الفن تعبير صادق عما تجيش به نفس الفنان…فهو يبدع من خلال تطويع اللون والخط في تركيب متوافق ومتناسق…يجسد نبضاته وانطباعاته وأحاسيسه في عمله الفني بأمانة…ولكل فن فلسفته في الحياة تظهر في إبداعات الفنان كلها مستخدما خاماته المفضلة وأسلوبه الخاص عن الواقع وإلتحامه بالمجتمع…فيعطي صورة مشرقة للحياة…نلمس هذه المعاني في معارض للفنانين صلاح طاهر…ومكرم حنين…ونازلي مدكور….وعصمت داوستاشي فنجد إبداعاتهم عالما مليئا بالخيالات والجمال بين الحقيقة والقيمة الفنية…
الاحتفالية المئوية
أقامت قاعة الزمالك للفن معرضا لأعمال الفنان المتميز الراحل صلاح طاهر1911-2007 وذلك بمناسبة مرور مائة عام علي ميلاد الفنان يضم المعرض مائة لوحة مختارة من أعماله خلال رحلة الفن والعطاء…التي جعل منها سيمفونية متتالية الألوان.
ويعد صلاح طاهر علامة من علامات الحركة الفنية المصرية…فمنذ التحاقه بمدرسة الفنون الجميلة العليا والتخرج فيها عام 1934 لم تتوقف فرشاته عن الإبداع حتي وفاته بقليل عام2007, وكان صلاح طاهر يعيش بالفن وللفن مكررا دائما قولهالفن طويل المدي والحياة قصيرة وربما كان هذا أحد الأسباب التي أطالت في عمره حتي بلغ السادسة والتسعين.
وبالرغم من المناصب العديدة التي شغلها الفنان صلاح طاهر فإنه لم ينشغل عن الإنتاج الفن ومتابعة القراءة والموسيقي…بل ظل يرسم ويبدع…حتي ملأ الدنيا بألوانه الجذابة ولايكاد أي مكان يخلو من إنتاجه العريض الذي بدأ في الثلاثينيات من القرن العشرين حتي وقتنا هذا…كان مبتسما هادئا مع كل موجات الحياة التي صادفته…وانتصر بإصراره وحبه للفن علي كثير من الصعوبات.
وفناننا الراحل صلاح طاهر صاحب فلسفة خاصة في حياته الفنية والاجتماعية أتاحتها له مكتبته التي تضم آلاف الكتب الفنية والأدبية والفلكية والموسيقية..وحتي كتب الطب ورياضة اليوجا التي كان يمارسها في حياته.
تمتاز لوحات صلاح طاهر التي أبدعها بالخطوط والألوان المبتكرة في تشكيلات علي سطوح لوحاته المتنوعة…تداخل فيها الألوان في تناغم وشاعرية توحي بالروحانية وعظمة الله…نجد فيها الموضوعات المستوحاة من العمارة بالزخارف الهندسية والطبيعة والتراث…أسقطها باللون فتناغمت بأسلوبه الفريد ملتحمة في ذاتها…مليئة بحركتها الداخلية حيث تنبعث وكأنه سيمفونية لونية.
ولهذا السبب نجد تنوع إنتاجه الفني ابتداء من الأكاديمية إلي أقصي التجريدية مارا بمعظم المدارس الفنية المعروفة ولكن بأسلوبه الخاص…كما كان من بين أشهر فناني البورتريه في مصر.
حصل صلاح طاهر علي عدة جوائز وأوسمة منها جائزة جوجنهايم العالمية عام1961, وجائزة الدولة التقديرية, ووسام الاستحقاق عام1974, ومنحته الدولة جائزة النيلمبارك سابقا في دورتها الأولي عام1999 بعد مشوار طويل في عالم الفن, وأخيرا وسام الريشة الذهبية من اللجنة الدائمة لمتحف الفن المصري الحديث…وكان عضوا بالمجلس الأعلي للثقافة.
الروحانية بين الواقع والخيال
يواصل الفنان القدير مكرم حنين انطلاقاته الفنية…حيث يعرض إبداعاته علي جدران قاعة بيكاسو للفنون بالزمالك…يضم المعرض مجموعة من الأعمال الفنية القديمة والحديثة للفنان من ستينيات القرن العشرين إلي عام2011 حيث قدم لوحةشمس الثورة تتناول ثورة 25 يناير برؤية خاصة وبطريقة رمزية…صور فيها شباب الميدان…ومصر شمس في الوسط تنطلق من بين ذراعيها حمامة رمز للحرية والأوراق في اللوحة ترمز للقلوب البيضاء.
كما قدم لوحات ملونة ولوحات بالخط والمساحة السوداء تحت عنوانالروحانية بين الواقع والخيال انطلاقا من أن الفن لاينفصل عن التاريخ….تمتاز بقوة التكوين تحمل مضمونا ثقافيا ينبع من رؤية الفنان وتجوله…والتي تتفق والبيئة المصرية الأصيلة…مثل لوحةبنات قبلي نجد فيها أسرارا وذكريات ينفرد بها ويبدع فيها…حيث كل خبراته وفكره الفلسفي بأسلوبه الروحاني…نلمس فيها وغيرها مشاعره عن النوبة والنيل الخالد بمراكبه…إحساسه الصادق والقدرة علي التطريب البصري والجمال الكامن في طبيعة الأشياء بأسلوب إبداعي مميز الذي تحدثه عذوبه ألوانه التي يستشع منها الضوء في الظلال المرسومة.
وقدم أعمالا محملة برموز وأبعادا هامسة مع شخوصه الإنسانية التي تثري التعبير في العمل الفني من مخزون تراثي بفلسفته عن هذا العالم الزاخر بالألوان والخطوط بنظرة معاصرة من خلال ذاتيته…وهكذا حدث الإنسجام بين شخوصه والخامة.
وأتي الربيع
وفي قاعةأفق واحد بجوار متحف محمود خليل بالجيزة..تعرض الفنانة نازلي مدكور إبداعاتها تحت عنوانوأتي الربيع تقدم الفنانة 50 لوحة جديدة تعبر عن مشاهد وأماكن من رحم الطبيعة…حيث تتوغل في عالم الزهور وأوراق النباتات…والتي تمتاز بالخيال الخصب…حيث تبسيط عناصر التكوين المرسومة بمساحات لونية في أفاق رؤيتها لروح المكان.
نلمس في مجموعة لوحاتها بحثا عن المعاني الداخلية للطبيعة من خلال الزهور والأوراق فأضفت علي لمسات فرشاتها مزيدا من القيم الجمالية والفنية…فنجد في إبداعاتها هذه الخلفية العميقة التي لا تأتي إلا بعد سنين عديدة من الثقافة..معبرة عن الحس الموسيقي الذي يشع من الألوان عناصر اللوحات.
قبل وبعد الثورة
يشاهد جمهور القاهرة حاليا في قاعة إكسترا للفنون بالزمالك معرضا بعنوان لوحات قبل وبعد الثورة للفنان السكندري عصمت داوستاشي والتي أنجزها خلال عامي 2010, 2011…يضم المعرض 35 لوحة زيتية..رسمها الفنان قبل ثورة 25 يناير والتي تعكس إرهاصاته للثورة ومجموعة أخري رسمها أثناء أحداث الثورة ومنها لوحةشهداء الثورة وتحية الشهيد وموقعة الجمل ومصر الحزينة.
إننا نلمس هذه المشاعر والأحاسيس الإنسانية في لوحات المعرض…والتي استوحاها الفنان من واقع المجتمع الذي كان مهموما به تراثه ووجد فيها أشكال وتكونيات لاتخطر علي بال…وبعين الفنان الواعية…اكتشف هذه الأشكال وأسقطها في تكونيات لوحاته…مع رموز خاصة بكل لوحة محملة بالمعاني بالإيحاد الغامض ليزيدها جمالا وقيمة فنية.
هذه الإبداعات مشحونة بغرابة الحلم وبلاغة القيمة الفنية في قالب من القوالب الجمالية…حيث التركيبة اللونية الخاصة به…ذات المذاق شديد التعبير لجانب من الحياة الاجتماعية والشعبية اليومية.