النجاح حلم يراود الإنسان عبر الزمان، وهدف منشود يسعي إلى تحقيقه، والإنسان السوي لا يرغب في النجاح فحسب بل ومواصلة النجاح في مجالات الحياة المتعددة الشخصية والأسرية والعلمية والعملية والإجتماعية والمادية وكذلك في كل مراحل حياته العمرية.
فمَنْ يختبر مذاق النجاح يتوق إلى إحراز نجاحات أخرى، فالنجاح كما يقال رحلة لا مرحلة، وهي رحلة لا محطة فيها، إنه ليس هدفاً إنما درجة في سلم نرتقيه.
النجاح في حقيقته بداية وليس نهاية، فليس هناك محطة وصول للنجاح نستطيع أن نقول عندها إننا وصلنا إلى آخر محطة.
فصدق مَنْ قال: إن النجاح الذي يعقب النجاح الأول يدفع الشخص لإدمان النجاح.
هذا ولابد أن نضع في إعتبارنا أن للنجاح ثمنه وضريبته ولابد لمَنْ يبتغي ويرنو للحياة الناجحة أن يكون على إستعداد لدفع الضريبة والثمن عن طيب خاطر وبكل سرور.
في هذا المقال وما يليه في الأعداد القادمة سنرى الأسرار التي ثقف وراء كل ناجح ومتميز وهي كثيرة جداً أذكر منها الآتي:
الفصل الثالث عشر : أعرف الفرق بين الإتكال والتواكل
أي نعم! إن حياتنا ونجاحنا ومستقبلنا وكل شيء بيد الله، الذي به نحيا ونتحرك ونوجد … لكن في نفس الوقت علينا أن ندرك التوازن بين الدور الإلهي والدور البشري في أمور حياتنا، فإذا تركنا كل شيء على الله دون أن نقوم بدورنا فهذا هو التواكل، أما الإتكال هو أن يقوم الإنسان بدوره مستنداً على نعمة الله.
لقد شرح الرسول بولس فكرة المشاركة بين الله والإنسان عندما قال:” أَنَا غَرَسْتُوَأَبُلُّوسُ سَقَى، لكِنَّ اللهَ كَانَ يُنْمِي…. فَإِنَّنَا نَحْنُ عَامِلاَنِ مَعَ اللهِ، وَأَنْتُمْ فَلاَحَةُ اللهِ، بِنَاءُ اللهِ”(1كو3: 6و 9). وكأنه يريد أن يقول: لقد قام الله بدوره بعد أن أنجز بولس وأبولس عملهما.
في (أعمال27: 23- 34) نقرأ عن الرسول بولس عندما كان في السفينة في طريقه إلى إيطاليا، وهبت الرياح العاتية، وإرتفعت الأمواج الصاخبة، وأخذت تتأرجح بالسفينة التي كان فيها الرسول بولس ورفاقه … كان الجميع في خطر حقيقي، وصلي الرسول بولس وأعطاه الرب وعداً بالنجاة، ولكن بالرغم من ذلك عندما علم أن النوتيه يريدون الهروب من السفينة قال لقائد المئة والعسكر: “إِنْ لَمْ يَبْقَ هؤُلاَءِ فِي السَّفِينَةِ فَأَنْتُمْ لاَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَنْجُوا”. ثم طْلُبُ من الْجَمِيعِ أَنْ يَتَنَاوَلُوا طَعَامًا، قَائِلاً”: لأَنَّه هذَا يَكُونُ مُفِيدًا لِنَجَاتِكُمْ”. صحيح أن الله سوف ينقذهم ولكن من خلال النوتيه، ودور كل واحد في السفينة، لذلك كان من المهم أن يأكلوا … ” صحيح المستقبل في يد الله ولكنه يصنعه بنا”.
