عندما يبوح الإنسان بما في نفسه من أسرار أو أحزان وربما سقطات يكون قد وضع قدمية علي بداية طريق التحرر من المعاناة.
افتح قلبك….مساحة نلتقي فيها لنعبر جسر المعاناة…مساحة تقدس الخصوصية,وتحترم السرية…هذه دعوة للقراء لنتلامس معا في إطار المشاكل:عاطفية-أسرية-نفسية-اجتماعية-مهنية أو تتعلق بأمور المواطنة…طرح المشكلة يحمل أملا في مساعدة صاحبها,علاوة علي مساعدة أخرين يترددون في الإفصاح عن أنفسهم.
تواصلوا معنا علي الخط الساخن 0106058093 يوميا من الساعة 6م-8م أو عبر البريد الإلكتروني [email protected]أو راسلونا علي عنوان الجريدة.
كثيرا ما تساءلت عن السعادة,هل هي في الحب أم في الاستقرار أم في الصحة أم في الثروة ؟وكلما ضاع أحد الأشياء مني شعرت بفقدان جزء من سعادتي إلي أن فقدتها بالكامل. لن أحدثك عن أوراق الحب التي تساقطت الواحدة تلو الأخري بعد أن أصابها الذبول وعصفت بها رياح الحياة,ولن أحدثك عن المرأة الطريحة داخلي بعد أن قاربت الخامسة والأربعين من عمري,ومازلت أرنو للعودة إلي طفولتي حتي أشعر أن هناك من يحمل عن كاهلي ما أثقلهما ومن يربت علي كتفي حتي أغرق في نوم عميق .
لن أشغل بالك أوبالي..بمشاعر زوجة فقدت معني الشركة الزوجية فقط دعيني أروي لك مأساتي.
تزوجته بعد خطبة دامت ست سنوات وبعد أربع سنوات من الزواج أنجبنا خلالها ابنين قرر ترك عمله الثابت نهائيا وسافر إلي إحدي الدول العربية أملا في تحقيق طموح مادي أكبر ,لن أدعي أنني قاومت سفره فقد كان الإغراء المادي قويا,خاصة أن زوجي مسرف جدا.
لم تمض علي سفره بضعة أشهر حتي أصابته أزمة قلبية حادة ونصحه الأطباء بتخفيف الجهد المبذول بوجه عام,فعاد إلي مصر تاركا في غربته كل معاني الأمل والتفاؤل…فتمكن الوهم منه,وظل قابعا في المنزل بلا أي عمل .
بدأت المخاوف في التسلل إلي قلبي وشكوت حالي إلي والدتي التي أنا وحيدتها فنصحتني بالوقوف إلي جواره حتي يتخطي الأزمة, وصبرت..وتركت أمري للزمن…ومرت السنون حتي مالت شمس العمر نحو الغروب وأنا أعول ثلاثة أبناء أكبرهم زوجي.
أدركت أنه لا مفر فأسلمت مقاليد حياتي لليأس بعد أن مضي اثنا عشر عاما كنت فيها الأم والأب معا.لم أنتهره يوما,ورغم معاناتي مارست الدور الذي وقع علي عاتقي في صمت,فكنت أذهب إلي عملي لأعود وأجده قابعا في المنزل لايفعل شيئا لمساعدتي ولا حتي في توجيه أو تربية الأبناء,رغم أن الأطباء منعوه فقط من الجهد الشاق وليس الجهد العادي.
أصبح زوجي مجرد ضيف شرف في حياتنا,وصرنا لا نحمل منه سوي اسمه ولايحمل لنا إلا الضيق بعد أن فاقت عصبيته كل الحدود,حاولت مرارا إقناعه بقبول بعض فرص العمل التي وفرها لنا الأهل والمعارف ولكن باءت جميع محاولاتي بالفشل,وكان دائم التذرع بحجج واهية,ولم يعينني علي الاستمرار في العيش الكريم سوي المساعدات المادية التي دأبت والدتي علي تقديمها لنا بانتظام مقتطعة إياها من احتياجاتها,فهي عجوز مريضة ووحيدة منذ أن رحل والدي وأنا مازلت طالبة.
