عصيان الجليد
ترددت كثيرا قبل الكتابة إليك لكنني أصبحت غير قادر علي تحمل المعاناة بعد أن أشرفت علي سن المعاش,تبدأ قصتي منذ 31 عاما حينما تزوجت من فتاة تنتمي لأسرة أقل من العادية,ولم تحصل من العلم إلا علي المؤهل المتوسط رغم أنني حاصل علي مؤهل عال,سارت الأيام الأولي بيننا سعيدة إذ أنها تخلصت من المعاملة القاسية التي كانت تلقاها في منزل أسرتها,هذا ما عرفته فيما بعد,ثم أثمر زواجنا عن ابنه وولدين حاليا تخرجوا جميعا في كلية الطب.. كان علي الجد في العمل حتي أتمكن من تغطية مصروفات أبنائي والارتفاع بمستوي أسرتي ,لذلك عملت بالخارج بمفردي تاركا أسرتي هنا,وربما كان ذلك سببا في عدم اكتشافي المبكر لمواطن الضعف لدي زوجتي,بعد مرور سنوات أصبت بانزلاق غضروفي وساءت حالتي الصحية,فقررت العودة عام 1989,وكانت تلك رغبة الزوجة والأبناء وأيضا ,وفي نفس يوم العودة فوجئت بانقلاب حاد في معاملة زوجتي لي لا يتناسب مع رغبتها في عودتي إطلاقا,ولم يحدث هذا الانقلاب إلا بعد أتصال هاتفي مع أسرتها.
أصابتني الدهشة حينما أمطرتني بالاتهامات,وكان ذلك أمام أطفالي ولم تتورع عن نعتي بأحط الأوصافأنت معدوم الكرامة,وممثل وبتدعي المرض,شيطانكل ذلك واتهامها لي بادعاء المرض رغم وجود الأشعات والأدوية ثم قالت ليأنت عايز تنام وأنا أصرف عليكشعرت بالغربة بين جدران بيتي ولم أجد حتي الرحمة من أقرب الناس لي,هزتني صدمتي فيها,وأعترف أنني كنت سلبيا في ردود أفعالي,فلم أملك إلا العودة مرة أخري إلي الخارج,وأنا كلي ألم لكنني لم أستطع الاستمرار,وهاجمتني آلام الانزلاق ففضلت الرجوع مرة أخري إلي مصر,وكان لنا منزل مستقل من دورين صممت زوجتي علي الأنتقال إلي حي أرقي مع تسجيل ملكية المنزل باسمها فوافقت اعتقادا مني أننا شخص واحد رغم كل ما حدث سابقا,نفذت لها ما طلبته واستدنت بمبلغ قارب خمسين ألف جنيه وساعدني والدي في تسديد ما علي,ومرت الأيام ثقيلة حاملة من النكد أقصاه يوميا شجارات عديدة لأسباب تافهة لكنني تحملتها,خاصة أنني انشغلت لفترة طويلة بمرض والدي المسن.
تغاضيت عن كل شيء وظللت في حالي السلبي إلي أن جاء المحك الحقيقي عندما أرادت ابنتي اختيار شريك حياتها زميل لها في نفس المستشفي الذي تعمل به طبيبة ,لكنه قوبل بالرفض من جانب والدتها وإخوتها,لأن والده يعمل مقاولا ويرتدي الجلباب طوال الوقت,أرأيتم نظرة سطحية كهذه؟!,وتحركت جبال الجليد التي تجمدت داخلي طيلة ثلاثين عاما لتعلن عصيانها علي هيمنة وتسلط زوجة فقدت الحكمة والرحمة وتشبثت بالمظاهر وحب المادة.