يحكي ﭼون ستوت في كتابه “المسيحية والقضايا المعاصرة” قصة طريفة عن بستاني إنجليزي فقير كان بجوار بيته قطعة أرض خراب، فاعتني بها ونقّاها من الأحجار، وحرثها وزرعها، فإزدانت بالأزهار والورود الجميلة، وذات يوم زاره أحد الخدام فأعجب بالحديقة وقال له:” كم نشكر الله لأنه صنع معك عملاً عظيماً” فلم يسر البستاني كثيراً بذلك التعليق فقال له: ” كان ينبغي أن ترى هذه الحديقة بالذات عندما كان الله وحده يعتنى بها”، ويعلق ﭼون ستوت قائلاً: ” لقد كان البستاني محقاً في تفكيره اللاهوتي فإذا لم يكن هناك بستاني يعتني بالحديقة فسرعان ما تصبح صحراء جرداء.
نعم! إن كل خططنا وبرامجنا وأنشطتنا بلا جدوى أو فائدة بدون مسحة الله فمكتوب:” إِنْ لَمْ يَبْنِ الرَّبُّ الْبَيْتَ، فَبَاطِلاً يَتْعَبُ الْبَنَّاؤُونَ. إِنْ لَمْ يَحْفَظِ الرَّبُّ الْمَدِينَةَ، فَبَاطِلاً يَسْهَرُ الْحَارِسُ.”(مز127: 1) لكن في نفس الوقت لا نتكاسل أبداً بل نؤدي دورنا على أكمل وجه ليتمجد اسم إلهنا من خلالنا.
الفصل الرابع عشر : لتكن لك رؤية وخطة لحياتك
إذا أردنا أن تكون حياتنا ناجحة ومثمرة ومؤثرة علينا أن نعطي التخطيط للمستقبل أهمية كبري وهذا ليس ضد الإيمان، والثقة في رعاية الراعي الصالح، والتسليم لإرشاد روح الله القدوس.
ظن البعض أن قول الرب يسوع “َلاَ تَهْتَمُّوا لِلْغَدِ، لأَنَّ الْغَدَ يَهْتَمُّ بِمَا لِنَفْسِهِ. يَكْفِي الْيَوْمَ شَرُّه”(مت6: 34) بمثابة دعوة لعدم التخطيط، بالطبع لم يقصد الرب أن لا نخطط لحياتنا وننظمها، وإنما يقصد عدم القلق والخوف، لأن القلق والأرق على الغد يفقدنا مذاق اليوم، ويشل حركتنا فلا نستطيع أن نعمل في حاضرنا لخير مستقبلنا.
هذا ومن ناحية أخرى فإن كنا نؤمن أن روح الله يسكن فينا فيجب أن نثق أن الروح القدس هو الذي يرشدنا اليوم لما يجب أن نفعله في الغد أو في الأسبوع أو الشهر أو العام القادم، والسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل الإستناد والإتكال على إرشاد الروح القدس يعني أن تسير حياتنا بعشوائية وبعدم ترتيب؟ بالطبع لا وألف لا، وإنما يجب أن ندرك أن إعتمادنا على الروح القدس يجب أن يدفعنا أكثر للمزيد من الإعداد والدراسة والتخطيط.
والتخطيط هو مرحلة التفكير السابقة للعمل والتي تشمل تحديد الأهداف، ورسم خطة عملية لتحقيقها بإستخدام كل الإمكانيات المتاحة بأعلى درجة من الكفاءة والمهارة في ظل ظروف قائمة أو محتملة ووضع ذلك في برنامج عمل محدد وواضح المعالم من خلال جدول زمني معين، مع وضع معايير للمتابعة وتقييم النتائج.
والتخطيط أمر ضروري للغاية فكلمة الله تعلمنا هذا الأمر، فإن كنا نؤمن أن حياتنا هبة من الله، وأننا أبناء الله، وأن الله أوكلنا على مواهب ووزنات متعددة، وعلى مهمة ورسالة نؤديها في الحياة. فيجب أن نخطط لحياتنا بدقة متناهية حتى نتمم رسالتنا على أكمل وجه “كَوُكَلاَءَ صَالِحِينَ عَلَى نِعْمَةِ اللهِ الْمُتَنَوِّعَةِ”.(1بط4: 10). ولأننا في يوم من الأيام سنقف أمام السيد ويسألنا: أعط حساب وكالتك.
