ضاقت ولما استحكمت حلقاتها فرجت,وكنت أظنها لاتفرج صدق قائل هذه العبارة,فمنذ أيام جاءتني صاحبة قصة أبناء في انتظار التشرد لتروي لي قصة هروبها من بلدتها بالإسماعيلية خشية تنفيذ حكم القضاء ضدها بالسجن لمدة عام في قضية قرض بنك التنمية والائتمان الزراعي الذي حصل عليه زوجها منذ عامين وقيمته 12 ألف جنيه باسمها ثم لم يتمكن من السداد وهرب خارج مصر تاركها لتواجه المصير الأسود بثلاثة أطفال في مختلف الأعمار ويحيون جميعا بمعاش الجدة وقدره أربعمائه جنيه شهريا.
دخلت بخطي ثقيلة إلي مكتبي تجر خيبة الأمل بعدما جاءت تائهة إلي القاهرة,والتحقت بإحدي دور المسنين كعاملة نظافة مقيمة شريطة عدم اصطحاب ابنها الأصغر الذي لم تتمكن من تركه لجدته بالإسماعيلية فعمره لم يتعد العاشرة بعد,امتثلت للأمر برمته بعدما اقترح عليها مدير الدار إلحاق الصبي بدار للأيتام ومازال أبواه علي قيد الحياة,أم مشردة وإخوة مشتتون وأب هارب.
قالت السيدة:ابني في الملجأ من أسبوعين وأنا قليلة الحيلة مش عارفة أعمل إيه ماعنديش حل تاني ماعرفش حد ماليش حد ومافيش فايدة ماقدرش أتراجعكيف نترك طفلا في عمر الزهور بالملجأ وأبواه علي قيد الحياة؟وعلي أي نحو ستكون مشاعره حين يشب ويدرك ما فعلا أبواه به وما فعله المجتمع؟ هكذا سألتها مستنكرة تسليمها بهذا الحل,ورحنا نجري الاتصالات مع مدير الدار,وبعد محاولات مضنية مع رئيس مجلس الجمعية التي يتبعها الدار قال: أرسلوها لي غدا لأحل مشكلتها من جذورها,وتوقعنا أن الأمر قد تم حله وفرحنا ,وأثناء تواجدها بمكتبي اتصل مدير الدار وقال لها:إنتي مش هاتنفعي معانا كدة ومش هاينفع تيجي بابنك وده بيعمل مشاكل.
ثم تحدث إلي بلهجة تقترب من التهديد أكثر من قربها للوائح الدار واستشعرت منه غدرا,وما أن وضعت سماعة الهاتف إلا وبكت السيدة بعنف قائلة:خلاص مافيش فايدةمش هايسيبني في حالي هايتعبني لغاية ما أسيب المكان.
كان أثناء هذا الحوار دخل لزيارتي صاحب مشكلةودمرتني أميوزوجته بصحبته ,تلك المشكلة التي نشرناها منذ أسبوعين ,والذي عاش حياته كلها يعاني من جفاء والدته التي صارحته بأنه لقيط,لذلك ضحي بأبوته وتزوج بامرأة تكبره بعشر سنوات وعمرها 48 سنة,وبالطبع فقدت قدرتها علي الحمل,استمع الرجل لقصة المرأة بالصدفة البحتة أثناء انتظاره وحضر الاتصالات التي استمرت لمدي ثلاث ساعات,وعندما بكت السيدة وجدت عينيها وقد أغرورقت بالدموع,هب الرجل واقفا وقال:أنا ممكن آخد الولد هاخلي بالي منه,ثم بلهفة قاطعته زوجته قائلة:أنتم كده هاتسعدونا وهاتبقو قدمتو لينا زهرة تملي علينا حياتنا الفاضية ومنها إحنا نبقي سعداء ومنها نعمل خير,ونساعد الطفل وأمه.مرت علي لحظات شعرت فيها وكأني أشاهد أحد أفلام سينما الأربعينيات غير مصدقة ما أسمعه,لكنه الواقع الذي قد نجده أغرب من كل خيال مبدع,أسرني الموقف ولا أستطع إيجاد رد فوري عليهما,ولا اتخاذ قرار في هذا الشأن,فرحت أبصرهما بما يمكن أن تتطور إليه الأمور من تعلق بالطفل,وإنكسار إذا ما حرم منه فجأة عندما تحل مشكلة والدته ,قالا لي اعرضي الأمر عليها,فما كان مني إلا أن عرضته,وافقت السيدة في الحال,غريق يستنجد بأول طرق نجاة حتي ولو كان خاويا من الهواء,بصرتها أيضا بإمكانية تعلقهما بالولد وتعلقه بهما وانسلاخه عنها,صمتت ثم انفجرت باكية: أعمل إيه عندك حل تاني؟ملجأ ماينفعش ,دار مسنين ماينفعش طيب أعمل إيه؟أنا غرقانة أنا حلي الوحيد الموت مش لاقية حد يمد إيديه من غير شروط,كل حاجة مشروطة حتي الخير في زماننا ليه شروطاهتز كياني لدموعها .
