الباب الثاني
السعادة
افرحوا بالرب وابتهجوا أيها الصديقون واهتفوا يا جميع المستقيمي القلوب
(مزمور 32:11)
السعادة
مز122 (مز121- صلاة الغروب بالأجبية) عنوانه: فرحت بالقائلين لي إلي بيت الرب نذهب, وهو من مزامير المصاعد لأبينا داود النبي, كانوا يقولونه وهم متجهون إلي الهيكل في حالة فرح..
فرحت بالقائلين لي إلي بيت الرب نذهب. وقفت أرجلنا في ديار أورشليم. أورشليم المبنية مثل مدينة متصلة بعضها ببعض. لأن هناك صعدت القبائل, قبائل الرب شهادة لإسرائيل. يعترفون لاسم الرب. هناك نصبت كراسي للقضاء, كراسي بيت داود. اسألي عن آل سلامتك يا أورشليم, والخصب لمحبيك. ليكن السلام في حصنك, والخصب في أبراجك الرصينة. من أجل إخوتي وأقربائي, تكلمت من أجلك بالسلام. ومن أجل بيت الرب إلهنا التمست لك الخيرات. هللويا
السعادة:
السعادة يبحث عنها الجميع ويتفقون علي طلبها, ولكنهم يختلفون علي تعريفها. فلو سألت الناس: ما هي السعادة؟.. ستجد تعريفا مختلفا عند كل واحد. ولكننا كلنا نتفق أننا نريد أن نعيش سعداء, سواء علي مستوي الفرد أو الأسرة.. علي مستوي المدينة الصغيرة أو المجتمع الكبير, أو علي مستوي العالم, حتي أننا في بعض الأحيان عندما نخاطب الذين يحتلون المناصب الكبيرة.. نلقبهم صاحب السعادة.
ما هي السعادة؟
هل هي في ملك خاص, أو مركز مرموق؟ أم في ثروة توجد عند الإنسان؟.. أم هل السعادة في عفة اللسان؟ هل السعادة في أن يكون الإنسان صاحب سلطان؟
يقول غاندي- الحكيم المعروف- تعبيرا لطيفا: إننا جميعا نبحث عن السعادة وهي بين أيدينا, كما يبحث المرء عن نظارته وهي معلقة فوق أنفه .. أي أنه من اعتياده علي استخدام النظارة, ينسي أنه يضعها, ويظل يبحث عنها.
السعادة أمنية غالية في حياتنا كبشر, لذلك عندما جاء ربنا يسوع إلي الأرض متجسدا قال: وأما أنا فقد أتيت لتكون لهم حياة وليكون لهم أفضل (يو10:10). وكلمة أفضل هي تعبير عن السعادة التي يبحث عنها الإنسان.
وقد يختلف مفهوم السعادة من شخص لآخر. ولكن يجب أن نعرف أن السعادة أولا وأخيرا هي في شخص المسيح. يقولون في أمثال العرب (الرفيق قبل الطريق), الرفيق هو شخص ربنا يسوع المسيح, قبل الطريق. أي قبل السلوك بأي صورة من الصور, التي لا تجلب إسعاده.
سوف نشرح كلمة السعادة من خلال حروفها لأنها تشرح معناها في تركيبها اللغوي, فكلمة سعادة تتكون من خمسة حروف, ودائما رقم خمسة في اللغة العربية يشير إلي قبضة اليد, أي منظومة عمل شاملة ومتكاملة.. فيمكننا أن نجد الكثير من الخماسيات في أسفار الكتاب المقدس.
1-كلمة سعادة تبدأ بحرف (السين): والسين رمز للسماء, فالسعادة لا تبدأ من علي الأرض وإنما تبدأ من السماء. والإنسان الذي له علاقة قوية بالسماء يشعر بالسعادة الحقيقية.. لأنك مخلوق علي صورة الله ومثاله, أنت مخلوق سماوي, وفيك نفخة ونسمة حياة, من الله.
وأنت أيها الإنسان تاج الخليقة وقمة الكون, لذلك لا يمكن أن يحصل الإنسان علي السعادة إلا إذا ابتدأ من نقطة سماوية, أي من عند الله. وعندما تكون للإنسان علاقة قوية بالسماء في حياته, ودائما فكر السماء حاضر أمامه, يكون وهو علي الأرض متصلا بالسماء, فيجد حياته كلها سعادة.
نتذكر معا زكا العشار الذي كان كل همه جمع المال بحكم وظيفته, إذ أنه كان عشارا ويجمع الضرائب وقد يظلم البعض.. وكان هذا هو كل عالمه, مرتبطا بالأرض, ولم يكن عنده فرصة لينظر إلي فوق, لكن عندماخطرت عليه فكرة أن يصعد إلي شجرة الجميز لكي يري يسوع الذي يسمع عنه, فكأنها كانت رسالة من الله إلي قلبه لكي ما يرتفع, وعندما قابله المسيح وقال له: أسرع وانزل. اليوم حصل خلاص لهذا البيت.. بدأت العلاقة معه.. وبدأت معها شرارة السعادة في حياة زكا, الذي تعتبره الكنيسة قديسا.
فلابد إذا أن تبدأالسعادة من السماء.. أي من الإنسان الذي يفكر في السماء.
أيضا الطبيعة التي نعيش فيها تعطينا الشعور بالسعادة.. كمثال لذلك عندما نذهب إلي البرية الخاوية من المباني التي تعوق الرؤية, فنشاهد الرمل, وعلي مرمي البصر نري التقاء الأرض بالسماء, وأيضا عندما نذهب إلي البحر ونري التقاء الماء بالسماء, وكذلك في الريف الذي هو حقول خضراء متحدة بالسماء.. هذه الأماكن يشعر فيها الإنسان بالسعادة, لأنها تؤكد علاقته بالسماء..
لذلك من الأهمية أن يقضي الإنسان بعض الأوقات في هذه الأماكن.. هذا بالإضافة إلي حياته الروحية السماوية, سواء كانت صلوات أو تأملات أو مناجاة بينه وبين إلهه.. وعندما يري السماء مفتوحة أمامه يلقي أحماله وأتعابه, وكأنه يسمع صوتا من السماء يقول: تعالوا إلي يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم.. فتجدوا راحة لنفوسكم.. فهي راحة تبدأ من السماء.. حتي في اللغة الإنجليزية كلمة سعادة Happiness تبدأ بحرف (H) وهو نفس الحرف الذي تبدأ به كلمة Heaven والتي تعني سماء.
وفي كل مرة تنظر إلي السماء, وتجعل السماء في قلبك, يتقوي إيمانك وترتفع فوق الأرضيات والترابيات, وفي الكنيسة عندما يصلي الأب الكاهن قائلا: أين هي قلوبكم؟ نرد بتعبير جميل قائلين: هي عند الرب, أي أنها في السماء.. فقلبي وفيه كل مشاعري وأحاسيسي وعواطفي مرفوعة. ومأخوذة في السماء. وقديما كانوا يطلقون علي الإنسان المرتبط بالله لقب خينيفاوي وهي الكلمة القبطية خين نيفيئوي, أي من السماء.. لأن هذا الشخص سماوي الطبع أو الشكل..