هذا وقد علمنا الرب يسوع قائلاً: في (لو14: 28- 32)” وَمَنْ مِنْكُمْ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَبْنِيَ بُرْجًا لاَ يَجْلِسُ أَوَّلاً وَيَحْسِبُ النَّفَقَةَ، هَلْ عِنْدَهُ مَا يَلْزَمُ لِكَمَالِهِ؟ لِئَلاَّ يَضَعَ الأَسَاسَ وَلاَ يَقْدِرَ أَنْ يُكَمِّلَ، فَيَبْتَدِئَ جَمِيعُ النَّاظِرِينَ يَهْزَأُونَ بِهِ، قَائِلِينَ: هذَا الإِنْسَانُ ابْتَدَأَ يَبْنِي وَلَمْ يَقْدِرْ أَنْ يُكَمِّلَ وَأَيُّ مَلِكٍ إِنْ ذَهَبَ لِمُقَاتَلَةِ مَلِكٍ آخَرَ فِي حَرْبٍ، لاَ يَجْلِسُ أَوَّلاًوَيَتَشَاوَرُ: هَلْ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُلاَقِيَ بِعَشَرَةِ آلاَفٍ الَّذِي يَأْتِي عَلَيْهِ بِعِشْرِينَ أَلْفًا؟ وَإِلاَّ فَمَادَامَ ذلِكَ بَعِيدًا، يُرْسِلُ سِفَارَةً وَيَسْأَلُ مَا هُوَ لِلصُّلْحِ”.
وهل ننسى عندما ظهر الرب لشاول الطرسوسي قال له:” قُمْ وَاذْهَبْ إِلَى دِمَشْقَ، وَهُنَاكَ يُقَالُ لَكَ عَنْ جَمِيعِ مَا تَرَتَّبَ لَكَ أَنْ تَفْعَلَ”)أع22: 10). وكلمة (ترتيب) هنا بمعنى تخطيط كل شيء ما يجب أن تفعله، ويقول الرسول بولس في (أف2: 10) “لأَنَّنَا نَحْنُ عَمَلُهُ، مَخْلُوقِينَ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ لأَعْمَال صَالِحَةٍ، قَدْ سَبَقَ اللهُ فَأَعَدَّهَا لِكَيْ نَسْلُكَ فِيهَا”. والسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل خلقنا الله أولاً ثم جهز لنا أعمالاً صالحة لكي نسلك فيها؟!أم أنه أولاً سبق وأعد لنا أعمالاً صالحة ثم خلقنا لنسلك فيها بعد ذلك؟! بالطبع واضح جداً من النص أن الله أعد لنا أعمالاً صالحة أولاً ثم خلقنا لنسلك فيها ثانياً .
لقد كان الرسول بولس يرتب لكل سفرياته ورحلاته التبشيرية بطريقة علمية مدروسة ومنظمة فنقرأ في (أع20: 13) ” وَأَمَّا نَحْنُ فَسَبَقْنَا إِلَى السَّفِينَةِ وَأَقْلَعْنَا إِلَى أَسُّوسَ، مُزْمِعِينَ أَنْ نَأْخُذَ بُولُسَ مِنْ هُنَاكَ، لأَنَّهُ كَانَ قَدْ رَتَّبَ هكَذَا مُزْمِعًا أَنْ يَمْشِيَ.و[رتب] هنا تعني بلغة عصرنا بمعنى” سبق وأعد ونظم برنامجه” وقد كان الهدف واضحاً في ذهنه إذ يقول:” أَسْعَى نَحْوَ الْغَرَضِ لأَجْلِ جَعَالَةِ دَعْوَةِ اللهِ الْعُلْيَا فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ”(في3: 14). وهو يحثنا قائلاً ” وَلْيَكُنْ كُلُّ شَيْءٍ بِلِيَاقَةٍ وَبِحَسَبِ تَرْتِيبٍ”.(1كو14: 40).