تدخلت لأحاول إقناع زوجتي وأبنائي بصلاحية هذا الشاب كزوج لابنتنا لكن دون جدوي,وحينما احتد النقاش قالت زوجتي:أنت مت من حياتنا زمان ومالكش ترفض أو توافقوشجعت ابني الأكبر علي التطاول علي ومحاولة ضربي لولا أن أخاه الأصغر منعه وتلقي الضربة عني,لكنها نفذت وأصابت قلبي حتي لو لم تلمس جسدي,تدفقت ينابيع الدموع من عيني,جمد الضعف حزمي كأب وحكمتي كرب أسرة ولا مفر.
لم تترك لي تلك المرأة حتي احترام الأبناء بل طغت وجارت وانتزعت مني الفرصة لاحتضان أولادي والشعور ببنوتهم مثلما يشعر أي أب,انتهي الموقف بالانفصال التام فعشت مع والدي وتفرغت لرعايته,لكن القدر كان قاسيا معي فأصبت بشلل في قدمي,وكانت آنذاك فرصتها الذهبية لمعايرتي وإهانتي إذ أنني أقيم في الدور السفلي مع والدي بنفس العقار,ثم هددتني بالطرد من المنزل الذي سبق ونقلت ملكيته إليها.
طلبت ابنتي التدخل من الآباء الكهنة بالكنيسة ليقنعوا والدتها بالموافقة علي هذه الزيجة,لكنها ثارت وشتمت الشاب أمام الكل,فما كان مني إلا أن أستمر في عصياني الوحيد الذي أعلنته طيلة زواجي منها,حرصا علي مستقبل ابنتي,فاستقبلت الشاب عند أحد أقاربي,وتمت إجراءات الخطبة,فأضطرت الزوجة للرضوخ ووافقت شريطة إتمام كل شيء في أضيق الحدود وبدون حفل حتي صار الزفاف كالمأتم,وها هي ابنتي الآن تعيش سعيدة ورزقها الله بابن عمره الآن ثلاثة أشهر لا تفارق الأبتسامة شفتيه,وهذا ما يخفف عني كل عناء تحملته من قبل.
لكن التسلط وغلظة القلب عندما يتمكنان من إنسان يعصف بأقرب الناس إليه,وهذا ما فعلته زوجتي بابنتنا حيث قررت عدم دخولها إلي منزلنا وحرمانها من أي مستحقات لاحقا,وعندما دافعت عنها طلبت الانفصال رسميا رغم أننا منفصلان جسديا منذ عامين,والمؤسف أن بعض كهنة الكنيسة التي تقع في دائرتها الجغرافية يصدقونها بل ويعتبرونها الحمامة الوديعة وأنا الشيطان الماكر,فكيف تستقيم هذه الفكرة مع إنسانة كارهة لزوجها طاردة لابنتها تبث الكراهية في نفوس ابنيها تجاه أختهما وزوجها حتي أنهم يقاطعونها تماما حتي الآن.أنا حائر ولا أعلم ماذا أفعل: هل أترك المنزل وأتشرد أنا ووالدي المريض حتي أتخلص من النكد المستمر والشر الذي يلاحقني؟ أم أنني أسعي في طريق الانفصال الرسمي؟وهل أخطأت عندما أعتبرت أن كلانا واحدا فكتبت ما أملك بإسمها ؟وهل أخطأت عندما أعلنت عصياني ووقفت إلي جوار ابنتي؟أنا لا أعلم شيئا…فهل من مشورة؟
لصاحب هذه الرسالة أقول:
سئل الكاتب الفرنسي الشهير موليير: لماذا يسمح للأمير بتولي العرش في الرابعة عشر من عمره,ولا يسمح له بالزواج قبل السابعة عشر؟فأجاب لأنه أيسر للرجل أن يسوس مملكة من أن يسوس امرأة.فالمرأة يا عزيزي حسب تحليل معظم الكتاب والشعراء تجتمع فيها كل الصفات فلا تستغرب أن تكون في منزلك شيطانة وفي الكنيسة حمامة وديعة,وقد يكون الأمر لاعلاقة له بالكذب أو الافتعال وإنما يرجع إلي حالتها المزاجية لدي وجودها في البيت أو الكنيسة,ولكن دعني أطرح عليك سؤالا عليك مواجهة نفسك بإجابته,تري لماذا تحولت زوجتك إلي تلك الحال الميئوس منها؟لماذا لم تردعها وتستخدم حقك عليها كزوج فتدير حوارا حكيما حازما في آن واحد؟أنت الوحيد الذي يمكنك الإجابة علي هذه التساؤلات ربما تصل لنتيجة.
