بالسخط أو بالرضا سوف نحيا هذه الحياة .. فهنيئا لمن رضي بالجهد سعيا وبالصبر طوقا للنجاة فلا في السخط راحة ولا في الشكوي واحة بها قطرة مياه .
رضا الغلابة
عم بشاي …عجوز كسا الشيب رأسه .. وعلي قسمات وجهه البرئ حفرت السنون بصمتها.. كلما ابتسم ازداد براءة .. جاءني بجلبابه المبلل بآثارالليمون تنبعث منه رائحته طالبا المساعدة .. تصورت في البداية أنها مساعدة مادية فشكله المنهك وملابسه الرثة أوحت لي بذلك.. لكن يبدو أن كثرة الوافدين لم تمنحني الفطنة بعد ..سألته : ## مشكلتك إيه يا عم بشاي ؟ قال : ## من 18 سنة كنت ساكنا في بيت قديم في مصر القديمة وفجأة حصل الزلزال …اتهد البيت ونجينا أنا والعيال بمعجزة .. ومن ساعتها لغاية دلوقتي ساكنين في أوضة في مصر القديمة كانت في الأصل سكن حماتي إللي ماتت ..كبروا ولادي واشتغلوا صنايعية ..اتجوزت البنات و ربنا قدرني علي الزمن لكن لسه عايشين في نفس الأوضة .. قدمت زي كل الناس علي شقة في المحافظة..أعطوني ورق أني هاخد شقة في الجباسة.ومن نهارها من 18 سنة.. لا شفت الشقة ولا المحافظة علشان إحنا غلابة مالناش واسطة ##.
سألته :بتشتغل إيه ؟ .. فرد : بياع ليمون.. فسر رده رائحة الليمون المنبعثة من ملابسه ممتزجا بها الشقاء والسعي الدؤوب خلف الرزق .. مدت إحدي زميلاتي يديها ببعض المال تعاطفا معه رفض الرجل .. بعد عناء قبل بمنتهي الخجل , وعندما سألته: هل تحتاج أي شيء ؟ أجاب : ## لا.. بس كلموا لي المحافظة علشان يدونا الشقة ..إحنا تعبنا أوي في السكن وجنبنا ورش كتير … تعالوا شوفوا بنفسكم إذا كان أي حد يقدر يعيش في المكان ده ولا لأ##.
##بتشتكي من أي حاجة…أي مرض…أي تعب##؟ هكذا أعدت علي مسامعه السؤال مرات ومرات.. رد عم بشاي :##لا عملت عملية في عيني بس الحمد لله خفيت وكويس .. ركبي وجعتني شوية بس ماعنديش حاجة ## ..تركني واثقا أن لدي حلا لمشكلته متصورا أن مفاتيح الجنة مع الصحفيين ومعها مفتاح شقته التي ينتظرها قرابة ربع قرن بالجباسة ..نهض من علي مقعده .. لاحظت سيره أمامي وإذا به غير قادر علي الضغط علي أقدامه .. عجوز بمعني الكلمة لكنه راض غير شاك .. السن تجاوز السبعين و الشقاء باد عليه بلا جدال..لكنه صامد بمنتهي الرضا الذي لم اعهده في كثيرين من زواري.
ننتظر الآن مع عم بشاي رد محافظ القاهرة أو مساعدة أي طرف يجد حلا أو وسيطا يستطيع التدخل لتحقيق أمنية هذا الرجل ربما نتمكن من إسعاده في خريف عمره .
نداء الأبوة
أنا موظف بسيط من إحدي محافظات وجه بحري,متزوج ولي ابنتان خطا الزمان بهما نحو الشباب وكلما زحفت الأنوثة إليهما كنت أترقب اليوم الموعود .. يوم يأتي إلي منزلنا طارق ليطلب الزواج بإحداهما .. فلا أنا مستعد الآن , وليس لدي مصدر يمدني بالمساعدة في المستقبل القريب .. كبرت الفتاتان .. و جاء اليوم الموعود .. بمشاعر الأبوة لم أستطع الرفض رغم يقيني أنني لن أتمكن من الوفاء بما تتطلبه زيجة إحداهما ولبيت نداء الأبوة.. تمت خطبة الكبري منذ أسابيع .. مطلوب مني الآن توفير حجرة نوم وثلاجة ومطبخ,ولا أعلم من أين أدبر ثمن جهازها… فهل من معين ؟
شروخ بلا ترميم
تصورت أن الماضي مر بكل ما فيه .. جرح طاب وطواه النسيان ..لكن يبدو أن ما نفعله في ماضينا يقفز إلي مستقبلنا بكل تفاصيله حينما تشاء الأقدار ..بتلك الكلمات بدأ الشاب س . ل . أ حديثه إلي عبر الهاتف مسترسلا : ## أحببت فتاة حبا جما وعشنا أجمل قصة عشق رسمنا فيها مستقبلنا سويا .. ازداد تعلقنا .. سعينا بكل طاقتنا لادخار المال الكافي لإتمام الخطبة حتي لا نواجه برفض أسرتها .. وذات يوم وأثناء حديثنا عن إخوتها استوقفتني فجأة وقالت لي معي ألبوم صور الأسرة انتظر لأريك إياهم .. فتحت الألبوم .. طوينا الصفحات ..
لفت نظري وجه عهدته في الماضي .. إنها الفتاة التي ارتبطت بها منذ أعوام وما زلت صغيرا.. لم أتفوه بكلمة واحدة .. ظل السؤال يتأرجح علي طرف لساني إلي أن باغتتني قائلة :## دي بقي أختي ## .. وتلقيت الصفعة .. لم أعرف هل أصارحها أم أخفي الحقيقة عنها…إنني أحبها…لا أستطيع أن أتصور خداعها لكن الأمر محير .. حسمت أمري وصارحتها .. قلت لها إنني أعرفها فاندهشت وسألت:كيف ؟رويت لها قصة الماضي التي لم تكتمل وشرحت لها كم كنا صغارا لا نعير الأمر اهتماما ولم يؤثر فينا نهائيا .
تركتني .. ذهبت بلا عودة .. ثم تحدثت إلي عبر الهاتف قائلة : ## انس قصتنا تماما .. روت لي شقيقتي ما كان وأعلم أنها كانت فترة مراهقة لكن لن أستطيع الاستمرار معك ولن أستطيع الارتباط بك فلنحتفظ بصداقتنا ونتحول إخوة فقط .. شرخ ما أصاب فؤادي لن يمكنني ترميمه ..شيء ما تحطم داخلي لا استطيع إصلاحه##.
مضت حبيبتي إلي حيث لا عودة .. حاولت إقناعها دون جدوي .. تمزق قلبي ..تعبت من التأوه والإلحاح فهل أجرمت حينما أحببتها ؟ أنا لم أعرف قط أن الماضي ذو علاقة وثيقة بها ..كنت مراهقا… فهل يحاسب المرء منا علي أفعال أتي بها وما زال مراهقا ؟ توقف ذهني عن التفكيير فلا أجد غضاضة في إتمام الخطبة فأختها مرتبطة الآن وأنا سوف أتزوجها ألا يكفي هذا لتدرك أنني مخلص لها وتثق في مستقبل يحمي حبنا وأسرتنا فيما بعد ؟أنا حائر…فهل حبيبتي محقة في قرارها ؟
رد المحررة
نعم إنها محقة ..نعم يحاسبنا المجتمع عن أفعالنا مهما مر الزمن عليها , وحتي أن أتينا بها وما زلنا صغارا .. ألا نحاسب أبناءنا عن أخطائهم وهم أطفال ؟! ألا تتسبب فتاة مراهقة في كارثة لعائلتها ؟ ألا يوضع السارق من المراهقين في مؤسسات رعاية الأحداث وتقيد حريته لأنه أتي أفعالا خارجة عن القانون فتمت محاسبته عليها؟
قلت الحق عندما ذكرت أن ما نفعله في الماضي يقفز إلي المستقبل .. وحبيبتك محقة تماما…فعندما يختفي بريق الحب في جنبات الحياة الزوجية تظهر أشياء لا نتوقعها وتبدو للإنسان شكوك لم يتصور لحظة أنها ستمر بخاطره , فبالله عليك قل لي كيف تستمر الحياة بكل مصادفتها التي قد تضعكما في موقف واحد مع ذات الأخت في مصيف… في مبيت لدي بيت العائلة الكبير…في مرض يستوجب بقاء الأخت إلي جوار اختها ليال وأيام .
إنها اختارت الحكمة عندما رفضت الاستمرار لأن حياتكما ستظل مهددة دائما بشبح الماضي إذا تزوجتما وسوف تلاحقها الشكوك .. يا عزيزي لا تنظر الآن إلي لوعة الحب و تأجج المشاعر فحينما يخبو ذلك قد يراودك الحنين للماضي ولو للحظة حتي وإن كان طيف مراهقة ..لا تتردد في أمرك وامتثل لقرارها فبالصواب حكمت ..وهذا هو صوت الحكمة لك كفاك إلحاحا عليها لأنكما ستدفعان الثمن من راحة البال إذا ما استجابت إليك ..