وعندما واجهت الكنيسة الأولى مشكلة التهوديين أولئك الذين ينادون بأن الإنسان لابد أن يصير يهودياً أولاً قبل أن يدخل إلى الإيمان المسيحي، عندئذ إجتمعت الكنيسة الأولى وخططوا لمواجهة هذه المشكلة فنقرأ:” فلما حصل لبولس وَبَرْنَابَا مُنَازَعَةٌ وَمُبَاحَثَةٌ لَيْسَتْ بِقَلِيلَةٍ مَعَهُمْ، رَتَّبُوا أَنْ يَصْعَدَ بُولُسُ وَبَرْنَابَا وَأُنَاسٌ آخَرُونَ مِنْهُمْ إِلَى الرُّسُلِ وَالْمَشَايخِ إِلَى أُورُشَلِيمَ مِنْ أَجْلِ هذِهِ الْمَسْأَلَةِ).” أع15: 2).
إن كلمة [رتبوا] الواردة في هذه الأعداد تعادل اليوم كلمات مثل التخطيط والتنظيم والبرمجة.
لذلك من الرائع أن يجلس الفرد مع نفسه، أو الجماعة معاً للتفكير والتخطيط للمستقبل البعيد بفكر الله ونقول كما قال الرسل في القديم “رَأَى الرُّوحُ الْقُدُسُ وَنَحْنُ،”(أع15: 28).
فالتخطيط له فوائده العديدة أذكر منها:
1. يوفر الوقت والجهد والمال.
2. التخطيط يساعدنا على تجاوز أي معوقات أو صعاب قد تقابلنا في طريقنا،لأن التخطيط يهتم بدراسة كل البدائل المتاحة للوصول إلى الهدف المنشود.
3. التخطيط يدفع إلى التقدم والنمو والإستمرارية لتحقيق الأهداف المرجوه بأروع كفاءة ممكنة.
4. التخطيط يجعلنا نعرف ماذا نريد؟ وماذا نفعل؟ وإلى أين سنصل؟ ومتى نحقق ما نريده؟
ولمعرفة أهمية التخطيط تخيل أحدهم أننا أعطينا طفلاً ورقة وقلم ليلعب بهما، سنجد الطفل يرسم العديد من الخطوط المتقاطعة والمنحنية الطولية والعرضية، والخطوط العشوائية التائهة التي بلا معنى وبلا رسالة، وعندما نسأل ماذا رسم الطفل؟ فلا نجد إجابة.
لكن عندما نسأل ما هو المثلث؟ نقول أنه ثلاثة خطوط تكاملت معاً فأنتجت شكلاً هندسياً واضح المعالم، وهكذا المربع هو أربعة خطوط تكاملت معاً فأخرجت شكلاً له معنى، وهذا هو الفرق بين فرد أو جماعة تتحرك في أنشطتها بناء على رؤية وخطة وبين فرد أو جماعة أخرى تتحرك بعشوائية، ربما تكون حياتنا مزدحمة بالأنشطة لكنها لا تصنع شيئاً، ولا يرسم شكلاً واضحاً، ولا تحقق فائدة.
5. التخطيط يوحد الجماعة نحو هدف معين، ويجنبهم الخلافات لأن كل شخص يعرف دوره ومسئوليته، كما أن التخطيط سيجعلنا نستفيد من كل الإمكانيات المتاحة كما أن التخطيط يحقق رقابة إيجابية، لأنه يحدد معايير الأداء والوقت المحدد للتنفيذ، والنتائج المطلوبة.
لمتابعة أسرار التميز السابقة: