنني في حاجة للارتياح.
أجبته: وفيما تجد راحتك؟.. قال: في حبي صمت الشاب تماما ثم أخرج من محفظته صورة وضعها أمامي قائلا: إنها هي.. سألته: من؟ قال: من أحببتها.. نعم أحببتها.. أو ليس من حق الفقراء أن تنبض بالحب قلوبهم؟.. ابتسمت قائلة: لا بالطبع من حقهم.. الحب حق لكل البشر.. حقنا جميعا ما حيينا.. الحب هو العاطفة الوحيدة التي تمنحنا قوة دفع خارقة وينير لنا المستقبل.
هب الشاب واقفا وقبض كلتا يديه قائلا: لا لأ لأ لأ لأ لأ.. الفقراء مش من حقهم يحبوا لأن الحب في عرفهم جريمة.. وكل قصة حب تنتهي معاهم بالفشل.. نهضت من مقعدي وربت علي كتفيه فبسط يديه المقبوضتين واسترخي ملقيا بجسده النحيل إلي مقعده مرة أخري.. واضعا رأسه بين كفيه.. ثم رفعها وقال: أحببتها لكنها من أسرة متوسطة الحال -مستورة- هي أيضا أحبتني كثيرا لكن كيف أكلل حبي بزيجة ناجحة متوافقة؟.. كيف أضمن لها حياة كريمة؟.. بـ450 جنيها أحيا بها أنا ووالدتي! كيف أجبرها علي العيش مع والدتي وإن ارتضت هي من أين لي بالأثاث وبمصروفات الزواج ومن أين لي بالإنفاق عليها بعد الزواج؟ أعمل من التاسعة صباحا حتي الخامس مساء بـ300 جنيه.. ولا أجرؤ حتي علي التفكير في التقدم لخطبتها أو عرض ظروفي علي أسرتها.. أنا واقعي مع نفسي وأعلم إمكانياتي تماما..
سألته: وما موقفها من ظروفك؟ هل لديها استعداد لقبولها؟.. هل مستعدة أن تبدأ معك رحلة كفاح قد تكون مريرة وصعبة.. فما من حياة استمرت وردية طيلة الوقت بالحب وحده.. أجابني: إنها تحبني لكنها في مأزق أمام أسرتها.. والمتقدمون لخطبتها كثيرون وجميعهم مقتدرون ماديا فكيف تواجه أسرتها بظروفي؟.. وكيف أستطيع البدء وأنا معدم خاوي اليدين.. لا سند لي ولا مال.. أصبحت مكتئبا وحزينا باستمرار.. حتي في أحلامي أري كوابيس الفقر تلاحقني أراني كل يوم واقف علي أبواب قصر كبير معلقة عليه لافتة تقول هنا الحب وفي أقصي اليسار لافتة أخري مكتوب عليها الفقراء يمتنعون.. يا سيدتي لم أرو لك تفاصيل فقرنا ولا العوز الذي نحيا فيه ولا تفاصيل أيامنا الثلاثين منذ اللحظة الأولي لتلقي الراتب إلي لحظة فراره مرورا بتفاصيل حرمان ثقيلة أخشي علي حبيبتي أن تحياها أو تراها بسبب ضعف حيلتي.. فماذا أفعل.. هل أضحي بحبي؟ هل أظلمها معي وأحثها علي الضغط علي أسرتها للارتباط بي.. وهي التي أمامها فرص أفضل لزيجة مستقرة أم أتركها لآخر وأظل العمر تعسا ممزقا.. الحيرة تفترسني, فماذا أفعل؟
استمعت إليه منصتة لما يتصارع في أعماقه من مشاعر.. ثم قلت له: لا أنكر عليك حقك في الأحزان ولا حقك في الحيرة.. ولا أنكر عليك حقك في أن تكره الفقر وتلعنه إذا ما حرمك حلمك الوحيد في الحياة هو الارتباط بمن أحببت.. لكن دعنا نتأمل الوضع بعقلانية ونخرج من دائرة المشاعر الحالية التي تتبدل بعد الزواج.. إذا كانت حبيبتك لديها استعداد كامل أن تحيا معك المعاناة المادية.. بل وتساهم في نفقات المعيشة من خلال عملها.. فسوف تواجه ليس فقط أسرتها وإنما العالم بأسره لتحظي بالارتباط بك.. وإن لم تكن تحمل لك نفس الحب.. أو أنها تحسب الأمور بعقلانية أكثر فلن نلوم عليها عقلانيتها.. لكنها حينذاك تكون غير مستعدة للنضال معك في معركة الفقر وستتحول حياتكما إلي جحيم دائم بسبب الاحتياج.. فأمر الأثاث ونفقات الزواج وتأسيس منزل الزوجية ونفقات الزفاف جميعها أمور يمكننا مساعدتك فيها وتدبير أمرك من خلال أصحاب الأيادي الكريمة.. لكن يبقي الأخطر وهو الحياة اليومية.. نفقات المعيشة التي لا يمكن بأي حال لـ450 جنيها أن تكفي أسرة مكونة من ثلاثة أفراد وقد تنتظر رابع وليد بعد شهور من الزواج.
أنت ترمومتر حبيبتك وأنت الوحيد الذي تستطيع الحكم علي مشاعرها فإذا كانت مستعدة للتضحية فلا تدعها لآخر فامرأة فاضلة ثمنها يفوق اللآلئ.. أما إذا كانت ما بين وبين.. وتتعلل بأسرتها وبالمتقدمين لخطبتها فدعها غير نادم علي حب ذهب.. فبعد الحب يأتينا حب.. وبعد اللوعة تنفتح قلوبنا مرات ومرات لقلوب تستحق مكنون نفوسنا. ونصيحتي لك أن تحاول البحث عن عمل آخر.. وتحاول البحث في داخلك عن موهبة أو شئ تهوي عمله لتزيد من دخلك. حتي تتمكن من الارتباط لاحقا.
أما حلمك ومسألة الفقراء يمتنعون.. فلا أخفيك سرا ولن أجاملك هناك أشياء لا يستطيع الفقراء الاقتراب منها ويمتنعون.. لكن الحب لا يقع في قائمة تلك الأشيا أبدا.. هون علي نفسك فكم من فقراء عاشوا مستورين وكم من أغنياء افتضحوا.. وكم من فقراء تبدلت أحوالهم بفضل الجهد الدؤوب والعمل المخلص.. وصاروا من الناجحين والميسورين.. وكم من أغنياء ارتفعت هامتهم ثم سقطوا وذاقوا من الإذلال ما لم يذقه فقير اعتاد الفقر.. فالعبرة ليس بما تملكه أيادينا وإنما بما تبسطه أرواحنا من إصرار وعزيمة وحب.
================
إيد الحب
امتدت أيادي الحب بالمبالغ التالية:
2100جنيه فاعلة خير
50 جنيها منك وإليك
9000 جنيه فاعلة خير ببني سويف