انتظرت أن تنفرج الأزمة دون جدوي بل تحولت الآن إلي كارثة,فأصبح زوجي يمثل قدوة سلبية لابنينا,خاصة وهما في سن المراهقة التي تتكون فيها شخصية الإنسان وميوله واتجاهاته,وأخشي أن يرثا عن والدهما -طالما رأياه هكذا وقد جاوز الثالثة والخمسين من عمره- عدم احترام قيمة العمل…والمشكلة الأكبر أنني لم أعد أحتمل العبء المادي الملقي علي كاهلي حتي أنني كل ليلة يطاردني شبح رحيل والدتي في أحلامي قبل يقظني فماذا لو رحلت…كيف سأكمل المسيرة ,ومن أين لي بنفقات أسرة من أربعة أفراد؟أنا في حيرة من أمري,فماذا أفعل؟
* * سيدتي….ربما لانعلم معني السعادة إلا عندما نفقد أسبابها,ولكن ما ذكرتيه في بداية حديثك عن أسباب هذه السعادة ما هو إلا جزء ضئيل منها إذ أوقعك اليأس في المبالغة والتضخيم,فاليأس عندما يتملك منا يشل قدرتنا علي التفكير فيحجب عن أعيننا كل العطايا الجميلة التي منحنا الله إياها.
ألا ترين في ابنيك جزءا أصيلا من السعادة التي لاتودين رؤيتها في حياتك؟!ألا ترين في عملك شبعا ماديا ومعنويا؟! ألا تجدين في والدتك سندا وعونا يفتقده الكثيرون؟! كل ما سبق يقع تحت قائمة مقومات السعادة في حياتك لكنك غافلة عنها,فقط أزيلي الغيوم التي تحول دون بصيرتك والسعادة الموجودة في حياتك.
أما عن مشكلة زوجك فعذرا سيدتي لماذا طال صمتك طوال هذه السنوات؟فأصبحت الأمور أصعب عليه وعليك,فانتظارك حتي تجاوز الثالثة والخمسين من عمره جعل من قبوله لفرصة عمل جديدة أمرا صعبا…لذلك نصيحتي لك أن تسيري في ثلاثة اتجاهات متوازية,أولها وأهمها غرس قيمة العمل لدي ابنيك,مع بث روح التعاطف داخلهما تجاه والدهما لرسم صورة ذهنية مقبولة له كرب الأسرة,وهما في سن يمكنهما تفهم حالته المرضية.
أما الاتجاه الثاني فهو محاولة التخلي التدريجي عن المساعدات المادية التي تقدمها والدتك عن طريق ترشيد النفقات حتي إذا ما انقطعت فجأة تلك المساعدات تستطيعين الصمود ولاتجدين نفسك أمام مشكلة لاحل لها,وليكن هذا التخلي باقتطاع المبلغ وادخاره بعيدا عن مصروف المنزل حتي لاتمتد يداك إليه.
الاتجاه الثالث هو التفكير في عمل خفيف ,بسيط يمكن لزوجك أداؤه داخل المنزل,وليكن هذا العمل مرتبطا بشيء محبب إلي قلبه,من هنا يمكن أن يقدم نموذجا طبيعيا للأب الذي يعمل كسائر الآباء ,فقط احرصي علي بث الحماسة في نفسه وإشعاره أنه كائن مفيد وليس ضيف شرف حياتكم كما تقولين…لتشكري الله أن ابنيك علي أعتاب مرحلة الشباب فاستثمري فيهما ولتؤهليهما للانطلاق إلي سوق العمل عندما تحين الفرصة المناسبة.
أعلم أن اتباع هذه النصائح أمر شاق,لكن قوة احتمالك طيلة السنوات الماضية تبث في نفسي أملا وتفاولا أنك ستنجحين فيما تبقي,ولتتذكري دائما أن الحياة كأس ممتزجة من الشقاء والهناء,ومن اختلاطهما نرتشف متعتها.