فمَنْ يختبر مذاق النجاح يتوق إلى إحراز نجاحات أخرى، فالنجاح كما يقال رحلة لا مرحلة، وهي رحلة لا محطة فيها، إنه ليس هدفاً إنما درجة في سلم نرتقيه.
النجاح في حقيقته بداية وليس نهاية، فليس هناك محطة وصول للنجاح نستطيع أن نقول عندها إننا وصلنا إلى آخر محطة.
فصدق مَنْ قال: إن النجاح الذي يعقب النجاح الأول يدفع الشخص لإدمان النجاح.
هذا ولابد أن نضع في إعتبارنا أن للنجاح ثمنه وضريبته ولابد لمَنْ يبتغي ويرنو للحياة الناجحة أن يكون على إستعداد لدفع الضريبة والثمن عن طيب خاطر وبكل سرور.
في هذا المقال وما يليه في الأعداد القادمة سنرى الأسرار التي ثقف وراء كل ناجح ومتميز وهي كثيرة جداً أذكر منها الآتي:
الفصل السابع عشر: الإلتزام والإنضباط
إن أحد معطلات التنمية والتقدم والنجاح عند الكثيرين هو نقص مستوى التزامهم وإنضباطهم، والناس بطبيعتهم يريدون أن يكونوا ملتزمين لما يُعطي أهمية لحياتهم، فهم يستجيبون للمسئوليات التي تعطي معنى لحياتهم.
لقد كان الرب يسوع يطالب مَنْ يدعوهم لإتباعه بالإلتزام إذ كان يضع أمامهم التحديات والصعاب التي ستقابلهم في مسيرهم معه ليكون قرارهم عن معرفة ودراية وإقناع لدفع الضريبة والثمن فنقرأ في إنجيل (لوقا 9: 57- 62) ” وَفِيمَا هُمْ سَائِرُونَ فِي الطَّرِيقِ قَالَ لَهُ وَاحِدٌ: «يَا سَيِّدُ، أَتْبَعُكَ أَيْنَمَا تَمْضِي فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ:«لِلثَّعَالِبِ أَوْجِرَةٌ، وَلِطُيُورِ السَّمَاءِ أَوْكَارٌ، وَأَمَّا ابْنُ الإِنْسَانِ فَلَيْسَ لَهُ أَيْنَ يُسْنِدُ رَأْسَهُ». وَقَالَ لآخَرَ:«اتْبَعْنِي». فَقَالَ:«يَا سَيِّدُ، ائْذَنْ لِي أَنْ أَمْضِيَ أَوَّلاً وَأَدْفِنَ أَبِي فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ:«دَعِ الْمَوْتَى يَدْفِنُونَ مَوْتَاهُمْ، وَأَمَّا أَنْتَ فَاذْهَبْ وَنَادِ بِمَلَكُوتِ اللهِ». وَقَالَ آخَرُ أَيْضًا: «أَتْبَعُكَ يَا سَيِّدُ، وَلكِنِ ائْذَنْ لِي أَوَّلاً أَنْ أُوَدِّعَ الَّذِينَ فِي بَيْتِي». فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ:«لَيْسَ أَحَدٌ يَضَعُ يَدَهُ عَلَى الْمِحْرَاثِ وَيَنْظُرُ إِلَى الْوَرَاءِ يَصْلُحُ لِمَلَكُوتِ اللهِ”.
ويسطر الوحي المقدس في معرض حديثه عن مثل العبيد المستعدين الذي فاه به السيد رسالة هامة جداً عن أهمية الإلتزام إذ مكتوب:” طُوبَى لأُولَئِكَ الْعَبِيدِ الَّذِينَ إِذَا جَاءَ سَيِّدُهُمْ يَجِدُهُمْ سَاهِرِينَ. اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ يَتَمَنْطَقُ وَيُتْكِئُهُمْ وَيَتَقَدَّمُ وَيَخْدُمُهُمْ… فَكُونُوا أَنْتُمْ إِذًا مُسْتَعِدِّينَ، لأَنَّهُ فِي سَاعَةٍ لاَ تَظُنُّونَ يَأْتِي ابْنُ الإِنْسَانِ”…(لو12: 37، 40).
والمتأمل للكنيسة عندما بدأت يجدها كانت على درجة عالية من الإلتزام كما نقرأ في (أع2: 42) ” وَكَانُوا يُواظِبُونَ عَلَى تَعْلِيمِ الرُّسُلِ، وَالشَّرِكَةِ، وَكَسْرِ الْخُبْزِ، وَالصَّلَوَاتِ”.
نعم! إذا أردنا تنمية حياتنا ونجاحنا فعلينا أن ندرب أنفسناً على احترام مواعيدنا.
يقول المفكر الكبير أنيس منصور : نحن أكثر الشعوب التي تمتلك ساعات ومع ذلك لا نحافظ على الوقت، وقد يسألك أحدهم وأنت تسير في الشارع: كم الساعة الآن؟ فتجيب التاسعة والنصف مثلاً فإذا بصوت شخص آخر يرد من الخلف قائلاً: التاسعة وسبعة وعشرون دقيقة فقط… ومع ذلك فإن نفس هذا الشخص عندما يعطيك ميعاداً قد يصل متأخراً نصف ساعة أو أكثر.
نحن شعب لا يعرف قيمة الوقت وأهميته وأكبر دليل على ذلك إن وحدة الزمن التي نستخدمها كبيرة جداً كالموسم والسنة والشهر …الخ.
فتجد مَنْ يقول لك: سأزورك الأسبوع القادم أو بعد الظهر أو في المغرب إن الشخصية الناجحة وحدة الزمن عندها هي الثانية، وكل ثانية لها قيمة.