لكن دعني أيضا أقول لك إنه لم تكن لديك الفرصة إلا للسلبية وليس للشراكة إن كلمة الحب في اللغة اليونانية تعنيأغابيومفهوم الأغابي يبتعد تماما عن مفهوم الحب الدارج بين الأزواج وإنما يرمي لشركة حقيقية تقوم علي ارتباط الزوجين ببعضهما البعض وبالله وهذا ما افتقدته في حياتكما فكل منكما كان في طريق,والنتيجة الطبيعية جفاء شديد منها وسلبية متناهية منك,ولا أستطيع حقا فهم أسباب السلبية فهل هي ضعف أم استسلام أم إحساس بالذنب نتيجة لشئ لم تذكره في رسالتك؟
لكن فات الأوان لتحليل تلك الأمور وتبقي حاليا المشكلة الأخيرة فبالنسبة للانفصال الرسمي,طلب لايحمل إلا الهراء لأنه لا طلاق في المسيحية.ويبدو أنها تقول هذا من باب الانفجار الكلامي الذي من الواضح أنه يصيبها كلما حدثت مشاحنات فلا تستطيع السيطرة علي نفسها فتنطلق لتقذف الناس بما يحلو لها من شتائم وسباب.
وعن تركك المنزل فهو أمر غير منطقي فأين ستذهب بوالدك المريض؟وكيف ستدبر المال فهل تزيد مشكلاتك مشكلة جديدة؟! هذا فضلا عن أنك بذلك ستقطع الأواصر بينك وبين أبنائك والتي قد تتجدد وتقوي بعد حين إذا ظلت في نفس المنزل,لكنها ستذبل وتنقطع بالرحيل مثلما حدث مع أختهما وهنا تكون الخسارة مزدوجة,أما عن وقوفك إلي جوار ابنتك فهذا هو الفعل الإيجابي الوحيد الذي قمت به طوال ثلاثين عاما ودفعت صمنه من إنهيار علاقتك بأبنائك حتي تطاول عليك أحدهما بالضرب,ذاك العصيان لا يستحق الندم إنما يستحق الفخر,إنه يشبه عصيان الجليد الذي يأتي مرة واحدة فيتحول الجليد لماء وعندما ينهار ولا يعود مرة أخري .
وأخيرا أقول لك إن زوجتك أجرمت ليس في حقك فقط وإنما في حق الأبناء لأنها زرعت فيهم الحقد ويثبت الكراهية وهذا هو الجرم الحقيقي الذي تقع فيه أي أم,فعندما سئل نابليون عن الحاجة القصوي التي تحتاج إليها فرنسا؟أجاب أمهات أمهات…أمهاتفالأم قادرة أن تصير ابنها شيطانا أو ملاكا,قديسا أو شريرا وفي كلتا الحالتين ستجني هي مازرعته بعدما جنيته أنت,فإذا كانت أنشأت ابنا يحمل من العقوق أقصاه لك عزاء أن هناك الابن الأصغر الذي تلقي الصفعة عنك,إنها بذرة لاتدعها تيبس بل حاول ريها ولا تترك المنزل وكن إيجابيا,فما أصابك من شلل في قدميك مؤخرا أصاب إرادتك منذ زمن بعيد ربما لاتعود القدمان لكن الإرادة بإمكانها العودة إذا ما رغبت فلتبدأ من جديد وليكن الجسر هو الابن الأصغر.