ونصحتها بالتروي للغد لحين إتمام زيارة من وعد بحل مشكلتها.
تركتني آملة في غدها,دامعة علي يومها,وترجاني الرجل وزوجته اللذان عرضا إقامة الطفل لديهما بالنظر في الأمر,لم تمر ساعة حتي دق جرس الهاتف يحمل صوتا منهارا تخنقه حلقات ضاقت حتي كادت تكسر ما تبقي من رغبة في الحياة,طردها مدير الدار قائلا لها:لما تحلي مشكلة ابنك ابقي تعالي لكن دلوقتي ماينفعش تبقي معاناتوسلت إليه ذرفت دموعها واستعطفت إياه قائلة:أنا الآن وحدي وابني ليس معي فلماذا أرحل؟وإلي أي مكان أرحل ليس لي في القاهرة سند ولا رفيق.
لم يلمس الحنان قلبه وراح يؤكد علي قراره معددا لها ما قدمه لها من مساعدات منذ أن حطت علي الدار ,رحلت حاملة ما تبقي من كرامة مع منتهي الألم, اتصلت بي وأصابتني بالصاعقة عندما علمت بأمر طردها وآنذاك كانت زميلة كريمة من زملائنا بالجريدة تجلس إلي جواري متابعة ما يحدث عرضت فرصة عمل أنية في إحدي دور رعاية الأطفال لها,لم أكن أتصور أن الأمور يمكن أن تحل هكذا بمحض المصادفة التي لعبت دورا محوريا في هذا اليوم لكنها الحقيقة كاملة,وكل من عاصر حدوث الموقف أطلق عبارة واحدةضاقت ولما استحكمت حلقاتها فرجتنعم عملت المرأة في الدار,ومازال ابنها بالملجأ,ومازالت منفصلة عنه ومازالت مشردة عن الابنين الآخريين,تاركة منزلها لحين سداد قرض البنك,وها نحن نطلق نداء آخر لأصحاب الأيادي الكريمة ربما نساهم في شمل تلك الأسرة من أجل أبنائها.
أنا شاب من أسرة بسيطة,أقطن بناحية الطوابية-دائرة أولاد عمرو محافظة قنا-أتممت المرحلة الثانوية من دراستي وحصلت علي الشهادة الزراعية عام 2003,ونظري آنذاك راح يخبو رويدا رويدا,فتوجهت حينها لمكتب التأهيل الاجتماعي للمعاقين بمحافظة قنا لاستخراج شهادة التأهيل,وبعد إجراء الفحص الطبي تقرر استخراج شهادة معاقين لي,ذهبت حاملا إياها إلي مكتب العمل,وتم ترشيحي للتعيين في مديرية بتاريخ2007/8/9,ومن حينها وحتي الآن لم أحصل علي فرصة عمل.
أنا تائهة لا أعلم ماذا أفعل؟ فلا أمتلك صنعة أو حرفة أتكسب منها رزقي,وليس لي أي مصدر دخل,لذلك تقدمت إلي عضو مجلس الشعب والمحافظ بعدة طلبات,ولكن للأسف دون جدوي, كما أنني أرسلت إلي وزير الزراعة ووزير القوي العاملة والهجرة ثلاثة خطابات ولا أمل.
مش عارف أروح لمين تاني,مش عارف صوتي بيوصل لهم ولا لأ,مافيش حل قدامي إلا لجوئي لكم,فاغيثوني.
نعيم نصر دوس-قنا
———
بعد نشر استغاثتك يا نعيم لانملك إلا مناشدة المسئولين رحمة بظروفك, فالقانون في صفك, ومن حقك الالتحاق بفرصة عمل عادلة, سوف نقوم بالاتصالات اللازمة لتوصيل استغاثتك إلي المسئولين.