ياه! ما أروع العالم المصري د.أحمد زويل الحائز على جائزة نوبل التي ابتكر الفيمتوثانية فهل نتعلم منه الإلتزام والإنضباط واحترام أوقاتنا لكي ننجح في حياتنا.
الفصل الثامن عشر : الإهتمام بالنقد
لا شك أن الإنسان لكي يزداد نضوجاً ونمواً ونجاحاً عليه أولاً أن يواظب على نقد ذاته بصورة موضوعية وعلمية بصفة دورية، ويؤكد الرسول بولس على هذه الفكرة بقوله في (1كو11: 28) ” لِيَمْتَحِنِ الإِنْسَانُ نَفْسَهُ،” وفي (غلا6: 4) مكتوب ” لِيَمْتَحِنْ كُلُّ وَاحِدٍ عَمَلَهُ،” وفي (2كو13: 5) يقول:” امْتَحِنُوا أَنْفُسَكُمْ.”
الإنسان الناضج الواثق من نفسه يبحث عن مَنْ ينتقده لكي يتعلم ويتطور، أما الإنسان الذي يرفض النقد ولا يعطي أذناً لمَنْ ينتقده لا يعني أنه فوق النقد، وإنما يعني أنه لا يبتغي أن يتطور ويتقدم إلى الأمام.
ما أجمل وما أروع الصلاة التي رفعها داود عندما صلى قائلاً: اخْتَبِرْنِي يَا اَللهُ وَاعْرِفْ قَلْبِي.امْتَحِنِّي وَاعْرِفْ أَفْكَارِي وَانْظُرْ إِنْ كَانَ فِيَّ طَرِيقٌ بَاطِلٌ، وَاهْدِنِي طَرِيقًا أَبَدِيًّا”.(مز139: 23، 24).
إن المرنم يطلب من الله أن يختبره ويعرفه لينقيه ويطهره أكثر، وهو سعيد بهذا الأمر ففي إفتتاحية المزمور يقول:” يَا رَبُّ، قَدِ اخْتَبَرْتَنِي وَعَرَفْتَنِي. أَنْتَ عَرَفْتَ جُلُوسِي وَقِيَامِي. فَهِمْتَ فِكْرِي مِنْ بَعِيدٍ.”(مز139: 1، 2).
فالله لا يختبر الإنسان ليلومه على ضعف بل ليقوي ضعفه ويقيمه من عثرته، ويعالج أخطائه.
لقد كان الرب يسوع يريد أن يعرف رأي الناس فيه لذلك سأل في مرة تلاميذه قائلاً:«مَنْ يَقُولُ النَّاسُ إِنِّي أَنَا ابْنُ الإِنْسَانِ؟”(مت16: 13). ويقول الحكيم:” اِسْمَعِ الْمَشُورَةَ وَاقْبَلِ التَّأْدِيبَ، لِكَيْ تَكُونَ حَكِيمًا فِي آخِرَتِكَ”(أم19: 20)وفي ترجمة أخرى تأتي كلمة التأديب بمعنى (النقد والتوجيه) فالنقد يساعد على تطوير الشخصية.
والإنسان الناضج الذي يريد أن يستفيد من النقد عليه أن يتحلى بتواضع حقيقي، ويدرك أنه كإنسان عرضة للخطأ ويحتاج إلى مَنْ يساعده على إكتشاف أخطائه.
وأيضاً يتصف بأن يكون لديه إستعداد لقبول النقد والإستفاده منه ليتفادي أخطائه ويطور سلوكه في المستقبل.
هذا ومن ناحية أخرى نرى أن الإنسان يستريح إلى المدح والثناء، فمن خلال الثناء يشعر كل فرد بأهميته، وتقدير الغير له، وهذا يبني الشخصية دون شك.
لكن الإنسان يحتاج إلى أن يستمع إلى إنتقادات الغير له فالإنسان معرض أن يخطئ دون أن يشعر بالخطأ، كما أن الإنسان يحتاج إلى آراء الغير، يحتاج أن يتعلم أن يتقبل النقد دون أن يشعر بجرح الشعور، وكلما واجه الإنسان الحديث الغير سار، الذي يوجهه إلى أخطاء صدرت عنه، كان الإنسان يسير في الطريق الصواب.
هناك البعض من الناس مَنْ يقف موقفاً دفاعياً ضد أي نقد يوجه إليه، فالذي لا يحتمل الإنتقاد يضر بنفسه، فهو لا يريد أن يرى الموقف من وجهة نظر غيره، والعاقل يفسح لنفسه المجال أن يرى الأمور من حيث يراها الآخرون وبذلك يكون معداً أن ينتقد هو نفسه، وأن يعدل من سلوكه.
قد يصدر النقد من شخص مخلص، أو شخص حاقد، فالإستماع إلى النقد شيء، والإهتمام بشخص الناقد شىء آخر.
فالناضج يستفيد من كل ما يوجه إليه من إنتقادات، أيا كان مصدرها وبعد ذلك يكون مستعداً أن يقيم الموقف فيقبل ما يراه صواباً، أو يعدل فيه، أو يرفض ما لا يستريح إليه.
والنقد مصدر هام من مصادر التعليم وزيادة المعرفة، والإنسان السوي يكون مستعداً أن يستمع إلى إنتقادات الناس، لكي يتعلم من أخطائه، وعندما يشعر إنسان إنه أخطأ فلابد للناضج أن يعترف بالخطأ، وقدرة الإنسان على الإعتراف بالخطأ قدرة ناضجة واعية مسئولة.
والإنسان الناضج يتعلم من الخطأ كما يتعلم من الصواب فمتى نجح تعلم مما عمله، ومتى أخطأ تعلم من الخطأ وكلما تعلم الإنسان من خبرات حياته تقدم ونما.
لمتابعة أسرار التميز السابقة: